قراءة نقدية تأملية -متعجّلة- في قصيدة (عيناك..والبهاء) بقلم:محمد المحسن
تاريخ النشر : 2020-07-04
قراءة نقدية تأملية -متعجّلة- في قصيدة (عيناك..والبهاء) بقلم:محمد المحسن


قراءة نقدية تأملية-متعجّلة- في قصيدة (عيناك..والبهاء) للشاعرالعراقي حسين علي الرفشاوي
*الخيال الواسع الذي يصنعه الشاعر-حسين علي الرفشاوي- بارتصاف كلماته و عباراته الشعرية،و عنصر الدهشة في الانتقال بين الصور و الأبيات الشعرية.
* كيميائية اللغة الشعرية الجميلة و تفاعلها في تركيب شعري عذب جميل له تأثيره في نفس القارئ .
..يرى الشاعر والباحث العراقي محمد مظلوم أن الأسئلة والتحدّيات التي يواجهها الشاعر تكاد تكون واحدة في كلّ العصور،وأنها«أقربُ إلى الأزليَّةِ منها إلى الآنيَّة،فالأسئلة التي كابدها هوميروس الإغريقي،أو فيرجل الروماني،تقاربُ المطامح الغامضة لامرئ القيس أو المتنبي العربيّين،وهي ذاتها التي قد يصطدم بها أيُّ شاعرٍ حقيقيٍّ في كلِّ عصر ومكان.ما يختلف هو الشرط التاريخي،وخصائص المرحلة.
الأسئلة الوجودية الداخلية لا تتغيّر،ما يتغيّر هو المعطيات الخارجية.
بهذا المعنى، فإنَّ الأسئلة تأخذ صـيـــــاغـــــــات مــتـــعــــدّدة ومـــخــتــلـفـــة لجوهرٍ واحد».وبهذا المعنى نفسه،يضيف مظلوم،«أعدت توجيه السؤال وأحلته [إلى] الشاعر نفسه، وليس [عن] الشعر؛ ذلك أننا يجب أن نبحث عن الشجرة، قبل أن نسأل عن غياب الظلال والثمر؛ إذ يبدو لي الشاعر الآن مثل الكائنات المهدّدة بالانقراض،وثمّة مِنَ الأشجار ما انقرَضَتْ فعلًا،أو مُسختْ إلى حجرٍ قاسٍ بلا ثمر أو ظلال،وهذا الحشد غير القابل للإحصاء ممّن يكتبون الشعر حولنا الآن أبطال وشهود على مأزق الشعر:انحسار نموذجه العالي، وشيوع الإسفاف والرداءة؛ لذلك فالمحنة هنا ذاتية مزدوجة قبل كل شيء،طرفها الأول أشرت إليه بتلك اللوثة الأزلية وغموض الأسئلة لدى الشاعر نفسه،وطرفها الثاني النماذج السائدة التي توحي بالقحط بل تُفصح عنه؛حيث التضحية بالفضاء الإنساني،والكوني،والركون إلى التعبير عن أوهام هويات ضيِّقة،والنزوع إلى .مطامح رثة».
ولكن..
للشعر العراقي روافد لا تحصى،تأتيه من منابع عدة،أبرزها تاريخ الشعر العراقي الطويل،الحافل والممتد في عمق التجربة الإنسانية،والأسطورية.
شعر متعدد الطرائق والأساليب والرؤى،ومترع بالأسماء الكبرى،منذ بدء عملية التخليق الأوّلى للحضارات البكر،ولذلك نراه يتجدّد على الدوام،ويحفل بالتجارب والعطاءات والمواهب الكبيرة، والأسماء المميزة،واللافتة،والمثيرة.
