نتنياهو وحسابات ضم أراض فلسطينية بقلم:أ.عادل شديد
تاريخ النشر : 2020-07-07
لم يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الأول من يوليو/ تموز الجاري، البدء بضم مناطق في الضفة الغربية، ولم يعلن أيضا عن التأجيل، وأعلن عن استمرار الاتصالات مع الإدارة الأميركية وأطراف أخرى بشأن هذا الضم الذي يفضل بعضهم التعبير عنه بفرض السيادة الإسرائيلية عليها، لما لمفردة الضم من تاريخ سلبي أيام النازية الهتلرية التي "ضمت" دولا أخرى لألمانيا، كما أن استخدام كلمة ضم تعني أن المناطق التي سيتم ضمها ليست جزءا من إسرائيل، بل من أراض فلسطينية، وبالتالي لن يقبلها العالم، بعكس التعبير الألطف عن تطبيق القانون أو السيادة عليها.

دفعت أسباب كثيرة نتنياهو إلى عدم البدء بالضم، أهمها رفض التيار الديني الصهيوني الاستيطاني قبول كل مكونات صفقة القرن، والتي تضمنت الإشارة إلى دولة فلسطينية (الكانتونات)، حتى ولو بشكل هامشي، ومن دون أية معانٍ حقيقية للدولة، وذلك انطلاقا من موقف أيديولوجي يرفض إقامة أي كيان في ما تسمى أرض إسرائيل، والتي تسمى توراتيا أرض الميعاد، كما أن قادة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية المختلفة طالبوا نتنياهو بإعطائهم مهلة أسابيع قبل الإعلان عن البدء بالضم، ليتمكّنوا من تنفيذ الضم، ما دامت ستوكل إليهم مهمة التنفيذ. وكانت أطراف في الإدارة الأميركية قد فضلت، قبل البدء بتنفيذه، الحصول على موافقة مكونات الحكومة الإسرائيلية، وخصوصا وزير الجيش، بني غانتس، والذي قبل في اتفاقية تشكيل الحكومة مع نتنياهو بتولي الأخير كل ما يتعلق بالضم وعدم معارضته.

أدت المواقف الفلسطينية والعربية الرافضة المشروع، وخصوصا الأردنية، إلى زيادة رفضه في أوساط المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، والمراكز البحثية التي حذرت من أن كلفة تنفيذ الضم أكبر بكثير من فوائده. وحذرت دراسات صدرت عن مراكز الأبحاث العلمية في إسرائيل من إمكانية انهيار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانهيار السلطة الفلسطينية في ظل موقف الرئيس محمود عباس الرافض بشدة أي ضم، ولو مساحة سنتمتر واحد مربع من أراضي الضفة الغربية. وحذرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن انهيار الأوضاع الأمنية في المناطق الفلسطينية سيكون على حساب استعدادات الجيش الاسرائيلي لمواجهة محور إيران في الشمال، وسيصب في مصلحة حزب الله والقوى الحليفة لإيران التي قد تستغل ذلك لاستنزاف إسرائيل على الحدود الشمالية، ومحاولة لجم إسرائيل من الاستمرار في استهداف المواقع الإيرانية في سورية.

