حماس و فتح : استراتيجية التكتيك أم تكتيك الاستراتيجية بقلم: د.عماد البشتاوي
تاريخ النشر : 2020-07-04
حماس و فتح : استراتيجية التكتيك أم تكتيك الاستراتيجية بقلم: د.عماد البشتاوي


فـتح و حـماس :  إستراتيجية التكتيك أم تكتيك الإستراتيجية

         مـرّةً أخرى تعود الآمال المَشُوبة بالحذر بعد الاجتماع الفُجائيّ و المُفاجِئ - على الرّغم ممّا قـيل ـ إنّـه جرى التّحضيرُ والتّنسيقُ له بصمتٍ منذ فترة ليست بالوجيزة - بين جبريل الرجوب (أمين سرّ اللجنة المركزيّة لحركة فتح)، و(صالح العاروري نائب رئيس المكتب السّياسيّ لحركة حماس) .

        لا شكّ في أنّ التّساؤل المحوريّ الذي يراود أذهان الفلسطيّنيين في ـ هذه الأيّام على وجه الخصوص ـ نـخبةً و مواطنين: هل هذا التّـفاهـم أو التّنسيق دائـمٌ أم مؤقّـت؟ وهل تريد الأطرافُ المُنـقسمةُ على بعـضها البعض الذّهاب به بعيدًا وإلى أيـن؟

        منَ الواضح والواقع المرئيّ أنّ اللقاء هو تنسيقٌ مؤقّتٌ، وليس خطوةً على طريق المصالحة و الوَحدة الوطنيّة والإستراتيجية الواحدة التي تستشرفُ المخاطر الحقيقيّة التي تُحْدِقُ بالمشروع الوطنيّ الفلسطينيّ، لأنّ إعادة ترتيب البيت الدّاخليّ الفلسطينيّ يـتـطـلّب تغييرًا جذريًّا في الظّـروف والمصالح والأهداف للأطراف المُـتضرّرة أو المستفيدة من تغيير الواقع، وهذا لم يحدث على أقـلّ تـقـدير لغاية الآن؛ حيثُ إنّ الظّروف الدّاخـليّة الفلسطينيّة ومكـوّنات الفاعلين وصُنّاع القرار في الضّفّة الغربيّة ( حركة فتح )، وفي قطاع غـزّةَ ( حركة حماس ) لم يطرأ عليها أو على سلوكها أو على مصالحها أيّ تغيير، بل والأخطر من ذلك أنّ قُـوى الشّدّ العكسيّ وأصحاب المصالح التي ستتضرّر حـتمًا منَ الإقدام على خُطواتٍ حقيقيّةٍ باتّجاه الوَحدة الوطنيّة موجودة ومُؤثّـرة بشكل فِـعـليّ ـ إنْ لم نقُـلْ ـ إنّها هي صانعة القرار، فهل ستلجأ هذه القـوى إلى تدمير نفسِها و مصالحِها؟ لا أظنّ ذلك على الإطلاق .

       ومن هنا ومن قراءَتنا للوضع الداخليّ الفلسطينيّ نجد أنـفسَنا غـيـرَ مُتـفائـلين ـ على الرّغم ـ  ممّا يُـقال:إنّ الظّروفَ المُحيطةَ ـ ولا سيّـما ـ إقـدام حكومة نتنياهو على (سياسة الضّمّ )هي التي أجبـرت حركتي فتح و حماس على ذلك. و من حقّـنا ـ ها هُنا ـ أنْ نتساءَلَ: لماذا لم تتحرّك الأطراف الفلسطينيّة الفاعـلة للوحدة والتّنسيق عندما قامت - و ما زالت - الإدارة الأمريكيّة و بالتّنسيق الكامل مع الحكـومة الإسرئيليّة بسلسلة إجراءاتٍ وسياساتٍ منذ أكثرَ من ثلاث سنوات كانت بمنتهى الخطورة على القضيّة الفلسطينيّة ومستقبلها؟  لماذا انتظـرنا نتنياهو وترامب يقـومان بكلّ تلك الإجراءاتِ والسّياساتِ، ولم نتحرّك قَـيْـدَ أنـمـلة باتّجاه المصالحة أو الوَحدة الوطنيّة، أو على أقـلّ تـقـدير التّنسيق و التعاون؟ هل مشروع الضّمّ خطيرٌ ومِـفـصليّ استـدعى التّنسيقَ والوَحدة؟ أمّـا الاستيطان ونـقـل السّفـارة الأمريكيّة إلى القـدس وصفقة ترامب و نتنياهو ( صفقة القرن ) فهي مسائلُ ثانـويّـة لا تستحـقّ التّحرّكَ والتّنسيقَ والمصالحةَ .

