أينَ المهرب؟ بقلم: أيمن عبد الحميد الوريدات
تاريخ النشر : 2020-06-22
أينَ المهرب؟  بقلم: أيمن عبد الحميد الوريدات


أينَ المهربُ؟
بقلم: أيمن عبد الحميد الوريدات
كالعادة وقفتُ أمام المرآة قبل أن أهمّ بمغادرة البيت إلى العمل، وقفت للتشييك على أناقتي فالأعزب في بلاد الغربة عليه القيام بكلّ شيء؛ الفطور ، القهوة، تجهيز الأدوات ...، وقفت عدّلت ربطة العنق إلى اليمين قليلا قليلا اعتدلتْ وأصبح كلّ شيء على ( سنجة عشرة )، استوقفتني خطوط تحت عيني، خطوط مُتعرّجة ظننتها للوهلة الأولى من آثار النوم، فقد نمتُ كثيرا في هذه الليلة وتقلبتُ وقلّبتني الأشواق والأفكار كثيرا كثيرا، فظننتُ أنّ هذه آثار الوسادة تحت عيني، فركتها بظاهر إصبعي لكنّها رفضت المغادرة، وأصرّت على البقاء، اقتربت من المرآة أكثر فإذا بنفس الخطوط تُقيم تحت عيني الأخرى أيضا، فركت ما تحت العينين فلم يتغيّر شيء، فهاتفني هاتف: ماذا تفعل أتريدُ محوَ آثار السّنين، آثار الزمان؟ أما زلتَ تظنّ نفسكَ شابًا يا هذا؟ انتبه أنتَ جاوزت الخمسين، لقد جئتَ إلى هنا وأنت في الثلاثين، أتظن أنّ الزمن توقف لأجل عينيك، وبأنّك ستعود إلى بلادك كما غادرتها؟ لا يا صديقي فالزمن لا يتوقّف عند أحد ولا يلوي على أحد، هو الزمان، ذو عجلات طاحنة جبّارة لا تتوقّف ولا ترحم، وقال ألم تسمع:
ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب؟
قلتُ: لكنّ هذا ليس بالشّيب، ضحك وقال: أولا يكون الكبر إلا شيبًا؟! ومضى.
مساءً وقفتُ أمامَ المرآة مرّة أخرى أحاول تكذيب الخبر، فتحتُ هاتفي على ألبوم الصور أراجع صوري في عشر سنوات مضت، أحاول ان أرى إن كانت لهذه التغيّرات والتجاعيد مقّدمات أم أنّها غزتني دون سابق إنذار، هذه صورة لا شيء فيها تحت عينيّ، وهذه كذلك، وأخرى وأخرى... آه لكنّ الصور في آخر خمس سنوات تُظهر شيئًا من تقلّبات الزمان وآثاره فهذه التجاعيد نفسها لكنّها الآن واضحة أكثر، وتظهر بشكل أعنف فهي كالأخاديد، ما الّذي جعلني لا ألاحظ هذا في السنوات الأخيرة؟ أهو الاعتداد بالنفس؟ لا، حتمًا لا، هي عجلات الحياة الّتي لا ترحم، هو الانخراط في العمل دون أن تشعر بأنّ عمرك يُسرق منك، هو عسل الغربة الحلوّ المؤقّت، كلّ هذا دون أنْ تدرك بأنّ الغربة أكبر سارق، يُعطيكَ ليأخذ منك، يجعلك تشعر بالطمأنينة له ثم يوقظك وقد سلبك كلّ شيء، سلبك عواطفك ومشاعرك ماضيك الجميل وحاضرك، وربّما مستقبلك، سارقٌ لا تستطيع أن تشكوه في أيّ محكمة، ولأيّ شخص؛ فأنت الّذي مكّنته من نفسك، سارق لم تحترزمنه، أعطاك وأرخى لك وها هو يسلبك.
اعترفت،نعم إذن هي تجاعيد الزّمان وتقلباته فأين منها المهرب؟
لكنّني لم أستسلم، فتراني دائمًا أردّد محاولا الانتصار : الشّبابُ شبابُ القلب والروح، فهل هو كذلك؟ لعلّ لعلّ.