رأي : الديمقراطية عند العرب بقلم:عبد العزيز شبراط
تاريخ النشر : 2020-06-30
هل الديمقراطية عند العرب؛ مفهوم أم مفاهيم ؟!

لا يمكن للديمقراطية أن تستقيم؛ إن لم تتأسس على قواعد ثابتة يحترمها الجميع؛ وعلى اخرى متحركة؛تتحرك وتتغير بتغير المجتمعات وتطورها؛ الديمقراطية هي في الاساس لخدمة الاغلبية ولصالحها وليس العكس؛ وبشكل مركز هي:(حكم الشعب للشعب)؛ لكن ماذا يحدث بالبلدان العربية؟ الديمقراطية بالبلدان العربية هي مجرد شعارات؛ أو بالأحرى بهارات نحضر بها الانتخابات؛وبعدها عوض ممارسة قواعد الديمقراطية والاحتكام اليها؛ نلجأ لقواعد المصلحة الذاتية؛ وقواعد "انا وبعدي الطوفان" ففي المغرب مثلا خاض الحزب الذي يترأس اليوم الحكومة؛ الانتخابات التشريعية على أساس الديمقراطية؛ وهي التي مكنته عبر صناديق الاقتراع من احتلال الصف الاول؛ وهذه قاعدة ثابتة من قواعد الديمقراطية؛لكن هذا الحزب في الاصل لا يؤمن بالديمقراطية؛ انطلاقا من مرجعيته؛ ومن ممارسات قيادييه؛ وقد ابان عن ذلك مرارا من خلال ممارسة وزرائه في الحكومة كما قياديه ومسؤوليه؛ أو عبر الفضائح التي ارتكبها بعض رؤساء الجماعات المحلية المنتمون الى هذا الحزب والذي يعلن في كل المناسبات ان مرجعيته دينية.
فتجاوزاته لقواعد الديمقراطية لا تحصى ولا تعد؛كما فضائح وزرائه التي لا حد لها؛ وأخرها ما سمي بفضيحة وزير لحقوق الانسان وهو عضو قيادي بهذا الحزب؛ لم يحترم حقوق الانسان ولم يحترم قواعد الديمقراطية؛ حيث تبين أنه لم يطبق احدى قوانين الشغل في حق احدى مشغلاته؛وذلك بعدم تسجيلها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ ولما تعرى أمره؛ عوض تطبيق قواعد الديمقراطية والاعلان عن استقالته والاعتذار للذين صوتوا عليه و مكنوه من التموقع في مركز القرار؛لجأ الى ممارسة قانون الغاب؛ وصرح أمام الملأ "لا استقيل ولا أعتذر لأننا لسنا في السويد أو اليابان" وهكذا يكون اهان الشعب واحتقره؛ كما يكون قد أخل بإحدى قواعد الديمقراطية التي من المفترض أن يكون هو حاميها؛ كما أنه جعل من نفسه شخصا فوق القانون بتصريحه الارعن ذلك؛ويمكننا أن نسوق الكثير من الامثلة للتجاوزات الديمقراطية لوزراء هذا الحزب وقيادييه؛ لكن بالمقابل في البلدان التي تحترم قواعد الديمقراطية؛نلاحظ عند المسؤولين وجها أخر للتطبيق وممارسة الديمقراطية وقوانينها وقواعدها؛
لاحظوا معي تصريح وزير حقوق الانسان المغربي اعلاه وقارنوه بالتصريح التالي لوزيرة التعليم السويدية ( هاجدياليك): "كان أكبر خطأ في حياتي (...) سأتحمل مسؤولياتي. لقد أعلنت الاستقالة من منصبي الوزاري ، . "أفهم أن الكثير من الناس يشعرون بخيبة أمل معي. والغضب يعتصر قلبي وأخجل من نفسي ، والأهم من ذلك كله أندم بشدة ".
هل يستطيع وزير عربي ان ينطق مثل هذا الكلام ويتخلى عن الكرسي الذي منحته له القاعدة الانتخابية؛ ويعلن ندمه عن فعلته؟! هل بمقدور أي مسؤول عربي الاعتراف بالندم والخطأ ويعلن انسحابه من الساحة؟!
