محاولة انقاذ بقلم:حسين علام
تاريخ النشر : 2020-07-07
اخذت قسطا من الراحة بعد عمل شاق اليوم ، حينها بدأت الذاكرة تفتح ابوابها و تقلب صورها بما رأيت و هنا لا اريد انا بأن اسلط الضوء فيما حدث معنا بالتفاصيل الا قليلا في ظل الايام السابقة القليلة، لا اعلم لما هذا الموقف بالذات اخذ يتكرر معي و ابى ان يدفن و ينسى كباقي المواقف الاخرى. نحن نمر من خلال الايام بمواقف و تجارب تربطنا معها مشاعر و احساسيس منها الحزينة و منها المفرحة كأي انسان اخر ، و لكن هناك ما يصعب علينا نسيانه، نعم اذكر الحدث و لكن اعذروني ان حصل تغيب في بعض النقاط فيما سأطرقه الان و لكم هنا ما كان هناك من خلال الآتي:

دخلنا انا و ابي الى غرفة الطوارئ بالتحديد كان ذلك في قسم الباطنية، شق دكتور الباطنية على ابي و اخذ يشخص حالته فيما كان يقول، و عندها توصل الى تشخيص الحالة بشكل دقيق و من خلال الاعراض التي تم ذكرها، استطاع الدكتور على اثرها بكتابة الوصفة الطبية الصحيحة الكترونيا على جهاز الحاسوب، و طلب مني الدكتور بإحضاره من الصيدلية، فذهبت هناك و تمت صرافة الدواء لي من قبل الصيدلي الذي يعمل هناك، و كان الدواء عبارة عن ابرتين و زجاجة من المحلول المسكن خاص للمرضى الذي يعانون من تضيق في القصبات الهوائية.

انتهت المهمة في الصيدلية، و توجهت مباشرة الى قسم الباطنية و بعد عودتي الى القسم، ناديت الممرض و عرضت عليه الادوية حسب ما وصفه الدكتور له، فقال لي الممرض بأن انتظر قليلا لانه كان يوجد معه حالة و يريد ان يجهز لها و عليه علامات التعب فيما يبدو انه كان منهمكا؛ فقدرت له ذلك نظرا لانه كان يعمل في ساعات الليل المتأخرة.

و في ذلك الوقت، عدت الى مكان السرير الذي كان يقع عند اول المدخل من الغرفة حيث يوجد فيه ابي امد الله في عمره و عافاه من كل شئ مؤلم و عافانا و اياكم من كل مرض و مكروه ، و هذا المدخل الذي كان في قسم الباطنية هو المكان نفسه الذي كان يدخل منه المرضى و يستقبلوا الحالات منه وما اردته توصيله لكم بمعنى اخر انه كان من السهل علي بالنظر الى الحالات التي تدخل القسم ، وقد كان بجانب السرير كرسي و اخذت شكلا في نصف انحناء لكي اجلس عليه و فجأة رفعت رأسي و اذ بحالة تدخل ذلك القسم والتي لم يتم نقلها بسيارة الاسعاف، لانه من العادة الحالات التي تنقلها سيارات الاسعاف تكون على ناقلة و معها رجال من الدفاع المدني المدربين جيدا في التعامل مع الحالات على الرغم من انه لا يعجبني اداء بعضهم لماذا؟ سأعود لكم به لاحقا و ادعم ذلك بموقف حقيقي يثبت ذلك. عودتي للموضوع، بينما كان ذلك الباب في حالة تدفق من المرضى ، حتى اصبح القسم يعج بالناس و من بين تلك الحالات ، قد دخلت تلك الحالة التي ذكرتها قبل قليل و هي رجل كبير في السن و معه عائلته و هم ابنه الذي كان حوالي في الرابعة عشرة من عمره و زوجته، حيث دخل الرجل و هو واضعا يده على الجهة التي يوجد فيها القلب ، و قد كانوا ممسكين به جيدا من عن يمينه و يساره لكي لا يسقط من شدة الالم، حتى الى ان وضعوه في اقرب سرير فارغ.

استلقى المريض على السرير متمددا، و بقي الابن بجانبه و بينما زوجته ذهبت الى السجل لكي تسجل بياناته و يطبع لها ورقة و من ثم تعود فيها الى الطبيب المسؤول حسب تعلميات المستشفى ، و ما كانت الا دقائق و في نفس الفترة التي مكثتها بعيدة عنه، تدهورت حالة الرجل و ازدادت سوءا، و قبل توقف قلبه بقليل، صدر منه صوت غريب و صرخ الابن مرتين دكتور! دكتور! فاستجاب الدكتور لمناداته و توجه بشكل سريع للمكان الذي فيه الرجل، و سمع الممرضين ذلك الصوت العالي الذي خرج ، و اتجهوا مسرعين للمكان ايضا ليقدموا العون و المساعدة للمريض، فامرهم الدكتور بنقله بشكل سريع الى غرفة الانعاش، فنقلوه الى هناك و عادت زوجته الى المكان الذي تركته فيه فلم تجده،و اخذت تسأل المريض الذي كان في السرير المقابل، اين زوجي؟ فاجابته لها كانت انه" لا يعرف، " فعذرا له لم ينتبه بسبب ما كان هو فيه. اخذت تلف و تدور في الغرفة تسأل هنا و هناك لم استطع انا اخبارها لانها لم تقترب منا اولا و كانت تدور في الغرفة بشكل سريع ثانيا، فخرجت من الغرفة ووجدت ابنها يقف امام غرفة الانعاش فسألته و عندها عرفت اين هو، فلم توتر و لم تخف و كان واضحا ذلك من خلال تعابير وجهها و كانت عادية بينما الابن كان خائفا، خرج الممرض و رأى الابن و هدأه و قال له " لا تخف ان والدك بخير " جزاه الله خيرا و بعدها خرج الفريق الطبي من الغرفة تلك و السعادة تملئ وجوههم، و كان ذلك مؤشرا جيدا لي بأنهم نجحوا بانقاذه و سعدت معهم انا ايضا؛،لتذكري لاية من الايات الكريمة من جانب و سأذكرها في الخاتمة انشالله و فرحي لفرح اهله من جانب اخر بعد ان شاء رب العزة بأن يكتب لذلك الرجل بعمر جديد و تعود حياته له و ان يكون بين عائلته غير فاقدين له.

بالفعل تم انقاذه و الحمدلله على نعمة العلم، و لكن ما لفت انتباهي اكثر هو تعابير وجه ذلك الممرض فهو كان اكثر فرحا منهم و قال " محاولة انقاذ ناجحة" سمعته من هنا و انا سعدت من هنا ايضا لمساع تلك الكلمات فهي كانت كافية لتبعث في داخلي الحيوية و الامل من جديد و حينها تذكرت قوله سبحانه و تعالى " وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" يا له من اجر عظيم قد كسبوه من اجل انقاذ تلك النفس فجزاهم الله لما يقدموه لنا، كم قد تمنيت ان اكون طبيبا حتى اكون بينهم كي احظى على ذلك الاجر العظيم انا ايضا. و اخيرا عاد كل شئ الى مجراه و يأخذ التدفق شكله الطبيعي و يكملوا ما تركوه فجزاهم الله كل الخير.

حسين علام