وجيه مسعود الصعود والهبوط في "كم وددت" بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2020-06-14
وجيه مسعود  الصعود والهبوط في "كم وددت" بقلم:رائد الحواري


وجيه مسعود
الصعود والهبوط في
"كم وددت"
الألفاظ المستخدمة لها دلالة، وقد تكون أكثر عمقا من الفكرة نفسها، لأنها تعكس ما يحمله العقل الباطن للكاتب/للشاعر، يستمر الشاعر "وجيه مسعود" في استعادة نهضته الأدبية ويقدم نصا جاء فيه:
"كم وددت أن يأتي الحصاد
كم وددت أن يأتينا الموسم بحليب عشتار
بأمن تموز، بنهدي أنانا"

الثقافة التاريخية والتراثية جعلت الشاعر يستخدم ألفاظ بيضاء متصاعدة فبدأ بالحصاد الذي يحتاج إلى شيء من المجهود العضلي/التعب، وانتقل إلى "الحليب" وهو شراب مفيد ولذيذ، لكنه أيضا يحاج تناوله إلى استخدام قوة عضلية، وهنا يكون الشاعر قد تناول أفعال (تغذي الجسد) تحتاج إلى بذل جهد عضلي/جسدي "الحصاد (وشرب) الحليب"، بعدها ينقلنا إلى حاجة نفسية "أمن"، وجمالية "نهدي" وهذا الانتقال منطقي وطبيعي، فعندما يكون الجسد مرتاح، وحصل على حاجته من الغذاء/الطاقة، سيتجه الإنسان إلى اشباع حاجته الروحية "النفسية والجمالية"، وتأكيدا على حالة (التصاعدية) التي يستخدمها الشاعر، بدأ المقطع "أن يأتي" ثم انتقلا إلى "أن يأتينا" فتحول من الشخصي/الأنا غير المهتم، إلى العام/الجمعي المهتم والمعني "بالحليب"، وهذا يخدم فكرة تتابع وتكامل المراحل وتسلسلها.
بعد الفاتحة البيضاء والجميلة يمسك الواقع الشاعر، ويسقط فيه متعبا:
"فكم، أتعبني هجير صحراء النفوذ
كم هدني سرابها
وكم أماتني نسيسها والعواء" أيضا نجد الهبوط المضطرد، فبدأ ب"أتعبني" ثم "هدني" وختمها ب"أماتني" وهذا التسارع في السقوط يحمل بين ثناياه رؤية الشاعر للواقع، فهو لم يبدأ بحالة قاع/الحضيض "الموت"، بل بدأ السقوط "أتعبني"، وللافت ان الشاعر لا يخرج من المكان، الصحراء، التي نجد "سرابها والعواء" فيها، ونجد أفعال مجهدة عضليا "نسيسها" وهي جاءت في مكانها، والتي تعني قُبيل الموت/كاد يموت. والترتيب الألفاظ في هذا المقطع جاءت ماديا/ الصحراء، وأثرها السلبي على الجسد، ثم انتقل إلى النفسي والجمالي، السراب والعواء، فالواقع سلب قوة الماضي الجسدية "الحصاد والحليب"، والنفسية والجمالية الأمن ونهدي.
ويختم الشاعر بقوله:
"لا اسم، اللون بالجهة
ولا أرسى الخراب في، أو لضفة.. ميناء أو عسكر
لكنه: الجوع. العوج. الوجع"
أيضا يعود الشاعر إلى ترتيب الأشياء منطقيا، فيبدأ بالمادي الجسدي "الجوع"، وثم المشاهدة "العوج" وينهي بالنفسي "الوجع"
هذا على صعيد الفكرة، أما على صعيد الألفاظ فالشاعر يستخدم (القليل) من الكلمات (ويكثر) من الحروف: "كم (مكررة خمس مرات)، أو (مكررة)، لا (مكررة)، في" وهذا يعكس امتعاضه وسخطه من الواقع، وكأنه لا يريد الكلام واكتفي بالقليل منه، وبما أنها جعل الكلمات الأخيرة متقطع، وبدت غير مترابطة، فإن هذا يخدم فكرة (تسارع) انهيار الواقع وأثره السلبي على الشاعر.
النص موجود على صفحة الشاعر على الفيس