إيقاع الكون الجديد.. في بيت سلحفاة بقلم:د. آلاء كامل أبو تيلخ
تاريخ النشر : 2020-06-18
من نحن؟! .. ماذا نريد؟!.. إلى أين نمضي؟!
اعتقدنا أننا نحمل بيوتنا طوال الوقت كسلحفاة تقاتل الأرض كي تصل إلى وجهتها، ونكتشف بعد عراكٍ وجهد أننا لم نمضِ إلا قليلاً من الخطوات قطعناها بشق الأنفس وركض الوحوش..
غزانا ذلك الفايروس الذي لا يُرى بالعين المجردة إلا أنه هدم القلاع المثالية.. وأسقط الملوك الورقية.. ومزق قداسة العظماء الذين ارتجفت خطواتهم وهم مهرولين إلى لبس الأقنعة الواقية والكمامات وامتنعوا عن المصافحة والتقبيل..
تلاشى بريق المشاهير فجأة كفقاعات صابونٍ على أيدي الجميلات الملازمات للبيوت قهراً والناظرات إلى المرآة خجلاً لأول مرة ليروا حقيقة ملامحهم وهي خالية من بهارج الزينة، وكم يحملنّ بين ثنايا ثغورهن من حب ونضارة..
سقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورات أحزاننا المخفية.. فاضطررنا إلى مواجهتها.. وحل مشكلاتنا العالقة.. والتعرف على ما نريد وإلى أين نمضي.. وأين ستحط قلاعنا الجديدة..
رغم قسوة كورونا إلا أنه كان لطيفاً بقلوبنا؛ فأدركنا أن بعدنا عن الحبيب اختيار.. وأن العائلة استنزاف.. وأن روابط زواجنا قد ضعفت منذ زمن.. وأن الشمس كالماء.. وأن عاداتنا تحتاج إلى أن يتسلل ضيف المنطق إلى عقولنا ليلتهم كل الهلاميات التي ابتدعناها..
بإيقاع مختلف تستمر الحياة.. حظينا بفرصة لترتيب خزانات أرواحنا؛ كترتيب ملابسنا.. ورأينا كم نحن مُحاطون بأشخاص أشد ضعفاً منا ومساعدتنا لهم ضرورة.. فآبائنا وكبارنا أشد حاجة لنا ولرعايتنا الآن ككل وقت وإن لم ننتبه.. وجيراننا وأصدقائنا من أين يحصلون على قوت يومهم؟ هل هم يعملون أم بدون عمل وضاقت عليهم أرض الله بما رحبت؟!..
تعلمنا وصفات جديدة لطهي الطعام.. عدنا بذاكرتنا إلى أوقاتنا الجميلة.. وتصفحنا صورنا القديمة.. هنا كنا في المصيف وهناك كنا نشوي الكستناء وتملأ رائحتها الأرجاء..
ثمة الكثير من الوقت لنحدق في نافذة أرواحنا.. ونراقب طيور الأمل ترفرف حول بيوتنا.. تماماً كما رأينا طيوراً ظنناها انقرضت تعود إلى أحراش بلادنا..
وقتنا فيما قبل هذا الايقاع كنا نهدره بمراقبة الناس.. من يدري قد يكون هذا هو إيقاع الكون الطبيعي الذي جاء الفايروس بقسوة ليصلح ما كان من اختلال في الحياة.. ويصحح أخطائنا التي تمادينا فيها..
وهل نخاف الموت ونحن نعلم أننا سنموت بأي شكل وفي أي وقت ولا سلطة لنا على ذلك؟! أم قد يكون انفصالنا عن العالم هو ما نخشاه؛ مع اختلافاتنا العديدة وتفاصيلنا غير المتشابهة إلا إننا بإنسانيتنا نسيج كبير نحن محبوكين به مع الآخرين مؤثرين ومتأثرين.. نسير سوياً حاملين بيوتنا فوق ظهورنا وأعدل ما نوصف به بأننا قطيع في هذا النسيج.. وقد حان الآوان لنخطوا بإيقاعٍ جديد أكثر حرصاً وأقل تسارعاً وأشد هدوءاً.. إيقاع نتخلص فيه من أشياءنا القديمة التي أثقلت ظهر السلحفاة..
مؤمنين فيه بأن حركتنا المسعورة أو ما نسميه تقدم كم عرّض العالم للخطر.. وعلى يقين بأنه قد لا يتمكن الجميع من مواجهة الأزمة وركوب سفينة الإنقاذ، إلا أنه في المقابل سوف تنهض أنظمة جديدة ستشكل وجه الكون الجديد الذي تتلاشى فيه فكرة أننا أسياد الخليقة..