فوق الزجاج بقلم: محمود حسونة
تاريخ النشر : 2020-07-06
فوق الزجاج بقلم: محمود حسونة


1- (تحبني أشعر)
و شربنا قهوة مُرّة آخر صباح
وكنّا خائفين
أنا من لون عينيها ومن الحنين
وظلت هي ترسم بفحم أصابعها تنهيدة ولوعة
وحدي والذكرى ترتجف للآن كضفة النهر
أقول لكل صباح يذكرني بقهوته
لم يعد معي سوى وجع النخيل
وحزن لا تقدر على حمله الريح
تأتيني كل مساء غيمة
تهمس لي بحكايا عينيها
أنا أخرس، وأتفقد جسمي
لست أنا، لست معي
كأني غريب...

2- يدٌّ تمتد...
ويتعثر بالأثاث، وينسكب في حجره كأس ماء!!
هل وقع خطاك الذي أزاح الصمت وفتح الباب
لتصير أنفاسه تنهيدة من شظايا أو كلام ككومة زجاج
وكيف صارت الغرفة أكثر برودة؟! ولماذا مدّ يده يفتش عنك في الفراغ؟! كان يظن أنك قريبة منه وفي كل مكان!!
وظل صوتك يناديه باسمه، فيرى الصوت ولا يراك
ليس معه سوى أرق يتقنه، ورسالة كتبها لتطير إليك
حزين من دونك هو والمساء

3- لم يُغلق النافذة إلى الآن!!
اللعنة... لماذا استيقظتُ مبكرا على غير عادتك؟!
وماذا يعنيكَ هذا الصباح؟!
لولا صبيّة التفتتْ إليكَ بغتة وابتسمتْ، وخاطبتْ ظلّها: كم أنا جميلة، وانتبهت أنتَ لها جيدا…
هكذا تبدأ الحكاية!!
أنت الآن مغرما بجسارة نظرتها، بنور ابتسامتها وكيف اتسعت في عينيكَ…
تختلط الألوان: لون حقيبتها لون الندى ولون خطوتها
تستقر عيناك على محيّاها، فتحذف جميع الألوان إلا لونا واحدا، هو لون ابتسامتها!!
مضت وهي رشيقة، مضت وأبقت ابتسامتها كالدهشة في الهواء، على الحيطان، على أوراق شجرة الكينيا في الشارع، في عيون أولاد المدارس، وعلى العتبات...
ستكون جميلا الليلة وأنت مع ابتسامتها ومع الأحلام
انتظرها غدا، انتظرها لتكون أول من يراها
انتظرها ستكون أنت وهي والصباح!!

4- مررت أمس بعد غياب ببيتكم
النافذة مفتوحة، لكني لم أراكِ
وشجرة الحناء وأوراقها المبللة كما هي
هنا تشابك ظلينا، ونقشنا اسمينا هنا
أين الحمامة البرية وعشها؟!
وكيف كانت تراقب وتبارك حبنا؟!
كنت وحيدا ليس معي سوى دموعا أخفيها وذكرى بريئة
لم يبق هنا سوى نقش لاسمينا
سأعود وأبحث في كل مرة
عن شيئ ربما نسيناه في هذا الطريق

5- وحدها..
في الصباح في الشرفة، هي وحدها…
تقرأ تارة، تتحسس أوراق غصن امتد نحوها
ترسم على ضباب الزجاج طيفا وحرفين
وتطرّز تارة...
لم تشعر بوخزة الإبرة!!
كانت أسبلت عينيها وهي تصغي للطيف يخطو ويقترب إليها من كل الجهات
وحين حطّت قطرة ندى على وجهها انتعشت، ظنت أنّ يدا له تمسح خدها
انتبهت للوخز فشهقت باسمه حين وجدتها ولا أحد معها... هي هنا وهو هناك!!
عادت لترسم مرة أخرى طيفا وحرفين
هذا ما كتبته وقرأته الآن، وهي لا تنتبه لقطرات دمها على الأوراق!!

6- خجلى!!
هل تتكرر تلك اللحظة؟! حين تعثّر، فمددت له يدك؛ ليستند عليها فأمسك بها، وكانت الصدفة!!
والتقت في مساحة شاسعة عيناك وعيناه، وأنك خجلت وتراجعت ثم استجبت لنداء غريب، وحين التفتِ إليه لتناديه وتقول له شيئا تحدّث به قلبك، كان قد ترك ظلّه بين يديكِ ومضى...
أكنت حيرى من مجهول في عينيه، أم من تشابه في لون العينين والبريق!!
الآن تصيبك تفاصيل اللحظة مرة أخرى!!
وأنكِ تتأملين صورة له تظهر أمامك في فنجان القهوة، أو تسمعين نقرا على زجاج النافذة وحين تنتبهين يطلّ عليك من وراء الستارة، أوأنه يتراءى لك في لمعان خشب الأثاث: الخزانة، الأريكة، المنضدة، أو بين صفحات كتاب تقرأينه!!
تؤلمكِ اللحظة واللقاء ونداء القلب… ولكنك كنت خجلى!!

