ما أشبه اليوم بالأمس بقلم: منجد صالح
تاريخ النشر : 2020-06-30
ما أشبه اليوم بالأمس  بقلم: منجد صالح


ما أشبه اليوم بالأمس

السفير منجد صالح

غدا اليوم الموعود، غدا اليوم المشهود، غدا اليوم المُرتقب، غدا يوم الضم ويوم الغم ويوم الهم. الضم حاصل لا محالة، داهم لا سجال، واقع لا جدال. فالمُحال والمستحيل فقط يوجد في قاموس الحمقى، كما قال نابليون بونابرت.

لكن الضامّون مختلفون. حمدا لله على خلافهم!!! اللهمّ عمّق خلافاتهم، اللهمّ اضرب الظالمين بالظالمين. كوشنير "داقق" في فريدمان، "الرجل الفريد"، سفير ترامب في إسرائيل العتيد، الصهر مُختلف مع السفير المستوطن النكد، هكذا أخبرونا وبشّرونا عشية الضم، ألقموا أفواهنا "الفاغرة" باللهّاية، "البز الكذّاب" ونحن صدّقنا ونشرنا  الخبر الخير، "غسيلهم القذر"، على صفحات صحفنا ومجلاتنا، وفركنا أيدينا سرورا وحبورا، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.

زغردي يا نساء الشام، إفرحي يا نساء العراق، أبشري يا نساء خراسان، فالضباع مُختلفة على أكل فريستها. من أين تبدأ، من الرقبة أم من الأطراف؟؟ وهل ستباشر القضم الآن وفورا ولحم الضحية ما زال ساخنا أم بعد ساعتين أو يومين أو أسبوعين أو شهرين حتى تبرد وتجف لحمة "الطريدة الفريسة" وربما حتى تبرد بعض من الرؤوس الحامية التي تنفث فقّاعات في الهواء لردع الضام عن ضمّة وإبطاء المفترس عن تناول وجبة اللحم "المطروحة" أمامه إمتثالا للمناشدات الدولية!!!

ألسنا، والحالة هذه، نحن الفلسطينيّون، مثل "الايتام على مائدة اللئام"، نعم نحن كذلك، لكن الأيتام أيضا مختلفون، منقسمون، متناحرون، متنابزون، متعاركون. أبو مرزون يصرّح و"يحط في ذمّته"، وبالبنط العريض بأن أبا مازن "يُعيق تشكيل جبهة من الفصائل تقف في وجه الضم". هكذا يقول ويصرّح أبو مرزوق!!!

بالمقابل فان مسؤولون من شمال الوطن يحضّون الجنوبيين أن لا "يتحدّثوا عن قعقعة السلاح حتى لا يعتقد العالم بأننا قوّة عظمي"، بقوّة "الجيش الأحمر السوفييتي" في زمانه،  فالمؤتمرات الصحفية التي تُطلق وتنطلق من قطاع غزة، أبطالها "الناطقون العسكريّون"، ناطقوا أجنحة الفصائل المسلّحة ومرافقوهم، المقنّعون المتكدّسون "المدبوزون" فوق بعضهم، "ينافسون" أبو عبيدة على إلتقاط الصور أمام "رُجم" الميكروفونات من شتى الوكالات والفضائيّات، يُخيفون الغول والعنقاء والخل الوفي!!!

وفي شمال الوطن، تتمحّور ردة فعل وتصريحات كبار القوم، "أهل الربط والحل"، "بالتهديد والوعيد والثبور وعظائم الأمور" بأن السلطة ستنهار، وبالتالي فنتنياهو تنتظره أيام سوداء قاتمة بسبب إنهيارها، فسيضطر نتنياهو أن "يلمّ قمامة" الفلسطينيين في الضفة الغربية بأيديه الناعمة، ولن يجد بعدها لا ماء ولا صابون ولا حتى "ديتول" حتى يُنظّف ويُعقّم يديه من آثار القمامة، وليس من آثار الدماء، دماء أبناء شعبنا التي تلطّخه من شعر رأسه حتى أخمص أذنيه.

