جائحة كورونا ما بين اللاوعي وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني بقلم:د. مؤمن سليمان شريم
تاريخ النشر : 2020-06-30
جائحة كورونا ما بين اللاوعي وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني بقلم:د. مؤمن سليمان شريم


جائحة كورونا ما بين اللاوعي وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني

د. مؤمن سليمان شريم

يعد فيروس كورونا من أخطر الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي, حيث أن جميع الأزمات المالية السابقة التي اجتاحت العديد من دول العالم واجهتها حكومات هذه الدول من خلال وضع العديد من البرامج والسياسيات الاقتصادية, في حين أن أزمة كورونا والتي تلقي بظلالها على جميع مناحي الحياة الصحية والاقتصادية والاجتماعية, فهي تهدد الصحة العامة بصورة واضحة ومباشرة, ومن ثم فإن تداعياتها تعد هي الأخطر على الاقتصاد العالمي وتتطلب سياسات مختلفة لمواجهتها.

وبالرغم من الإجراءات الاحترازية التي فرضتها العديد من دول العالم لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا والمتمثلة في منع الحركة وتوقف عجلة الحياة اليومية, إلا أن هناك تصاعد كبير في أعداد المصابين, وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي والعديد من الاقتصاديين للتوقع بأن ينكمش الاقتصاد العالمي إلى 3% وهذا أعلى بكثير من الركود الاخير في عامي 2008 و 2009 حيث انكمش الاقتصاد العالمي 1 في المئة.

والاقتصاد الفلسطيني كغيره من الاقتصاديات العالمية لم يكن بعيداً عن ظلال جائحة كورونا, بعد اكتشاف العديد من  حالات الاصابة في هذا الفيروس في فلسطين, الأمر الذي تبع ذلك إلى إعلان الحكومة الفلسطينية لحالة الطوارئ في "5 مارس 2020" في جميع المحافظات الفلسطينية, واتخاذ سلسلة من الاجراءات الاحترازية والصارمة لمواجهة تفشي وانتشار الفيروس ومحاصرته.

فالاقتصاد الفلسطيني والذي هو من الأصل اقتصاداً منهك في بنيته وطبيعته, جارت عليه العديد من الظروف السياسية والاقتصادية, فهو الأكثر معاناة اقتصاديًا من تبعات جائحة كورونا بين دول العالم، كونه اقتصادها هشًّا تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي, فلا عملة وطنية, وموارد مسيطر عليها من قبل الاحتلال، واقتصاد معتمد بشكل كبير على معونات الدول المانحة, ومعرض بشكل دائم إلى الحصار الاقتصادي من قبل الاحتلال والدول المانحة, فالحكومة الفلسطينية لا يمكن لوحدها إنقاذ الوضع الاقتصادي، كما أنه لا يمكن الاعتماد على الدول والمؤسسات المانحة كونها تعاني من الأزمة ذاتها، ولا حتى على القطاع الخاص, وذلك لأنه الأكثر تضررًا من الأزمة.

أدت إجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية إلى أزمة اقتصادية خانقة, حيث أدت هذه الاجراءات إلى انخفاض الايرادات نحو 70% بخسائر تصل الى 3 مليارات و200 مليون دولار, واضطرت الحكومة الى خفض احتياطي البنوك للأزمة الاقتصادية التي وصفها المحللون أنها الاصعب على السلطة الفلسطينية منذ انشائها.

تأثيرات فايروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني:

·        التأثير على الخزينة العامة

فنتيجةً لإعلان حالة الطوارئ في المحافظات الفلسطينية وإغلاق المعابر والحدود الفلسطينية مع العالم الخارجي تأثرت الخزينة العامة جراء تعطل حركة التجارة الخارجية والاستيراد, وبالتالي انخفضت إيرادات المقاصة, وبالتالي تأثرت الخزينة الفلسطينية من فقدان هذه الإيرادات والتي تعد العمود الفقري للحكومة الفلسطينية ولموازنتها العامة، لأنها تؤمن أكثر من 65% من مجموع إيرادات الحكومة الفلسطينية، وتغطي أكثر من نصف نفقاتها.

كما وتأثرت الخزينة الفلسطينية سلباً نتيجةًَ لزيادة النفقات التي وقعت على كاهل الحكومة الفلسطينية في مجال الرعاية الصحية, وتوفير المعدات والاجهزة والمراكز الطبية لمصابي فايروس كورونا, وتوسيع دائرة الأسر المستفيدة  من وزارة التنمية الاجتماعية ليصل عددها في قطاع غزه 80 الف أسرة, وفي الضفة الغربية "35147" أسرة.

كما أن الاستنفار الأمني الفلسطيني من أجل تطبيق الاجراءات الاحترازية الفلسطينية, وتطويق البؤر المصابة, وتقديم الخدمات للمواطنين, استنفذ جزء كبير من الخزينة العامة الفلسطينية.

