كيف أختار تخصصي الجامعي؟ بقلم:أ. بسام أبو عليان
تاريخ النشر : 2020-07-06
أ. بسام أبو عليان
قبل أسابيع قليلة أنهى طلبة الثانوية العامة الامتحانات النهائية، ـ في ظروف استثنائية؛ بسبب جائحة كورونا ـ، والآن يعيشون في حالة ترقب وانتظار؛ لتحديد موعد إعلان النتائج.
بعد إعلان النتائج يدخل خريجو الثانوية العامة وأسرهم في دائرة من الضغط النفسي، والقلق، والتوتر، والإرباك، والحيرة، والتردد؛ بسبب المفاوضات الأسرية المكثفة لاختيار الجامعة المناسبة، والتخصص الجامعي المناسب، يرافقها سيل من نصائح وتوجيهات القريب، والصديق، وعابر السبيل أحيانًا.
في هذا المقال سأضع بين يدي الطالب مجموعة توجيهات علها تعينه على اختيار التخصص الجامعي المناسب.
عزيزي الطالب: لا تتوقع مني أن أرشح لك تخصصًا بعينه، لكن خلال هذا المقال سأعطيك سبعة مفاتيح تعينك على ذلك.
أولًا| اطلب الاستشارة.. لكن في النهاية القرار قرارك وحدك:
قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]، وقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ} [آل عمران:159].
الشورى مطلوبة في سائر أمور حياتنا، لاسيما في الأمور التي نبني عليها أشياء كبيرة في المستقبل كاختيار التخصص الجامعي، والزواج، والعمل، والسفر... إلخ.
السلوك الطبيعي أن يبدأ خريج الثانوية العامة مشاوراته مع أسرته، وأصحابه، ومن سبقوه إلى الجامعة؛ لاستطلاع آراؤهم حول الجامعات، وتخصصاتها. فالمشورة تفتح له آفاقًا جديدة، وتبصره بأمور يجهلها، أو فهمها بشكل قاصر أو مغلوط.
اعلم عزيزي الطالب: أثناء المشاورات ستسمع آراء متعددة، ووجهات نظر متناقضة، وستسمع الرأي وضده من شخص واحد في نفس الجلسة، وستجد نفسك في حالة تيه، وفوضى تضارب الأفكار في رأسك. لذا، أنصحك بعد المشورة، وقبل اتخاذ قرارك النهائي أن تجيب على ثلاث أسئلة، علها تساعدك للخروج من حالة التيه تلك، هذه الأسئلة، هي:
ما هي أكثر مادة أحببتها في المدرسة؟
اللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، التربية الإسلامية، الأحياء، الكيمياء، الاقتصاد، الفيزياء... إلخ
لماذا أحببت هذه المادة دون غيرها؟
لأنها سهلة، أو أحببت مدرسها وتريد أن تكون مثله، أو أحد معارفك درس هذا التخصص وأبدع فيه، أو تستمتع في دراسته، أو تحب أن تعمل في هذا المجال مستقبلًا.
ما دليلك على تميزك في هذه المادة؟
حصلت على درجات عالية في اختباراتها، أو كنت تحضِّر الدروس وتشارك مع المدرس، أو لك آراء خاصة حول موضوعاته، أو كنت تقرأ كتبًا ومقالات خارجية حولها.
الإجابة على تلك التساؤلات توضح لك بعض الأمور وتعينك على أن تخطو خطوة على الطريق الصحيح لاختيار التخصص المناسب.
ثانيًا| اجمع المعلومات المناسبة:
حاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن الجامعة والتخصص الذي ترغبه، ودوِّن ملاحظاتك أولًا بأول، ولا تنسى هدفك الذي تريد تحقيقه مع زحمة المعلومات، وخط النهاية الذي تود أن تصل إليه. فهذه تحميك من تشتت الأفكار والرؤى.
ثالثًا| لا تجعل تركيزك منصبًا على المسميات:
لا تجعل همك الرئيسي البحث عن اسمي (الجامعة، والتخصص). لا تخدع نفسك بالمسميات. كم من جامعة لها اسم لامع في المجتمع، لكنها أكاديميًا ضعيفة! همها الأساسي الربح المادي أكثر من المخرجات. كم من تخصص اختاره الطالب لأجل للمكانة الاجتماعية، لكن أغلب خريجيه عاطلين عن العمل! ما الذي جنوه من ذلك؟! لا شيء، إلا السهر والتعب. لذا، ضع لنفسك معايير توافق ظروفك: اختر التخصص الذي يناسب اهتماماتك وميولك، ويحتاجه سوق العمل، ولا تنسى ظروف أسرتك الاقتصادية.
