الضحيّة واحدة والقاتل واحد بقلم: منجد صالح
تاريخ النشر : 2020-06-06
الضحيّة واحدة والقاتل واحد بقلم: منجد صالح


الضحيّة واحدة والقاتل واحد

قبل عدّة ايّام، قامت قوّات الاحتلال الغادرة المُتمترسة في مسامات مدينة القدس الجريحة المحتلّة بإعدام شاب فلسطيني مقدسي يُعاني من مرض التوحّد.

كان اياد الحلّاق، الطالب الشاب الفتى الطفل، يقفز كالفراشة في أزقة وحواري مدينة القدس العتيقة، في باب الأسباط ، ذاهبا صباحا كعادته الى مدرسته الخاصة بذوي الإحتياجات الخاصة.

صرخ عليه الجنود المدجّجون بالحقد والنزق والساديّة أن يتوقّف. يتوقّف لماذا؟! هل تتوقّف الفراشة عن طيرانها من زهرة لزهرة نتيجة نعيق الغربان السود. الفراشة لا تمتثل ولا تؤمن بوجود الغربان السود، لأنّ الغربان غريبة عن تضاريس المكان، دخيلة على طبيعته، شجرة عوسج بين أقحوانه وزنابقه.

إستمر "الطفل" اياد في سيره نحو هدفه ومقصده، مدرسته، عالمه. هذا كل ما يعرفه، بيته وأزقة حارات القدس ومدرسته. ليس له "دخل" لا في السياسة ولا في الإقتصاد ولا في الإحتلال وغربانه السود حتى. يتنقّل من حضن أمّه الى حضن المدرسة.

لم يدر بخلده، ولا بخلد أمه وأبيه ولا بخلد العالم أجمع، أن الفراشة يمكن أن تحمل بين جناحيها مسدّس، ليتحوّل إياد في عيون الجنود "الحولة" الوقحة، من فراشة الى "مشروع إرهابي خطير". هل تحمل الفراشة مسدّسا؟؟!!

أمطروه فجأة "بزخّ" من الرصاص الغادر الحاقد، إخترق جناحي الفراشة وجسدها، وأرسلوه الى حضن الموت بدل أن يصل الى حضن المدرسة.

بعد إنقشاع غبار الجريمة، المُدويّة، وتنابز الضابط والجندي القاتلين من منهما أمطره "بمزراب" أغزر من الرصاص، تأكّد الجنود القتلة ومرسليهم بأن الفراشة لم تكن تحمل مسدّسا، وأنّهم يعرفونها جيدا فهي مستمرّة في طيرانها منذ 32 عاما في أزقّة حارت القدس المفعمة بالتوابل الشرقية والكعك بالسمسم.

الإحتلال يُصّر على سرقة الفرح من صدر أم وأبي الفتى إياد ورضائهما بقدر الله وكرمه بأن أعطاهما صبيّا مصابا بمرض التوحّد، لا إعتراض على عطاء الله وقدره. لكن جنود الإحتلال القتلة "يُعاندون" إرادة الله ويقصفون عمر زهرة الفراشة ويحرمون صدر وذراعي أمّه من إحتضانه بعد عودته من المدرسة وسماع قصصه وأحاديثه وذكرياته البسيطة التي تتواءم مع قدراته المتواضعة.

نفتالي بينت، اليميني المتطرّف النازي القاتل، "يأسف" لأنّ جنوده "الرجال الأشاوس" قد قتلوا إياد الحلّاق "المُعاق". جيش "مسخرة" مرتجف "تُخيفه" قفزات إياد ودبيب قدميه على بلاط شوارع أزقّة القدس. الإحتلال يقتل ثمّ يتحقق و"يُحقق". يُعدم ثمّ يأسف.

ذكّرني إعدام الشاب إياد على أيدي جنود حرس الحدود الإسرائيليين بحادثة مشابهة لإعدام فتى فيتنامي معاق في أدغال غابات فيتنام على أيدي الجنود الأمريكيين. الجنود الإسرائيليين والجنود الأمريكيين وجهان لعملة واحدة في القتل والبطش والقمع والإرهاب ضد المدنيين والمستضعفين والعُزّل.

جريمة مقتل الفتى الفيتنامي عكسها، بكل "شفافيّة ووضوح"، المخرج الأمريكي أوليفر ستون في فيلمه عن حرب فيتنام "بيلوتون" لعام 1986، بطولة توم بيرنغر وتشارلي شين ووليام دافو. وهو أوّل أفلام أوليفر ستون من ثلاثيّة أفلام حرب فيتنام. الفيلم الثاني كان "وُلد في الرابع من يوليو" لعام 1989. أما الثالث فكان "الجنّة والأرض" لعام 1993.