وفي هذا السياق أشار رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتيه الى أن تكلفة فيروس كورونا على الخزينة الفلسطينية قد تصل الى 300-400 مليون شيكل, وسط تباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي الذي سوف يعكس نفسه على ايرادات الخزينة, وبالفعل تم انخفاض إيرادات الخزينة  إلى 70% بخسائر تصل إلى 3 مليارات و200 مليون دولار, وإن الانخفاض الكبير في الخزينة العامة قد افقد قدرة الحكومة الفلسطينية على توفير فاتورة الرواتب.

·        التأثير على مجمل القطاعات و على فرص العمل

كما وأدى إغلاق المدن الفلسطينية وتقييد حركة المواطنين واغلاق كافة المنشآت الصناعية والإنتاجية إلى شلل وتوقف في عجلة الاقتصاد الفلسطيني, حيث المصانع والورش والشركات توقفت عن العمل في تلك الفترة.

وشمل  الضرر الاقتصادي  القطاع السياحي الذي توقف بشكل كامل بحيث تم الغاء كامل الحجوزات للسياح الاجانب في الفنادق وإغلاق كامل للمناطق السياحية والدينية أمام الزيارات, كما شمل الضرر قطاع المطاعم وصالات الأفراح حيث تشكل هذه القطاعات نسبة كبيرة من الاقتصاد الفلسطيني.

كما تأثرت العديد من القطاعات الهامة كقطاع الجامعات والمدارس والنقل العام, وهذا ما أدى إلى توقف دخل العاملين في معظم هذه القطاعات, وتوقف عدد كبير من العاملين عن أعمالهم, وبالتالي أدى ذلك الى ارتفاع معدلات البطالة في الاراضي الفلسطينية المرتفعة بالأصل قبل ظهور فيروس كورونا, وهذا مؤشر خطير لكارثة اقتصادية سيمر بها الشعب الفلسطيني,  والتي تستوجب التوقف عندها والتعامل معها بمسؤولية وتخطيط عالي من قبل الحكومة الفلسطينية.

وأظهرت البيانات أن السوق الفلسطيني خسر 18 الف وظيفة خلال الربع الأول من عام 2020, حيث جاء في تقرير الاحصاء، ان عدد العاملين في السوق المحلية انخفض إلى 888 ألف عاملا في الربع الأول للعام الجاري مقارنة بـــ 906 آلاف عامل في الربع الأخير للعام الماضي. وبشكل عام، بلغت نسبة البطالة في فلسطين حتى نهاية الربع الأول 2020 ،25%.

حيث بلغ عدد القوى العاملة في فلسطين، حتى نهاية الربع الأول 2020، حوالي مليون عامل، منهم 634 ألف في الضفة و 252 ألف في غزة و99 ألف في إسرائيل و 20 ألف في المستعمرات الإسرائيلية.

·        الشيكات المرتجعة

أما على صعيد الشيكات المرتجعة, فقد صرح محافظ سلطة النقد الفلسطينية، عزام الشوا بأن الشيكات المرتجعة في الأراضي الفلسطينية صعدت إلى 35 بالمئة، من إجمالي الشيكات المقدمة (للصرف), وأظهر رصد لموقع الاقتصادي بأن قيمة الشيكات المرتجعة خلال نيسان 456.31 مليون دولار وبما يقارب 356.523 ألف ورقة شيك بنكي.

·        العاملين في الداخل المحتلة

وعلى صعيد العاملين في الداخل المحتل فإن فرض الاحتلال إجراءات اغلاق الحدود مع الضفة وغزة, وبالتالي فإن عدد كبير من الفلسطينيين لم يتكمنوا بشكل مستمر من العودة إلى العمل في الداخل المحتل, ويزيد عددهم عن 150 ألفاً يعملون بتصاريح رسمية, و60 ألفاً يعملون بطريقة غير قانونية, بدخل يومي متوسطة 250 شيكل, مما يعني ادخال مئات ملايين الدولارات شهرياً للأسواق الفلسطينية, بالإضافة الى اعتماد الاقتصاد الفلسطيني اساساً على المدخلات الإسرائيلية لأن 35% من الدخل القومي الفلسطيني يأتي من العمال في اسرائيل.

ونتيجةً لذلك فقد قال البنك الدولي إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه وضعا بالغ الخطورة مع توقف مختلف القطاعات عن العمل، بسبب اجراءات مواجهة الجائحة، في وقت يفتقر إلى أية أدوات للتحفيز المالي، أو ضخ السيولة، أو الاقتراض الخارجي, حيث توقع البنك الدولي انكماشا في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام الجاري قد يتراوح ما بين 7% إلى 11%، في حال تفاقمت الأزمة الناتجة عن تفشي فيروس "كورونا" (كوفيد-19).