أجيال ترفد أجيالاً متعاقبة وجديدة،وطالعة تخط ما تيسر لها من إشراقات شعرية،ومن نوازع وإرهاصات ودفائن رؤيوية،تقتحم بها عالم الشعر الواسع، والزاخر بالحركات،والتيارات والمدارس الشعرية، لتضيف لهذا النهر الكبير والجاري،أصدافها المتلألئة،لكي يظل لامعاً، ومضيئاً وجارياً،فوق أرض خصبة بالكلمات
الشاعر العراقي الشاب حسين علي الرفشاوي (محامي حر) شاعر حجز لنفسه مقعدا للشعر في عالم الإبداع ،إذ ينطق بموهبة شعرية عربية أصيلة،يخضب حرفه بشاعريته و فلسفة أشعاره ،لتمتزج المدارس الأدبية الشعرية في كتاباته المتماوجة بين الرمزية و الرومنسية،و ليصير التشكيل السريالي في الرسم ( الفن التشكيلي ) ظاهرا في قصائده معلنا ميلاد شاعر متجه إلى البحث عن طريقة و أسلوب خاص لتبليغ رسالته الشعرية في عالم سريالي رائع مملوء بالتساؤلات و الصور الشعرية المكثفة المتداخلة و التي إن دلت تدل على جمالية الإبداع و التحليق بالقارئ في صوفية الوجدان و عبقرية البوح العفوية التي يغرق فيها الشاعرحسين علي رفشاوي...و لعلني أستشهد بقصيدة من روائع قصائده الشعرية :
(" عيناك و البهاء ")
عيناك واحتا ورود جادها المطر
او لوحتان في الخلود تلفت النظر
عيناك حين يسهدان تفرح النجوم
و يطرب الليل تهللا بلذة السمر
رباطة الجأش فقدتها من بعد حين
لقيتها و اضطرب الذهن مع الوتين
أمطار مقلتيك من بهاء سر نفسي للسماء
كالزنبق النبيل حين شمت الروح عطورها
ينتابني الحبور قربها و تنعش الدماء
هيا لنبني عشنا فوق ورود الياسمين
جيوش عيناك حصارا فرضت لاعلن الولاء
نهر البهاء من عيونك الأنيقة ينبع
عيون اطباع حبيبي ليس تدمع
اين نسيم حبك ليقتل الهجير
أتيت و القلب كسيرا و أسير
أتى به الحب الذي طرزه الهيام
نحن معا نشابه الحمام
ما اروع الحب مع السلام
لو أخفقت روحي بدرسك النبيل
لو الف مرة لا أكره الإعادة
كأنك رهينة القلب من الولادة
امتزجت عيناك و البهاء
حيث الجمال و الشروق و الرخاء
و لين قلبها سمائه قد سادها الصفاء
أحببتها لانها وردا يصدر الرحيق
معتمة ارجاء روحي سادها الظلام
بريق عينيك ينيرها ما أروع البريق
لا فض وقت طلة البدر
يا سدرتا كأن طلعها شذر
ان كنت لا أراك تارتا !!
أسكن بالفلاة حيث لا مقر
زاخرتا بحار روحك بلؤلؤ عظيم
أشرب من مياهك يا حلوة المذاق
بستانك الجميل زاخرا مملوء بالثمر
باذخة جبال حسنك يا ابنت العراق
حسين علي الرفشاوي
إن القصيدة التي بين أيدينا من روائع الشعر و لعل القراءة الإنطباعية التي كنت قد قدمتها سريعة،إلا أننا نلمس أسلوبا جديدا في إيصال الرسالة الإبداعية انتفضت فيه شخوص متعددة داخل الفضاء الشعري للقصيدة ( الشاعر-الوجد – العشق – الوطن – الغرام..مناجاة الحبيبة بأسوب شعري عذب..) ،فالخلق الفني متفاوت في جسد القصيدة تبعا لاهتزازت نفسية الشاعر بين الصوفية و الرومنسية و الرمزية و الصورة السريالة الراقية ..
و نحن لا نبحث عن التجربة الانفعالية،بل نبحث عن قوة التاثير التي كان الشاعر موفقا فيها ،بطريقته الإبداعية لأن معيار التمكن الفني لا يكمن في ارتباط القصيدة بذاتية المبدع ،بل يتحول إلى معيار التمكن الموضوعي عندما تترك القصيدة أثرها و مدى تأثيرها في عقل و قلب المتلقي للرسالة الإبداعية .
وختاما لهذه الدراسة النقدية التأملية المتواضعة والمتعجلة أيضا أتقدم للشاعر العراقي المتألق (حسين علي الرفشاوي )بالشكر و التقدير مع دوام إبداعه الراقي الجميل..
ولنا عودة إلى هذه القصيدة الرشيقة عبر مقاربة مستفيضة..

محمد المحسن (شاعر وناقد تونسي)