أعتقد، يا سادة يا كرام، بأن أسرائيل وأمريكا ونتنياهو وكوشنير لن يذرفوا دمعة واحدة إذا ما انهارت السلطة، فلديهم البدائل، ولن يذهب نتنياهو ليلمّ "زبالة" الضفة الغربية، وإنما سيلتهم لحم الضفة الغربية، وسيرمي العظام كي يلمّوها بعضا من الفلسطينيين ويدفع لهم بدل "الّلم" من الأربعين مليار دولار من أموال مؤتمر المنامة الاقتصادي "المركونة" المنتظرة على الرفوف.

عشية حرب الخليج الثانية، غزو صدّام للكويت وما تبعها من تجييش قوات التحالف بقيادة أمريكا وضرب جيش صدام في الكويت وفي العراق، دعاني سفير كوبا في تونس أنا واثنين من الزملاء على إفطار رمضاني. تصوّروا سفير كوبا الدولة "الشيوعية الاشتراكية" يحترمنا ويدعونا على إفطار في رمضان؟؟ خال من لحم الخنزير كما أكّد ليلتها.

كان إفطارا شهيّا في أجواء من الصداقة والمودة. وفاجأتنا زوجة السفير المصون، وهي دكتوراه في الكيمياء، والتي طبخت لنا أكلا كوبيا خالصا بيديها الناعمتين، بتحلية من البوظة الكوبية، بوظة كوبيليا، وهي من أجود أنواع البوظة الطبيعية في العالم وتنافس وتتقوّق على الجيلاتو الإيطالي. أخبرتنا ان باخرة كوبية وصلت إلى تونس وأحضرت لهم صندوقا من البوظة.

وبعد التحلية الباردة الشهيّة جلسنا نحتسي القهوة في الصالون و"نُدردش"، فأخبار وصول القوّات الأمريكية "الحامية" إلى المنطقة لاخراج صدام من الكويت بالقوة كانت ترد تباعا وبشكل حثيث ويومي.

كنّا نميل نحن الثلاثة، أنا وزميلي الآخرين، الفلسطينيّون، بأنه ربما لن تقع الحرب وإنما ما يجري لن يكون أكثر من "تخويف" صدام حسين حتى يقبل بطريقة ما وتحت الضغط للإنسحاب من الكويت!!!

هنا تدخّلت زوجة السفير، دكتوراه في الكيمياء، وقالت سامحوني أنتم لا تعرفون الأمريكيين مثلنا نحن في أمريكا اللاتينية قد عانينا أكثر من 134 تدخلا عسكريا أمريكيا في الشؤون الداخلية لدول القارة اللاتينية الجنوبية والوسطى والمكسيك. "الأمريكيّون لا يحركّون جنديا واحدا إلا ويضربون بعدها"، أكّدت زوجة السفير.

وفعلا هكذا كان، حسب "نبوءة" وقناعة ومعلومات زوجة السفير الكوبي.

فهل ما زلنا نصدّق بأنهم مختلفون، وأنّ ازرق أبيض لونه مختلف عن لون الليكود، وأن كوشنير مختلف مع فريدمان في تطبيق الضم وصفقة القرن، وأن بيركوفيتس يقوم بمساعي حميدة بين السفير والصهر لتقريب وجهات النظر والنظر إلى الفريسة بعيون موحّدة وأنياب موحّدة، ومعجون أسنان موحّد، "كولجيت" لتنظيف أنيابهم بعد إلتهام لحمنا.

شعبنا ولّاد، لحمه مُرّ، لن يرضخ ولن يستكين، وحتى ولو بعد مئة عام أخرى، ستستمر المسيرة والنضال والفداء، وسيستمر طرق أبواب الحريّة بالقبضات المدّرجة الحمراء القانية، وسيستمر شعبنا في رفع الراية خفاقة في عنان السماء، تّناجي النجوم وتناجي قبضات وسواعد وهمم عبد القادر الحسيني ودلال المغربي وسعد صايل وأبو جهاد وفتحي الشقاقي وأبو عمّار والشيخ أحمد ياسين وأبو جندل ومهنّد الحلبي وأشرف نعالوه وعمر أبو ليلى، بهي الطلّة والطلعة دائما، ولا يفلّ الحديد إلا الحديد، وما "بيجيب الصاع إلا الصاعين".

كاتب ودبلوماسي فلسطيني