عن شبابنا نتحدث بقلم:د. مصطفى يسري عبد الغني
تاريخ النشر : 2020-06-06
عن شبابنا نتحدث......بقلم-د. مصطفى يسري عبد الغني 

في ظروفنا الراهنة يتركز الاهتمام حول التطلع إلى الدور الإيجابي الفاعل الذي يجب أن يقوم به الشباب ، وهذا لا يمكن أن ينم بدون تأصيل الرؤى المستقبلية لإسهام الشباب في وقائع الحياة المستحدثة ، أو فلنقل : مستجدات الحياة التي تأتي كل يوم بجديد ، وغني عن البيان أن الشباب هم لب الحياة وجوهرها ، أو هم وقود قاطرة المستقبل المنطلقة والتي ترفض دائمًا أن تعود إلى المربع الأول مهما كانت الظروف والملابسات ، ومن هنا فإن إقصاء الشباب عن المشاركة في صنع الحاضر والمستقبل كارثة على كل الأصعدة ، تجني المجتمعات حصادها المر .
إن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة في مواجهة التحديات ، أو مواجهة المشكلات الحياتية في تحولاتها ومساراتها ، سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو تاريخية ، وهذا لن يتأتى إلا بوعي مدرك لقيم الواقع ، وسلامة المقصد في التوجه إلى التنمية المستدامة التي هي حلمنا وطريقنا للرقي والتقدم .
إن التوجه المطلوب نحو استشراف المستقبل والذي يعتبر الشباب جزءًا أصيلاً منه ، يجب أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، بين الموروث والوافد ، يجب أن يحترم قيمنا وثوابتنا وفق الإمكانات التكوينية التي شكلت الرؤيا الشبابية الحية في منابع تراثنا ، وعليه يجب أن يكون منها منطلقات الحاضر وتصورات المستقبل .
نقول : تشكل دراسة الشباب أهمية متزايدة على الصعيدين المحلي والعالمي ، وذلك لما تحتل من أهمية تتعلق بالمرحلة العمرية التي تحتلها هذه الفئة ذات التأثير في بيئة المجتمع في الحاضر والمستقبل ، ذلك أن الشباب باعتباره مرحلة من مراحل النمو الجسماني والنفساني وقوة من قوى المجتمع تعد (ظاهرة) تتحتم دراستها دراسة موضوعية علمية من كل الجوانب ، على الرغم من الفروق التي تكون قائمة في الزمان والمكان ، إلا أنه من المؤكد أن هذه الفروق هي فروق عرضية في الأغلب والأعم باختلاف الظروف المحلية والمجتمعية والمقتضيات التاريخية للمجتمع وأحواله بوجه عام .
ومع التطورات العالمية التي شهدها النظام العالمي في الآونة الأخيرة ، وما صاحب ذلك من ثورة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، فمن المؤكد أن الشباب سيظل دائمًا وأبدًا الطاقة الدينامية التي بيدها التنمية والبناء ، وإذا كان عالمنا المعاصر أضحى محكومًا بمنطق العقل الأدائي والتكنولوجيا ذات الطبيعة القهرية ، فإن الشباب في كل مكان من المعمورة الأرضية سوف يبقى دائمًا روح هذا العالم ، ومصدر عواطفه القادرة على التأمل ، وعلى إشاعة روح التجديد والإبداع والابتكار فيها .
إن الشباب يتشكل كيانه وشخصيته في ضوء الآثار الاجتماعية التي تنعكس عليه ، وبمعنى آخر : أن للمجتمع والبيئة المحيطة بالشاب لها أثر مهم وخطير في تكوينه وسلوكه ، وبالتبعية يكون نفس الأثر في رعايته ، وهذا يتطلب جهودًا مباشرة للتداخل في ظروف هذه البيئات بما يسمح لها أن تؤثر على الشباب تأثيرًا طيبًا .
