بنية العلاقات الاجتماعية وتطور تقنيات الإنترنت بقلم:د. مصطفى يسري عبد الغني
تاريخ النشر : 2020-06-30
بنية العلاقات الاجتماعية وتطور تقنيات الإنترنت بقلم ..د/مصطفى يسري عبد الغني
مما لا ريب فيه أن العلاقات الاجتماعية وما يترتب عليها من تفاعل اجتماعي ، تأثرت بطريقة ما بالتطورات الهائلة المتتالية التي حدثت في المجتمعات البشرية في ظل العولمة وتداعياتها ، خاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وتقنيات شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت ) ، وما ترتب عليها من شبكات التواصل الاجتماعي بجميع مسمياتها ، وهو ما يتيح الفرص لتغيرات قد تكون جذرية في المجالين المادي والمعنوي ، والذي تتخذه وتتشكل في إطاره مختلف نماذج العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي التي أشرنا إليها فيما سبق ، أو غيرها من نماذج أخرى قائمة على أرض الواقع ولم يتم تناولها .
إن نظرة تحليلية معمقة تجعلنا نؤكد على أن شبكة الإنترنت لم تعد مجرد شبكة عالمية أو مخزن ضخم هائل أو أداة استثنائية للتبادل السريع للمعلومات ، بل أضحت تؤدي اليوم مهامًا استثنائية ذات مردودات أو منعكسات سياسية وإعلامية واقتصادية وثقافية وعلمية واجتماعية ، كما تدور حول الإنترنت وما نتج عنه من شبكات التواصل الاجتماعي ، حوارات معمقة في جميع أرجاء العالم ، ولكن رغم أهمية الإنترنت بوجه عام ، ومواقع التواصل الاجتماعي بوجه خاص ، والتي لا ينكرها أحد على الإطلاق ، إلا أن الباحث يرى تعارضًا شديدًا بين الآراء حول منعكسات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، والتي تصل هذه الآراء أحيانًا إلى حد التناقض الكلي ، فيراها البعض نعمة فريدة متفردة ، وإنها أفضل إنجاز تقني في أيامنا الراهنة ، ويدافعون عن أهمية مردوداتها الإيجابية دفاعًا مستميتًا ، في حين يرى فريق آخر : أن منعكساتها السلبية تشكل مخاطر جمة لا حصر لها يتحتم علينا كمثقفين وباحثين أن نرصدها ، وأن نتعامل معها بعلمية وإيجابية .
وعليه فقد ازداد الاهتمام العلمي بدراسة الإقبال على الإنترنت والذي وصل إلى حد الإدمان عند البعض كظاهرة مجتمعية انتشرت بين الأفراد في المجتمعات المختلفة ، وربما يرجع ذلك إلى ما لهذه الظاهرة من آثار متعددة نفسية واجتماعية وصحية تؤثر على الأشخاص المستخدمين لهذه الشبكات ، فمع استمرار قضاء مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المزيد من الوقت على الخط المباشر ، فمن الطبيعي جدًا أنهم لا يخصصون وقتًا كافيًا للنشاطات الحياتية الأخرى مثل : القراءة الجادة ، والأنشطة الرياضية ، والرحلات العلمية والثقافية ، وتذوق الفنون الرفيعة ، والتزاور مع الأهل والأصدقاء ، وأداء الواجبات الاجتماعية ، والاهتمام بأهله وأفراد أسرته ، وعلى الإجمال التفاعل والتعامل مع الأشخاص المحيطين بهم في مجتمعاتنا .
وفي هذا الصدد نذكر مجموعة من الأساتذة الأجلاء الذين اهتموا ببحث ظاهرة إدمان الإنترنت ، منهم دكتورة / عزة عزت ، والدكتور / سعيد عبد العظيم ، والدكتورة / هالة سليمان ، والدكتور سيد صبحي ، والدكتورة / سامية الساعاتي ، والدكتورة / أمنية علوان ، وقد توصلوا إلى نتائج جادة مفيدة ، ولكن في واقع الأمر أنهم قاموا بأبحاثهم قبل أن يصبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشكل الهائل ، وما استتبع ذلك من تداعيات تراوحت بين السلب والإيجاب ، ومن هذا المنطلق علينا دراسة هذه القضية دراسة علمية ممنهجة مستمرة لا تنتهي بالتقادم ، لأهميتها وخطورتها .
وفي هذا الصدد يذكر لنا كل من فريزر ودوتا ، أن : الشبكات الاجتماعية على الإنترنت أصبحت ظاهرة عالمية واسعة الانتشار بصورة لا تصدق ، فالمواقع التي من قبيل ماي سبيس ، وفيس بوك ، وتيو توب ، وتويتر ، وهاي فايف ، وأور كوت ، وفرند ستر ، ... يعد أعضاؤها الآن بمئات الملايين في جميع أنحاء العالم ، كما أن ثورة الجيل الثاني والثالث من الإنترنت وصلت الآن إلى مرحلة الانقلاب الاجتماعي ، ويتم اعتناقها بحماسة منقطعة النظير من قبل الشباب في الشرق الأوسط ، ولعل ما حدث خلال عام 2011 من احتجاجات وانتفاضات واضطرابات في بعض بلادنا العربية من جانب الشباب أكبر مردود لما نتحدث عنه .
وغني عن البيان أن هناك مجموعة من الحوافز تدفع الناس دفعًا للاشتراك في مواقع الشبكات الاجتماعية ، فهي أسباب متعددة ومعقدة ، يمكن تقسيمها على نحو مبسط ، إلى فئتين واسعتين : الحوافز المهنية و الحوافز الاجتماعية ، فالمهنيون الذين يشتركون في مواقع التواصل يفعلون ذلك بالدرجة الأولى بناءًا على حسابات عقلية مرتبطة باهتماماتهم الخاصة بحياتهم المهنية ، في حين أن معظم الشباب الذين يجمعون الأصدقاء على هذه المواقع لا يسعون لتحسين آفاق حياتهم المهنية بشكل إيجابي ، حيث يكمن الحافز الرئيسي وراء تفاعلهم الاجتماعي في حاجاتهم الغريزية العقلانية لعقد روابط اجتماعية تقوم على القيم والمعتقدات والأحاسيس المشتركة ، أو رغبتهم في أن يعبروا عن أنفسهم بأي أسلوب دون قيود أو حدود أو شروط مسبقة .