والأخطر من ذلك في القراءة السياسية لدى مراكز أبحاث إسرائيلية، أن الضم قد تكون له نتائج استراتيجية على خريطة المحاور في المنطقة، وستشكل محطة مفصلية لحركة فتح والفصائل التي راهنت على العملية السياسية، وستضعها أمام مفترق طرق مصيري، إما العودة إلى الكفاح المسلح أو الانهيار، ما يصب في مصلحة حركتي حماس والجهاد الإسلامي. كما سيشكل تنفيذ الضم ضربة قوية للأنظمة العربية، وخصوصا الخليجية التي وضعت نفسها في السنوات القليلة الماضية في مواجهة الفصائل والقوى العربية المقاومة لإسرائيل، ولمشروعها التوسعي في المنطقة، وقطعت شوطا في التقارب مع إسرائيل، على طريق التطبيع معها، حيث سيؤدي الضم إلى إضعاف هذه الأنظمة أمام شعوبها، وزيادة البيئة العدائية لإسرائيل في المنطقة، وتراجع تعاطف الأوروبيين والأميركان مع إسرائيل، وزيادة تأثير محوري إيران وتركيا وقوتهما في المنطقة. وقد دفعت هذه المسألة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الطلب من سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مخاطبة المجتمع اليهودي، بنشر مقالين في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تناشدان نتنياهو التراجع عن مخطط الضم، وتقديم النصيحة للمجتمع اليهودي بأنهم سيخسرون أصدقاءهم في المنطقة العربية والعالم، في حال تم المضي في المشروع.

وعلى الرغم من التحذيرات الكثيرة، والمعارضة الواسعة، لا يبدو في وارد رئيس الحكومة الإسرائيلية التخلي عن نهب أراض واسعة من الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل، لأسباب عديدة، سواء من وجهة نظره رئيسا للحكومة، أو من وجهة نظر الحركة الصهيونية، والتي على الرغم من كلفة المشروع، إلا أنها ستفضل الاستمرار في مشروع الضم، مع بعض التكتيكات، لإضعاف ردود الأفعال الدولية والفلسطينية، حيث يحاول نتنياهو عزل المجتمع الفلسطيني وفصله عن المواقف الرسمية للسلطة الوطنية والفصائل، عبر مخطط ممنهج، يتم فيه دمج المواطنين الفلسطينيين في المرافق الاقتصادية الإسرائيلية المختلفة، وحل مشكلة البطالة الفلسطينية، وتوفير فرص عمل سريعة لمعظم الشباب الفلسطينيين، حتى الممنوعين أمنيا من دخول إسرائيل منذ سنوات، لجعل الشباب الفلسطيني يشعر أن لديه ما قد يخسره في حال انتظم لأي فعل معارض ومقاوم للضم. كما تعمل ماكينة الاحتلال الإعلامية والحسابات الإسرائيلية المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي على تدجين الرأي العام الفلسطيني بزعم أنه لن يتأثر جرّاء تنفيذ الضم، وأن أوضاعه الاقتصادية قد تتحسّن بعد الضم، فيما يعاني موظفو السلطة الفلسطينية الأمنيين والمدنيين من أوضاع اقتصادية صعبة، جرّاء تبعات قرار نتنياهو، وقرارات القيادة الفلسطينية إيقاف كل أشكال التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية، ومن ضمنها استلام أموال المقاصّة الفلسطينية، على الرغم من تحفظات فلسطينيين كثيرين على رفض السلطة استلامها، كونها أموالا فلسطينية.

يسعى نتنياهو إلى دخول التاريخ، وتجاوز قادة الحركة الصهيونية، بعد إقناعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتمرير صفقة القرن، والتي تشكل فصلا متقدّما من فصول تصفية القضية الفلسطينية، وتضمينها ما يتعلق بضم مناطق واسعة في الضفة الغربية لإسرائيل، والذي ينسجم مع الرواية التوراتية المصطنعة أن فلسطين هي أرض الميعاد التي منحها الله لليهود فقط، وأن يسجل التاريخ الصهيوني أن نتنياهو هو من أقنع الإدارة الأميركية والرئيس ترامب بتبنّي الرواية والسردية التوراتية عن ملكية اليهود فلسطين، وما يسمّى حقهم التاريخي والديني، وذلك على حساب الرواية والسردية الفلسطينية. ويشكل هذا الاعتبار أقوى محرّكات نتنياهو ودوافعه للاستمرار باتجاه الضم، لأن الموضوع برمته يعكس زيادة حضور الصهيونية الدينية المؤمنة بأرض الميعاد وما تسمى يهودا والسامرة وتأثيرها، بعد أن أصبح نتنياهو أسيرا لهم، بالتزامن مع ملاحقته بقضايا جنائية قد تنهي حياته السياسية بالسجن، ما يفرض عليه إبقاء التحالف مع الصهيونية الدينية الاستيطانية صاحبة مشروع الضم.