7- حين يعلو البحر...
حين نحتفي بمن مرّوا وطرحوا السلام؛ تلتقي عينان بريئتان وتفيضان...
حين يتيبس كلامي، يصير طيفا لكِ؛ يسترخي على شرفتي ويُطعم الحمام... يغفو فلا يمر به أحد ولازمان!!
حين يعلو البحر نلقي من قاربنا الإشاعات والحساد ونبحر مطمئنين بسلام
ولأني فقير أحتفظ بتنهيدة لي، وقصيدة لكِ على وزن بحر بلا ميناء!!
قصيدة ككوب ماء مثلج في حزيران، كمشوار ليلي مع رشقة مطر خفيف
وحين يبعدنا بحر يتمدد ويطيل علينا الغياب… يُحبك أكثر!!
يخبئ لك قمرا، يفتح عشر نوافذ أخرى وينتظر العصافير!!

8- جدال!!
قالت البصّارة الغجرية: الغيمة ليست نارًا، الغيمة لها لون و شكل النار... وسكتت عن الكلام!!
الغيمة تتمدد وتتراخي وتحوم بشكل دائري بين العالي والأسفل
قالوا: أنها بقايا نار قديمة نسيتها قبيلة بدائية، وقالوا أنّها طائر ضخم فرّ من جهة جهنم، وآخرون قالوا بل من جهة الشمس!!
الشعراء فتحوا أبواب القصائد وقالوا أنّها قفير نحل يلاحق سرب ورد ضلّ طريق القمر!!
وجاء آخرون بتفسير يقول: أنها رهط شياطين مكبلين بسلاسل حديد، جاؤوا ليفسدوا الأرض!! ولوحوا لهم بالعصي والسيوف!!
ثم دار بينهم جدال محتدم وعنيف: عن عددهم، عن ماهيتهم عن موطنهم الأصلي، هل أنهم ذكور أم إناث، أم مختلطين؟!
ظلّت الجموع تنتظر وعود الفاهمين، وقد أعياهم الشخوص والتثاؤب اللئيم !!
نسوا أولادهم، نسوا أنفسهم، ونسوا الغيمة وناموا في الأبد واقفين!!
كنت نسيت كل هذا، حتى عثرت عليّ طفلا صغيرا مستريحا على كتف أمي في مكان لا يمرّ عليه غيم مخادع ولا زمن!!
9- ليس كثيرا...
وكيف تفتتح الصباح بلا صخب، وكنورسة بيضاء تجيء وتروح، غيمة تلاعب قمرا، أم هي خائفة؟!
وكيف تبتعد عنها الشمس الحارقة فيعتدل طقس الصيف، ويطرى لي ولها الهواء، وتتمايل كالجرحى على بعضها الأشجار!!
وكيف تصدّق، وأنت ترى كل ما تراه؟!
أهي طيف زارك بلا موعد؟ أم أنّك شربت خمرا وأصابك ما أصاب!!
و ليس كثيرا ألّا تتذكر إلا هي، لا قبلها أحد ولا بعدها!!
كانت مرّت من هنا…ملاك ينقل على مهل خطاه؛فارتبك الهواء وتحسست أنا دقات قلبي ساهما، ولم أتحرك من شرود وخوفا من نسيان … وهل كل من يمرّ من هنا يلفت الانتباه؟!
وليس غرببا أن يكتب لكِ ولو بعد عشرين عاما هذا الكلام!!

10- ورقصت
مرة فوق موجة ، ومرة على ضوء خافت فوق الطاولة
وتجولنا على دراجة هوائية وانشبك في أطراف ثوبها يدي ووردتان
وتبسمت لفراشة اختبأت في صدرها، وهمست لي ولها كلاما هادئا، له مذاق الكستناء!!
هل أزعجتها نسمة ظلت تحلّق بطرف شالها؟!
ونجونا متشابكين من شظية ماكرة مرت أمامنا شطرت شهيقنا نصفين!!
كان قصفا شاسعا؛ والزجاج تناثر!!
وكانت هي وأنا والشظية، وكان يحبك، ولأن مذاق الكستناء لم يتغيّر!!
جهّزت فنجان قهوة جديد، وسألتني هل من رقصة أخرى فوق الزجاج؟!
ورقصت هي والفراشة!!
بقلم: محمود حسونة( أبو فيصل)