أم أن الانسان السويدي أكثر صدقا من القياديين الاسلاميين الذين ينشرون الدعوة ويعلنون أمام الجميع عبر العالم أنهم رجال الصدق و ملتزمون بالسير في الطريق المستقيم؛أم أن الطريق المستقيم الذي يسلكه الانسان السويدي اكثر استقامة من الطريق المستقيم الذي يسلكه الاسلاميون؟
لاحظوا معي أيضا أن هذه الوزيرة مولودة في البوسنة؛ وهاجرت الى السويد وهي في الخامسة من عمرها سنة 1992؛ حيث فر والدها من الحرب في يوغسلافيا حينها؛نمت في بلاد السويد وأصبحت وزيرة للتعليم؛ لماذا إذن قواعد الديمقراطية لا تطبق كما يفترض بالدول العربية؟! هل الانسان العربي له موروث جيني يرفض الاعتراف بالخطأ؛هل الانسان العربي تحجر عقله منذ العهد الجاهلي ولم يقوى على التطور وتجاوز ذاك العهد الماضي؟! هل العقل العربي لا زال متشبثا بماضيه ويحن الى وأد البنات واستعباد الاخر؟!
وها هي الجارة الشرقية للمغرب تطبق قواعدها الخاصة للديمقراطية؛حيث ضربت عرض الحائط كل الاحتجاجات الشعبية المعارضة للانتخابات الرئاسية لرموز النظام العسكري؛وفضلت اعلان فوز احد تلك الرموز باسم الديمقراطية! يمكننا أن نعدد الكثير من الامثلة التي تقع في البلدان العربية بشأن التجاوزات والاختلالات حول الديمقراطية.
إن ما يقع في البلدان العربية بخصوص الديمقراطية يطرح على المفكرين العرب والمثقفين البحث في هذا الامر بجدية؛ وايجاد الاسباب التي تجعل المسؤولين في هذه البلدان يسيرون عكس مصالح شعوبهم؛ ويفضلون خدمة مصالحهم الضيقة جدا؛ على حساب المصالح العامة للبلاد والشعب؛ لماذا العرب يتميزون بالازدواجية في خطابهم اثناء الحملات الانتخابية؛ إن خطاباتهم خارج مراكز القرار تناقض تماما خطاباتهم حينما يتخذون لهم امكنة مريحة في مراكز القرار؟ وينقلبون عن كل وعودهم للناخبين؛ وهكذا فهم يمارسون النصب والاحتيال بصيغة جديدة.
ومن جانب أخر نلاحظ كثرة الاصوات التي تنتقد المسؤولين وتجاوزاتهم؛بل منهم من يطالب حتى برحيلهم؛لكن لما تأتي الانتخابات في دورة جديدة؛ وبعد انتهائها؛يعلن الجميع على نزاهتها وخلوها من الشوائب أو التزوير؛ ثم نلاحظ بعدها عودة نفس الوجوه السابقة مرة اخرى الى احتلال مراكز القرار؛ و تصيبنا خيبات ألأمل؛ ونعجز عن ايجاد تفسير لما يحصل؛كيف استطاع الفاسدون ان يعودوا لمواقعهم؛ والجميع يعلن عن نزاهة الانتخابات؟! فأين يقع الخلل اذن؟ هل القاعدة الانتخابية تصوت بشكل روتيني وتعيد التصويت السابق؟ أم أن الذين يحتجون ويدعون لرحيل الفاسدين لا يصوتون أصلا! وإذا كان الامر على هذا الحال؛فعلى هؤلاء الذين يلغطون خارج قواعد الديمقراطية أن يصمتوا ويغادروا الساحة بهدوء؛ أم أن العقل العربي هو ذاته سواء كان يحمله مسؤولا؛أو يحمله فقط انسانا عربيا عاديا! لا يستطيع التمييز بين الفاسد والصالح؟!
هل سنرى يوما في الدول العربية؛ما يحدث في الدول الديمقراطية؛حيث الهيئة الناخبة تعاقب من لم يوفوا بالتزاماتهم نحوها؛ها نحن نلاحظ اليوم ما يقع في الانتخابات البلدية بفرنسا؛حيث مني الحزب الحاكم بهزيمة مدوية؛وفضلت الهيئة الناخبة التصويت لصالح أحزاب يقال أنها ضعيفة؛ولم تصوت للحزب الحاكم!؟
عبد العزيز شبراط كاتب من المغرب.