بالبعد الاستراتيجي، يشعر نتنياهو بغرور وعنجهية كبيرة، وكثيرا ما يتباهى بأن قوة إسرائيل النووية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والسياسية هي التي جعلت دولا عربية خليجية تلهث من أجل إقامة علاقات معها، وإن ما ينقصها فقط زيادة في مساحتها الجغرافية، وخصوصا انعدام عمقها الاستراتيجي. ولذلك يريد نتنياهو استغلال فترة ترامب لتمرير الضم وإعادة ترسيم حدود إسرائيل، وزيادة مساحتها بحوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، والذي يبلغ حوالي ألفي كيلومتر مربع، والتي ستحوّل التجمعات الفلسطينية جزرا متناثرة غير متصلة، وغير قادرة على الحياة ومحاطة من جهاتها الأربع بجدرانٍ إسرائيلية سيبلغ طولها 1800 كم، ما يعمّق إحكام السيطرة الإسرائيلية على التجمعات الفلسطينية مستقبلا، وقمع أي تحرّك فلسطيني ضد الاحتلال مستقبلا.

بالبعد العسكري، على الرغم من انتهاء الحروب التقليدية وتراجع أهمية الحدود في الحروب الحديثة، وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية، بداية تسعينيات القرن الماضي، حين قصف الجيش العراقي إسرائيل بعشرات الصواريخ، ثم حرب لبنان الثانية والحروب الثلاث على قطاع غزة، واستطاعة حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي ضرب معظم المدن في إسرائيل بالصواريخ، إلا أن هنالك إجماعا إسرائيليا على الاحتفاظ بالغور حدودا شرقية مع الأردن، وذلك لزيادة العمق الاستراتيجي الدفاعي والهجومي لإسرائيل مستقبلا، على الرغم مما قدمته اتفاقية وادي عربة مع الأردن من ضمانات أمنية لإسرائيل من جهة الحدود الشرقية، إضافة إلى احتواء الغور على مستودعات مياه الضفة الغربية، وامتلاكه مساحات شاسعةً من الأراضي الزراعية التي تشكل السلة الغذائية الفلسطينية، وإن ضمها لإسرائيل سيعمّق تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل إلى الأبد، وإن ضم المستوطنات الموزّعة على كل الضفة، يضمن تقسيم الضفة طولا وعرضا، وتفكيكها عن بعضها بعضا فيما يتم ربط كل المستوطنات الإسرائيلية بإسرائيل، كما إقامة شوارع لنقل سريع للجيش والمعدّات من مستودعاتها في منطقة الساحل حتى الغور، مرورا بالضفة الغربية.

تسعى الصهيونية الدينية من ضم مناطق في الضفة الغربية إلى زيادة مستوطنين يهود عديدين بعد نقلهم من داخل إسرائيل إلى السكن في مستوطنات الضفة بعد ضمها، ما يؤدي إلى إدخالهم في دوائر الصهيونية الدينية على حساب الأحزاب العلمانية الليبرالية، وزيادة ثقلهم في الكنيست، لإحكام سيطرتهم على كل مفاصل الحياة في إسرائيل، وصولا إلى ضم الضفة الغربية بأكملها، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى وإقامة الدولة اليهودية الدينية المسيحانية، وهذا هو جوهر المشروع اليميني الديني الحالي، والذي بات يشكل مصدر قلق وخوفٍ لدى شرائح يهودية علمانية واسعة في إسرائيل والخارج، ما دفع كثيرين من قادة منظمة إيباك (لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية) إلى رفض مشروع الضم، خوفا على مستقبل إسرائيل بأغلبية يهودية وديمقراطية لليهود وليس دولة الشريعة اليهودية.