رابعًا| معدل الثانوية العامة والتخصص الجامعي:
غالبًا مَن تتراوح معدلاتهم بين (65-89%) يسجلون في الجامعة مبكرًا، ويختارون تخصصاتهم براحة، أما صاحب الامتياز فتفكيره مشوش، وباله مشغول؛ لاختيار التخصص الذي يليق بالامتياز. اعلم أن امتياز الثانوية العامة للتميز، أما في الجامعة صاحب الـ(65%)، والـ(99.9%) سيجلسان بجانب بعضهما في نفس القاعة الدراسية. العُشر يفرق في التخصصات العلمية العليا كالطب البشري وطب الأسنان، والهندسة والصيدلة سابقًا.
معدل الثانوية العامة لا يعد مقياسًا حقيقيًا لقدرات الطالب، ربما يكون الطالب من المتفوقين في كل مراحله الدراسية، لكنه وقت امتحانات الثانوية العامة النهائية غزا الموت بيتهم، أو أصيب بوعكة صحية، أو تعرض لضررٍ ما فإن ذلك سيؤثر على بيئته الدراسية، ومن ثم ينعكس سلبًا على معدله.
أعرف طلبة حصلوا على تقدير (امتياز) في الثانوية العامة، لكن معدلهم الجامعي (جيد)، بينما من حصل على (65%) في الثانوية العامة كان من (المتفوقين) في الجامعة.
خامسًا| لا يوجد تخصص حسن وآخر سيء، لكن يوجد تخصص يناسبك أكثر من غيره:
قد تسمع من يقول: الطب أفضل من الهندسة، والصيدلة أفضل من التمريض، والمحاسبة أفضل من الإدارة.
كل شخص عبَّر عن رأيه وفق تجربته الخاصة، أو وفق ما سمع ورأي من الآخرين. ليس بالضرورة أن يكون رأيه صائبًا، فما يعتبر مناسبًا له قد لا يعتبر مناسبًا لك. مثلًا: ستجد من يرشح لك (اللغة الإنجليزية)، وأنت بالكاد نجحت فيها, وآخر يرشح لك (اللغة العربية)، فهي تعتمد على الحفظ، وأنت تعتمد على الفهم وتجد في الحفظ مشقة، كيف ستوفق لو اخترته؟!. وثالث رشح لك (الصحافة والإعلام)، وأنت تخشى الحديث أمام العامة من الماس، وتهاب الكاميرا، أو ليس لديك قدرة على الصياغة والإنشاء، فكيف ستنجح في مهنة تحتاج إلى قدر كبير من الثقة في النفس، وطلاقة اللسان، والقدرة على الكتابة والتحرير. فأنت أدرى بقدراتك وميولك الدراسية.
سادسًا| اختيار التخصص الجامعي لا يعني اختيار وظيفة المستقبل:
لا يوجد في مجتمعنا ، ـ كما بقية المجتمعات العربية ـ، موائمة بين احتياجات السوق ومخرجات الجامعات. طالما الأمر كذلك، هل سيجلس الخريج في بيته ينتظر حصوله على وظيفة في تخصصه؟، أم سيبحث عن عمل يعينه على قضاء حوائجه؟.
اعلم أن أغلب سائقي السيارات، والعاملين في المحلات، وأصحاب البسط في الأسواق من خريجي الجامعات، لم يجدوا عملًا في مجال تخصصهم فبحثوا عن عمل آخر.
لا تعجب إن وجدت خريجة لغة فرنسية تعمل كوافير، أو خريجة صيدلة تعمل بائعة أدوات تجميل، أو خريجة علم نفس تدرِّس في رياض أطفال، أو خريج هندسة يعطي دروس خصوصية في الرياضيات.
في المقابل يوجد شخص درس تخصصًا في الجامعة لم يرغبه، لكنه بعد التخرج عمل في مجال آخر أبدع فيه. كم من طبيب أبدع في السياسة، أو الدعوة، أو التمثيل وترك مهنة الطب.
سابعًا| المستقبل للتعليم المهني والتقني:
لا تحصر تفكيرك في التعليم الأكاديمي، فأعداد الخريجين بالآلاف في كل التخصصات، لا تستطيع المؤسسة الرسمية توظيفهم، ولا يستطيع القطاع الخاص استيعابهم. فالمستقبل للتعليم المهني والتقني، فهو يتيح لك فرصة النزول على سوق العمل مبكرًا.
حين تختار التعليم المهني أنت تتخرج قبل زميلك الذي فضَّل التعليم الأكاديمي، وتجد لك موضع قدم مبكرًا في سوق العمل قبل تخرجه، وربما تزوجت وأنجبت قبله، وهو بالكاد تخرج، وسينتظر في قوائم العاطلين.
ختامًا: أتمنى التوفيق لكل خريجي الثانوية العامة، وأتمنى لهم حياة جامعية مميزة.