الشباب عندما يعرف حقوقه جيدًا وبوعي كامل ، يطالب الدولة بأداء واجبها ، شريطة أن يعرف واجباته أولاً أي المطلوب منه ، وهذا بدوره سوف يوفر الكثير من الجهد الذي يبذله لمطالبته بأداء هذه الواجبات ، فدور الشباب يبدأ بالإدراك ، ثم يبدأ بعد ذلك في الضغط غير المنظور لتحقيق آماله ، والأهم من كل ذلك تحقيق آمال أمته فيه .
إن الشباب بوصفهم نصف الحاضر وكل المستقبل ، يشكلون الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع العربي ، فهم الأساس الذي ينبني عليه التقدم في كافة مجالات الحياة ، إنهم أكثر فئات المجتمع حيوية وقدرة ونشاطًا وإصرارًا على العمل والعطاء ، كما أن لديهم الإحساس بالجدية والرغبة الأكيدة في التغيير إلى الأفضل ، مما يجعلهم أهم سبل علاج مشكلات المستقبل ، وهذا في حد ذاته مطلب أساسي للتطوير والتغيير .
نقول : إن عملية إعداد الشباب ورعايته كي يساهم في المشاركة الفاعلة في عمليات التخطيط والإعداد والتنفيذ المستقبلية التي تمثلها التنمية الشاملة أو المستدامة التي نسعى إليها ، ليست عملية بسيطة وسهلة ، ولا هي قصيرة المدى ، بل هي عملية شاقة ومرهقة تتطلب منا الكثير من الجهد والوقت والتخطيط السليم ، لأن الأهداف المراد تحقيقها أهدافًا كبيرة وشاملة ومتجددة بتجدد الجماعات ، وحتى يستمر المجتمع بطاقات بشرية صالحه ينبغي الاهتمام بالعنصر البشري منذ مرحلة الطفولة ، ويكون ذلك بتوفير العناية والرعاية اللازمة لتحقيق عملية التنشئة الاجتماعية .
لقد أصبح الاهتمام بدراسة أوضاع الشباب وحاجاتهم ومشكلاتهم على كل الأصعدة موضوع تهتم به مختلف المهن وفروع الدراسات الاجتماعية والنفسية ، بل أصبح من الاهتمامات المعاصرة التي لها مجالها الخاص ، وغني عن التوضيح أن الاهتمام العالمي بالشباب يرجع إلى ما يمثله الشباب من قوة للمجتمع ككل ، ومرحلة الشباب أكثر مراحل حياة الإنسان قوة وقدرة على العمل والإنتاج .
ورعاية الشباب عريقة في القدم ، عرفتها الجماعات البشرية منذ نشأتها ، وقامت فيها على دعائم وأسس من التآزر والتعاون بين أفرادها ، فهي قديمًا وحديثًا خضعت لعوامل التطور حتى صقلتها خبرات السنين وتقدم العلوم والمعارف ، وأبعاد رعاية الشباب تنطلق من محاور مهمة أبرزها مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع شباب المجتمع ، واحترام الإنسان كفرد له كرامته وله حق في الحياة الكريمة ، وكذلك أن يشعر الشباب بقيمته حيث أن القيمة الإنسانية هي أغلى ما في الوجود ، ورعاية الشباب لا تعمل بمعزل عن المجتمع فهي ترتبط بالاتجاهات السائدة فيه ، وكل ما تقدمه للشباب من أوجه الرعاية المختلفة إنما يكون لمساعدتهم على تحقيق أهداف المجتمع وتدعيم اتجاهاته .
إن الدور الذي يجب أن يلعبه الكبار مع الشباب هو أن يفهموا جيدًا كيفية توظيف طاقة الشباب وحماسته لصالح وطنه ، و لصالح التنمية والتعمير والرخاء والخيرية ، إن لم يفعلوا ذلك بجدية وصدق وشفافية ، فإن شبابنا سيتحول إلى طاقة مدمرة ، تحرق كل شيء ، وتدمر كل شيء ، وتطيح بكل شيء ، وساعتها سيكون الجميع في خسران مبين