أين نحن من المعركة الفكرية لقضيتنا؟ بقلم: داود كُتّاب
تاريخ النشر : 2020-07-06
أين نحن من المعركة الفكرية لقضيتنا؟ بقلم: داود كُتّاب


اين نحن من المعركة الفكرية لقضيتنا؟
بقلم: داود :كُتّاب                                                                             
في المعارك الحسّاسة، لا تنحصر قوة كل طرف بالسلاح أو قدرات الجنود، فبالإضافة إلى المعركة العسكرية، هناك دائما معركة عقائدية وفكرية وسياسية وصراع حول الرواية. ينطبق هذا الأمر وبقوة في الصراع العربي الإسرائيلي. وللأسف، الجانب الآخر متفوق بدرجة كبيرة، على الرغم من أن الحجج أقوى في الجانب العربي والفلسطيني. لقد بدت المشكلة في غياب أو قلة المشاركات والآراء والمقالات لفلسطينيين وعرب في الإعلام الغربي، على الرغم من وجود تأييد عارم دولي معارض لضم الاحتلال الإسرائيلي أراضيَ من الضفة الغربية إليه. لماذا لا ينشر رئيس فلسطين أو شخصية عربية مؤثرة أو فنان مشهور مقالا في الصحف العالمية ضد المحاولات الإسرائيلية لخرق القانون الدولي؟

سؤال بسيط بشأن المشاركة في النقاش العالمي والاستثمار المالي والفكري في محاولة كسب الرأي العام يوضح أننا متراجعون في ذلك، على الرغم من عدالة قضيتنا وقوة حجتنا. تجربة بسيطة تدل على الأمر.. افحص في مكتب أي مسؤول فلسطيني أو عربي كبير عن عدد العاملين في قسم الإعلام ممن يتقنون اللغات الأجنبية، والجواب سيكون واضحا.

يشكو بعضهم من أن الإعلام في يد الطرف الآخر، ولكن هل فعلا حاولنا تغيير الإعلام؟ هل نرد على كل ما ينشر في الإعلام الغربي، ولو في زاوية بريد القراء؟ هل نبادر إلى النشر  

ودحض الرواية الأخرى أم نرفع أيدينا مستسلمين؟ هل نستخدم المواقع المفتوحة للجميع، مثل ويكيبيديا، لشرح روايتنا؟ هل نقوم بتعديل المعلومات الخاطئة والمضللة التي تبقى منشورة من دون أي تعليق أو رد؟

لماذا لا يشارك القياديون من طرفنا في شبكات التواصل الاجتماعي؟ على سبيل المثال، لا توجد حسابات لمسؤولين عرب عديدين على منصة تويتر التي يوجد عليها كل السياسيين في العالم. فلسطينيا مثلا، لا يوجد حساب على منصة تويتر لكل من الرئيس محمود عباس ووزير الخارجية رياض المالكي وسفير فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، ولا توجد حسابات للمؤسسات الفلسطينية مثل الرئاسة والخارجية. في الوقت نفسه، هناك حوالي مليوني متابع لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، و50 ألفاً لوزير الخارجية الجديد غابي أشكنازي ومائة ألف متابع لوزير الحرب، بيني غانتس. وذلك كله على المستوى الشخصي، في حين أن للموقع الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي 800 ألف متابع، وللموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية 245 ألف متابع، ولموقع الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون متابع.

المأساة أحيانا أننا لا نراقب أو نتابع ما يكتبه الطرف الآخر سوى الابتهاج، عندما ينشر شخص ما مقالا يؤيدنا متناسين عشرات المقالات المؤيدة للصهيونية. وحتى في تلك الأحوال، فإن قسم  

التعليقات لذلك المقال اليتيم في غالبها تنشر أقوالا معارضة للكاتب، وقلة قليلة من المؤيدة، الأمر الذي يشكل ضغطا نفسيا كبيرا وترددا للآخرين في خطو الخطوات نفسها، وكتابة مقالات مؤيدة، خوفا من رد فعل الطرف الآخر من دون أي تأييد من طرفنا. وعلى الرغم من قوة آلة الإعلام الإسرائيلية، إلا أن مضمونها ضعيف، في حين أن آلة الإعلام المؤيدة لفلسطين عالميا ضعيفة، على الرغم من أن عدالة قضيتنا واضحة للعيان.

أخيرا نشرت دراسة باللغة الإنكليزية (White Paper on Jerusalem) عن عروبة القدس تتضمن معلومات ووثائق لم تنشر من قبل، وهي من 108 صفحات، أصدرتها مؤسسة آل البيت، وتدحض الادعاءات الإسرائيلية والصهيونية العالمية بشأن القدس، وتبين بصورة علمية الوجود العربي المستمر في المدينة المقدسة منذ آلاف السنيين، ولكن الدراسات والأبحاث مثلها قليلة نسبيا بالقياس مع ما ينشره الطرف الآخر.

هناك اختراقات تمت وتتم، وهناك نجاحات تسجل، خصوصا مع الأجيال الشابة غير المتأثرة بالإعلام التقليدي. على سبيل المثال، يعتبر مشروع AJ+ من المشاريع الناجحة والمؤثرة، لأنه يعمل بتقنيات عالية وأفكار شبابية وبكل اللغات وعلى المنصات كافة. هناك أيضا محاولات فردية عديدة، لا تتم رعايتها ومتابعتها أو تشجيعها، ولو على الأقل بالمعلومات والتصريحات،  

أو حتى التسريبات. نرى تسريبات لإعلاميين إسرائيليين، في مقابل عدم الاهتمام بالإعلامي الفلسطيني والعربي. كما أبدع مخرجون ومخرجات من فلسطين في التأثير على مشاهد الأفلام الروائية والوثائقية. وهناك محاولات بسيطة من تلك الدولة أو تلك المجموعة، والتي تعتبر أنها عالجت الأمر بإصدار صحيفة إو إطلاق موقع إلكتروني أو حتى نشرة أخبار بلغة أجنبية، على الرغم من أن مضمون تلك المحاولات يكون في أكثر الأوقات مكررا وسطحيا، وأحيانا نرى تكرار العبارات أو الرواية الإسرائيلية من دون متابعة وتوجيه حقيقي ضمن استراتيجية إعلامية مهنية واضحة.

قضيتنا عادلة، وروايتنا مقنعة. ولكنْ لدينا محام ضعيف وراوية يصرخ في الظلام. بات الأمر مقلقا، ومن الملحّ أن نعمل أكثر على تحسين روايتنا وتنشيط دورنا، ليس فقط في ردود الفعل، بل من خلال مبادرات قوية وفعالة، تترك أثرا على الجميع، وخصوصا مع الجيل الجديد.