في لقطات من الفيلم إقتحم الجنود الأمريكيين "المرتجفين الخائفين" قرية فيتنامية متواضعة في الأدغال، بعد أن كانوا قد تكبّدوا عددا من جنودهم القتلى في معركة شرسة وصعبة مع ثوّار الفيتكونغ المتخفّين وراء الأكمّة في الغابات.

إقتحموا القرية وأرادوا أن ينتقموا من المدنيين و"يُفرغوا شحنات رجولتهم" في العُزّل، فأحرقوا بيوت الطين والقش وجمّعوا القرويين "المساكين" في ساحة صغيرة "لمعاقبتهم"، العقاب الجماعي على هزيمتهم وخسارتهم أمام الثوّار.

كان من بين القرويين القلّة فتى معاقا، إعاقة مركّبة، حركيّا وذهنيّا. فراشة ساهمة في ملكوت الله لا تعي ولا تدري ما يُريده ويقصده الجنود المتغطرسين "المتحنجلين" من حوله وحول عائلته وجيرانه. إستمر في الحركة والتمايل يمينا ويسارا تمشّيا مع حالته "لا يمتثل" لصرخات وتعليمات الجنود بضرورة الوقوف والثبات. الفراشة لا تمتثل لصراخ ورثة النازيّة ولا لرشّاشاتهم الأتوماتيكيّة الطويلة.

أمطره الجنود الأمريكان بوابل من رصاص الحقد والنذالة فخرّ صريعا في أحضان أمّه وبين ذراعيها ووسط نحيبها وعويلها ومقتها وبؤسها وقلّة حيلتها.

هل تختلف هذه الأم الفيتنامية في شيئ عن أم إياد الحلّاق؟؟ الأم الفيتنامية الصابرة المكلومة هي نسخة عن الأم الفلسطينية الصابرة المكلومة، والقاتل واحد.

هو نفسه بذاته، بشحمه ولحمه، وعنصريّته الذي قتل المواطن المدني الأمريكي الزنجي الأعزل جورج فلويد، 46 عاما، خنقا تحت دوس ركبته وفخذه ورجله وثقل جسده المليء بالحقد و"السفالة" وخرق وإهانة القانون والإنسانية.

توسّل الزنجي المسكين المطروح أرضا من قبل أربعة "غربان سود"، وحوش ضارية، تنهش عمره وإنسانيّته ولونه الداكن. أصدر أنّات مكتومة وخدّه مُتّحد مع وسخ الإسفلت: "من فضلك من فضلك لا أستطيع التنفّس، بطني يؤلمني، رقبتي تؤلمني، كل شيء يؤلمني".

لكن الشرطي الحاقد البغيض الجاثم بركبته على رقبة جورج فلويد كان قد غطى أذناه "بالطين والعجين"، فلم تصله توسلات الزنجي الطريح ولا أنّاته ولا حشرجاته وتوالي أنفاسه المتقطّعة والأخيرة. فلم يرفع سطوته عنه إلا بعد أن أصبح جثّة هامدة.

إلتحق بالفتى الفيتنامي المعاق وبالشاب الفلسطيني المصاب بمرض التوحّد إياد الحلّاق.

الفيتنامي المعاق والفتى الفلسطيني المريض والزنجي الأمريكي المُتخم بداء العنصرية الأمريكية لقوا المصير ذاته، لقوا حتفهم، غيلة وظلما، على ايدي الجلّادين أنفسهم، النازيّون الجدد.

إنتصرت الثورة الفيتنامية، والفلسطينيّون مستمرّون في النضال والكفاح حتى دحر الإحتلال، وإشتعلت المُدن الأمريكية ثورة ونارا ومظاهرات على مقتل الزنجي جورج وما زالت مستمرّة، ضد سياسة الرئيس "المُتصابي الأرعن" الطاووس الأشقر ترامب وعنصريّته ضد أبناء شعبه وضد الإنسانيّة جمعاء.

فهل سنشهد قريبا، مع إنحسار فيروس الكورونا، وتداعياته وآثاره ونتائجه، "تفسّخ" الولايات المتحدة الى ولايات لا مُتّحدة "بفضل" ممارسات ترامب الداخلية والخارجية، وخاصة ضد التنّين الصيني؟؟!!