·       نتائج ايجابية

وعلى الرغم من التأثيرات السلبية التي تركها فايروس كورونا على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية إلا أن هناك العديد من القطاعات التي استفادت واستغلت انتشار هذا الفايروس والتداعيات السلبية التي تركها على الاقتصاد الفلسطيني, من خلال تجيير هذه الأزمة لصالحها وتحقيق ارباح اقتصاديه لصالحها ومن أبرز المصالح التي استفادت من ذلك:

ü    استطاعت العديد من المصانع انتاج الكمامات الطبية والألبسة الطبية  “أفرولات”.

ü    المصانع المتخصصة في مجال انتاج المعقمات والمنظفات الكيماوية.

ü    محلات التجزئة والجملة نتيجة الاقبال الكبير على السلع التموينية والمعقمات والمنظفات بكل أنواعها، وبالتالي هناك شريحة كبيرة من قطاع التجزئة والجملة استفادت من الظروف الحالية في الأراضي الفلسطينية نتيجة زيادة مبيعاتهم وأرباحهم خلال هذه الفترة.

وبعد التسهيلات في الاجراءات الاحترازية الحكومية لمواجهة فايروس كورونا بعد استقرار عدد حالات الاعداد المصابة إلى مستويات متدنية, وفي ظل حالة التشكيك من قبل غالبية المواطنين في وجود مرض كورونا وما يترافق معه استهتار واضح في الالتزام بمعايير السلامة العامة والتي أدت الى دخول البلاد في موجةٍ فايروسيه اشد فتكاً نتيجةً للأعداد الضخمة من المصابين, والتي قد تؤدي الى انهيار اكبر في المنظومة الاقتصادية الفلسطينية؛ وذلك لأن الدلائل تشير بأن الحكومة غير قادرة على حصر انتشار فايروس كورونا إلا بالعودة إلى سياسة الاغلاق التام لأن الفايروس ينتشر حاليا "كالنار في الهشيم".

فهناك ما يشيع بأن هذا الفايروس  "مسرحية" والبعض الأخر مؤامرة من أجل تمرير صفقة القرن والضم الاسرائيلية, وكأن الاحتلال ينتظر أي غطاءٍ من أجل تمرير مخططاته الاستعمارية فهناك ثلاثة فئات تشكك في عدم وجود هذا الفايروس وهم:

·       عدم التزام البعض بقواعد السلامة العامة والتشكيك في هذا الفايروس من باب سياسي؛ وذلك لأنه يعد نفسه في تيار حزبي مناقض للسلطة الفلسطينية, أو تتناقض مواقفه مع السلطة الفلسطينية.

·       والتيار الآخر هم من غالبية أصحاب المصالح والذين يشككوا بهذا الفايروس, وذلك لأن مصالحهم تتعطل نتيجة القيود الاحترازية المفروضة على المجتمع.

·       والفئة الأخرى ومن باب غير الوعي الحقيقي بمجريات ما يحصل, فهي تقف على عتبات التناقض حتى أنها تستهزئ بالملتزمين بقواعد السلامة العامة.

ان الالتزام بقواعد السلامة العامة هو ضرورة دينية واخلاقية للحد من تفشي هذا الوباء القاتل, وضرورة من أجل عدم الرجوع إلى مربع الإغلاق كي تبقى مصالح المواطنين تسير وفق حدودها الطبيعية أو بأقل قليلا,  فالتزام المواطنين بالقواعد الصحية لا يتعدى المستوى المطلوب, فالوعي الذي تم الرهان عليه من أجل تطويق هذه الازمه لم يكن موجوداً عند غالبية المواطنين, فإن تطبيق القوانين من أجل الحد من انتشار الفايروس  يأتي تجسيداً لهذه المقولة "ليس من الحكمة الاتكال على وعي الشعب فلا توجد شعوب مثالية إنه القانون وقوة تنفيذه فهو وحده من يخلق مواطنين صالحين ملتزمين".

الهوامش:

د. مؤمن سليمان شريم,, باحث في مجال الادارة العامة

1.    رائد حلس, تاثير فايروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني, مركز الابحاث في منظمة التحرير الفلسطينية,2020.

2.    الاناضول, البنك الدولي يتوقع انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تصل 11 بالمئة خلال عام 2020

3.    سلطة النقد الفلسطينية, البيانات الاحصائية الشهرية والربعية

4.    محمد خبيصة, بسبب كورونا الشيكات المرتجعة في فلسطين تصل الى 35 بالمئة, وكالة الاناضول الاخبارية, 

صحبفة الحدث, وزير التنمية الاجتماعية يكشف: هكذا تم اختيار المستفيدين الجدد من مخصصات الشؤون,