   إن عنوان التقارب الجديد بين فتح و حماس هو رفض سياسة الضم , ومن هنا فنحن أمام احتمالين: أولهما إذا تراجعت أو أجلت إسرائيل الضم فمن الطبيعي أن تتراجع السلطة الوطنية الفلسطينية عن تراجعها فيما يتعلق بالاتفاقيات مع إسرائيل التي أعلنت أنها في حل منها , أي عودة علاقات السلطة الوطنية مع إسرائيل إلى ما كانت عليه  قبل إعلان الضم , مما يفقد فكرة الشراكة مع حماس مبرراتها و دوافعها .

 أما الاحتمال الثاني : إذا أقدمت إسرائيل على الضم سواء أكان ذلك جزئيا أم كليا فنحن هنا أمام عدة احتمالات : أما حل السلطة الوطنية الفلسطينية – كما هددت فتح بذلك – أو حصول انتفاضة و مواجهات بغض النظر عن طبيعتها و شكلها , أو بقاء الوضع على ما هو عليه الآن أي استمرار السلطة في وجودها و دورها . و هنا نسأل أنفسنا ما هو موقع حماس من هذه الاحتمالات, هل ستكون شريكاً لحركة فتح أم بديلاً لها.

   هذا على الصّعيد الدّاخليّ أمّـا على الصّعيد الإقـليميّ، فسنفترضُ جـدلاً انّ الإقـدام على هذه الخُطوة تـمّ بجهـدٍ فلسطينيّ خالصٍ دون التّـدخّـل من أحدٍ إقـليمياً ـ كما ذكر الرجوب و العاروري ـ ولو حتّى من باب الاستشارة، أليسَ من المنطـق أنْ يكـون لهـذه القوى الإقليميّة رُؤًى ومصالحُ وسياساتٌ في حال كانت عمليّة إعادة ترتيب البيت الداخليّ الفلسطينيّ حـقـيـقـيّـة؟ وستـقـود إلى تغييراتٍ جوهـريّةٍ ـ إنْ لم نـقُـلْ ثـوريّة. ويحـقّ لنا أنْ نتساءلَ هُـنا عن موقف كلٍّ منَ الأردنّ ومصرَ والإمارات و قطر و إيران وتركيا و إسرائيل. و هل أنّ هـذهِ الدّولَ وما تحمله من أوراقٍ ومصالحَ في فلسطينَ، أومن خلال فلسطينَ، ستـقـف موقـف المُتفـرّج؟ وهل ستترك الأمور تسيـر دون استشارتها أو الإسهام والتأثير فيها بشكل أو بآخرَ؟ وكـلّنـا يعلـم عِـلـم اليقين، ويُـدرك حجـم الصّراع العـلنيّ والضّمنيّ الإقـليميّ في أكثر من ملفّ، والقـضيّة الفـلسطينيّة ـ بطبيعة الحال ـ  أحـدُ هـذهِ الملفّاتِ الشّائكةِ.

       و انطلاقًا من فهمِ الواقعِ المَعيشِ والمَـرئيّ، فهذا ليسَ إحباطاً للشّارع الفـلسطينيّ، وليس تشاؤمًا للنّخبة، ولكنّ محاولةً جادّةً لقـراءة الأحداث وصولاً إلى الاستنتاجات المنطقيّة لمستقـبـل العلاقة بين مكـوّنات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة بكلّ أطيافها ومَشاربها من جهة، والنّـظـام السّياسيّ الفـلسطينيّ من جهة أخرى. نعـم لا نريد تفاؤلًا مبنيًّا على أوهامٍ وأمنياتٍ؛ لأنّـه سيـولّـد ـ وراءه ـ مـزيدًا من الإحباط و القُـنـوط الذي أصاب المواطن الفـلسطينيّ عَـبـر عشرات المؤتمرات الصّحـفـيّة و اتفاقيّات المصالحة البروتوكوليّة التي أوصَلَـتْـنا إلى مـا نحن عـليه الآن. هذه هي التّساؤلاتُ والمخاوفُ التي تراودُ ذهـنَ الفـلسطينيّ، وهو يتابعُ ويأملُ أنْ تكونَ الخُطوة الأولى بين حركتي فتح و حماس في طريق الإستراتيـجـيّـة و الوَحدة الوطنيّة، و ليس خُـطـوة تكـتـيـكـيّـة مؤقّـتـة لتجـاوزِ مـرحـلـةٍ معـيّـنـةٍ.

      الدّكـتـور عـمـاد البشتـاوي
كلّـيّـة الحقـوق والعـلـوم السّياسيّة
   جامعة الخليل – فـلسطيـن