إغلاقات كورونا بقلم د. سائد الكوني
تاريخ النشر : 2020-07-04
إغلاقات كورونا بقلم د. سائد الكوني


2-8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وإغلاقات "كورونا"

بقلم: د. ســائـد الكـونـي

دنيا "مخربطه"، يصح فيها قوله صلى الله عليه وسلم: "ستأتي فتنٌ على أمتي كقطع الليل المظلم يُصبح الحليم فيها حيران"، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث آخر: "إذا رأيتم الناس قد مرَجت عهودُهم، وخفَّت أماناتهم ... الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخُذ بما تعرف، ودع ما تُنكر، وعليك بأمرِ خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة". ولعل هذه الأحاديث تتحدث عن زمننا هذا، وذاك ما حدا بي وكثيرين غيري، إلى توجيه جُل عنايتهم واهتمامهم في الأونة الأخيرة إلى ما يتعلق بشؤونهم الخاصة، في الأسرة والعمل، والابتعاد عن الكتابة أو الخوض في جدل مع الآخرين، قد يكون عقيماً، أو غير ذي نفعٍ كبير، فيما يختص بقضايا الشأن العام، مع أنه من الصعوبة بمكان، أن يعزل المرءُ نفسه عن محيطه وقضاياه، فيشغلني على سبيل المثال هذه الأيام، عملية التدريس عبر آلية زووم وغيرها من وسائط التعلم والتعليم عن بعد، وهي شأنٌ عام، لظروف الإغلاقات التي اقتضتها جائحة كورونا على المؤسسات التعليمية في الوطن، ويعلمها الجميع.

ما دفعني للإطلالة بنافذةٍ جديدة على قضايا الشأن العام، عبر سطور هذه المقالة، ما كتبه مؤخراً زميلُ عملٍ لي، أمريكي من أصل فلسطيني، يعمل حالياً أستاذاً لعلم الاقتصاد في إحدى الجامعات الأمريكية المرموقة، في رسالةٍ قصيرة أرسلها لي، لمّا سمع عن إعادة العمل بظروف الحجر الصحي مرة أخرى في مدينة نابلس وعموم مدن الضفة الغربية، حيث أفادني بأنه في يوم كتابة رسالته لي، تم تشخيص ما يزيد عن 50 ألف حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا، في عموم الولايات المتحدة الأمريكية، موضحاً أن السبب الرئيسي لها، هو عدم التزام العامة بلبس الكمامات أثناء تواجدهم خارج منازلهم، حيث أن القضية أصبحت هنالك، مناكفة سياسية بين معارضي الرئيس دونالد ترامب ومناصريه، موصيني وأفراد أسرتي بعدم مغادرة المنزل إلا للضرورات، وبلبس الكمامات إن حصل، مُتبعاً رسالته بأن الأوضاع لديهم ستبقى على سوئها، ولربما تزداد وطأةً، حتى نهاية شهر نوفمبر/تشرين ثاني أو شهر ديسمبر/كانون أول القادمين، وأنه يتوقع انعكاساتها السلبية على الشأن الفلسطيني العام والمنطقة برمتها، وينصح لذلك بتخزين ما يلزم من مؤن منزلية، يطول أمد صلاحيتها، لمواجهة أشهرٍ ستةٍ عجاف. 

لم أفهم جيداً خليط ما كتب، فسألته مزيداً من التوضيح، ليجيب أنه من الأهمية بمكان أن يتم تجاوز الفترة الزمنية الحالية وحتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الفترة ما بين 2 و 8 نوفمبر/تشرين الثاني القادم بسلام، حيث أن الأوضاع السياسية في أمريكا، وتتبعها الاقتصادية، تمر بمنعطف هام وخطير، ما يمكن أن يتولد عنها تغيرات جذرية، سياسياً واقتصادياً، حيث أفاد بوجود تباين شعبي حاد وكبير تجاه سياسات ترامب المختلفة، ومنها ما يتعلق بموضوع مواجهة خطر فيروس كورونا، الأمر الذي استغل سياسياً، حيث يرى الديمقراطيون بفشل إدارة ترامب في التعامل الجدي مع جائحة كورونا منذ بداياتها، وتقاعسها لغاية الآن عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقائية  ضرورية لتطويق خطرها المدمر بشرياً، ما أدى إلى تفشي آثارها الصحية السلبية في المجتمع الأمريكي، مطالبين تلك الإدارة باغلاقٍ جديد للاقتصاد، وعلى نطاق واسعٍ هذه المرة، لتطويق خطر انتشار الفيروس. فيما يرفض ترامب ومؤيدوه تماماً فكرة إعادة إغلاق اقتصاد البلاد، ويرون فيها محاولة من الحزب الديمقراطي، الممثل لليسار الأمريكي بجميع فئاته، للدفع باتجاه تغير جذري في النظام السياسي الأمريكي ومفاهيمه المتعلقة بقضايا مفصلية؛ مثل العدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات، خاصة من ذوي البشرة السوداء. ويرون في مثل هذه التغيرات خطراً كبيراً محدقاً بمكانة أمريكا.الدولية، كدولة عظمى مسيطرة على الإرادة السياسية العالمية، وتتربع على عرش أكبر اقتصاديات العالم. وما زاد في حدة التوترات السياسية تلك، وأجج وتيرتها، قضية مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد شرطي أبيض، وما تبعها من احتجاجات ضد العنصرية وسط المجتمع الأمريكي، حتى بين البيض أنفسهم، معيدةً إلى الأذهان قضايا قديمة لم يلتئم جرحها بعد، تتعلق بالأقلية من أصول أفريقية، مثل برنامج الرعاية الصحية الذي أنجره الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وأوقفه الرئيس الحالي دونالد ترامب، وما أفضت له هذه القضايا مجتمعة من انتشار حالي كبير لحمل السلاح بين كافة فئات وأعراق المجتمع الأمريكي. 

محللون سياسيون، مختصون بالشأن الأمريكي، لا يستبعدون لجوء ترامب وإدارته، اذا ما اشتد عليهم الخناق، وبغرض إشغال رأي العامة الأمريكي عن توتراتهم الداخلية التي سبق ذكرها والفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، إلى الخوض في مغامرة عسكرية "محدودة النطاق" ضد إيران أو مصالحها في سوريا والعراق، بمساعدة إسرائيل، وتعاونٍ مع دول جوارٍ أخرى تربطها علاقات صداقة أو مصالح مشتركة مع الإدارة الأمريكية الحالية. مغامرة كتلك، قد لا تكون نتائجها متوقعة أو محسوبة بدقة، وتؤدي إلى اشعال فتيل حربٍ في المنطقة، ومن المرجح أيضاً أن تنفلت وتودي إلى حرب عالمية ثالثة، كما يتنبأ بها محللون آخرون. وعلى كلا الأمرين، يمكن القول بأن النصف الأول من العام 2020 مضى بسلام على فلسطين وغيرها من دول الجوار، ونسأل الله جل وعلا أن يجنبنا ما قد يخبئه نصفه الآخر لمنطقتنا وشعوبها من شرورٍ وويلات.