القيادة الاستثنائية في الظروف الاستثنائية بقلم محمد عبد الكريم يوسف
تاريخ النشر : 2020-06-03
القيادة الاستثنائية في الظروف الاستثنائية
بقلم محمد عبد الكريم يوسف

كيف يمكن أن يكون القائد خادما لشعبه ويقدم له أقصى ما يمكنه من خدمات؟

سؤال يطرحه كل مواطن متابع للشأن السياسي في أي بلد من البلدان ، ويحار في إيجاد الأجوبة الشافية ، ويتوه معظم الناس بين البيان الانتخابي وتطبيقه .

ما نوع القادة الذي نحتاجه في الأوقات الحرجة والاستثنائية ؟ وكيف يمكن للقائد قيادة وإرشاد الناس في ظل انتشار الفوضى العارمة وعدم اليقين ؟  وكيف يمكن للأهل مساعدة أطفالهم على التكيف مع البيئات المضطربة وحمايتهم من الانجراف في تيارات مشبوهة تقود إلى الهاوية ؟

الحقيقة المؤكدة هي أن الظروف الاستثنائية تحتاج قادة استثنائيين .

أجرى الباحث الأكاديمي روبرت غرينليف دراسة مستفيضة في عام 1970 من القرن الماضي حول القيادة الاستثنائية عبر التاريخ وصولا إلى القائد الخادم لشعبه . لقد اعتبر النبي موسى والنبي عيسى نفسيهما خادمين لشعبيهما لا رسولين من الله عز وجل ، وبعد عدة آلاف من السنين جاء غاندي ونيلسون مانديلا الذين سارا على خطى النبيين موسى وعيسى . وقف نيلسون مانديلا في الحادي عشر من شباط عام 1990 ووجه خطابا لمواطنيه في جنوب أفريقيا بعد أن قضى 27 عاما في السجن  قال فيه: " أنا أقف أمامكم هنا خادما لكم لا نبيا لكم ."  الطريف في الأمر أن الكثير من القادة يتحولون من خادمين لشعوبهم إلى أنبياء في شعوبهم مع مرور الوقت .

والقادة في المؤسسات والمنظمات ليسوا أفضل حالا من القادة السياسيين ، فالقائد الحقيقي في المؤسسات ينهي العمل بالخارطة التقليدية للتسلسل الوظيفي التي تمر بالهرمية المؤسساتية وتحجب القائد عن معرفة ما يجري في المؤسسة إلا من خلال الفيلة المنتشرين هنا وهناك . تقول الحكايات القديمة : الفيل يا ملك الزمان ...احذر الفيلة لأنها ترى الأشياء بعين واحدة .

التسلسل الوظيفي يُجلس القائد في برج عاجي يقرأ التقارير المدققة بعناية من قبل الفيلة وتغيب عنه الحقائق . بينما القائد الخادم لشعبه تراه يقلب خارطة التسلسل الوظيفي رأسا على عقب  ويتجه نحو القاعدة التي تئن في أداء الأعمال والتي لولاها لما نهض الاقتصاد الوطني . القائد يختلف عن المدير كثيرا لأن القائد يتجه أولا نحو اليد المنتجة التي تقوم بالعمل كاملا ليستكشف همومها عن كثب ويعرف حقيقة الأمور ويطابق رؤيته الخاصة مع تقارير الفيلة الذين يحيطون به.

تحقق القيادة الخادمة للشعب نتائج عالية في الأداء والإنتاجية على المستوى الفردي والجماعي وعلى مستوى المؤسسة والعائلة . القيادة الخادمة للشعب هي ما تحتاجه البلدان  وسط عصر يعج بعدم اليقين وضبابية الرؤية والتشويش في المعتقد .

كيف يمكن للمرء أن يكون قائدا خادما ويظهر أفضل ما عنده ويحفز ظهور أفضل ما عند الأخرين ؟

يمكن البدء بالقيادة الخادمة للشعب عبر تطبيق الخطوات التالية :

الإصغاء أولا :

لقد أظهرت الأبحاث العديدة أن القادة الذين يكرسون أنفسهم لخدمة الشعب يمتازون بالخصال التالية : الادراك والالتزام بالتطوير وبعد النظر والرؤية والطموح والرسالة و كان على رأس هذه القائمة الاصغاء الجيد . يقول روبرت غرينليف في بحثه : " يستجيب القائد الخادم للمشكلات أولا بالإصغاء لأن الإصغاء يبني القوة والثقة بين الناس . "

تؤكد الأبحاث هذه الاكتشافات وتظهر أن الشخصيات الأكثر فعالية  هي تلك التي تتمتع بخصال الإصغاء الجيد للزبائن والعملاء والطلاب والشعوب . وينطبق نفس الشيء على المستوى العائلي  ومستوى الشراكات والأطفال . يتمتع القادة الذين يحسنون الإصغاء بمستويات عالية من الثقة بالنفس .

خلال الأزمات والنزاعات ، يحتاج القائد للموظفين الأقوياء عضليا وفكريا كما يحتاج إلى الأفراد المتمكنين في مختلف الاتجاهات والأبناء الواثقين بأنفسهم . هذه هي بدقة الخصال التي ينميها القائد الخادم لشعبه بين الناس وموظفيه والموالين له ويتولد كل ذلك بالإصغاء.

التعبير نطقا وسلوكا عن الاهتمام بالآخر:

إن الإصغاء الذي يقوم به المعلم والمدير والوالد هو نوع من التعبير عن الاهتمام الأصيل بما يفكر به الآخر وجرعة تفاؤل تجعله يشعر بالتحسن نحو الأفضل . يشجع الإصغاء على تهذيب الثقة والانفتاح ويخلق بيئة "آمنة" كما يسميها البروفيسور أمي أدمندسون  .

عندما يستطيع المعلم أن يمارس الإصغاء الجيد والاستجابة الجيدة لدى الطلاب أو المتدربين ، يستطيع أن يخلق لديهم جوا ايجابيا من التعاون والشعور بالتحسن والتفاؤل.

الإصغاء للذات :

لا يقل الإصغاء للذات أهمية عن الإصغاء للآخرين . فعندما نستمع لأنفسنا وننتبه لحاجاتنا الداخلية  ، نصبح قادرين على التحليق عاليا في سماء القيادة الفعالة وسوف نتذكر التعليمات التي نتلقاها ونحن في العلالي بوجوب أن يضع كل مسافر كمامة الأكسجين الخاصة به على أنفه . لا يمكننا أن نقدم العون للآخرين أثناء الأزمات إلا إذا قدمنا العون لأنفسنا أولا قبل كل شيء.

فإذا كان الإنسان يقود عائلة  أو فريق عمل في مؤسسة كبيرة أو مجموعة كوماندوس في المعارك عليه أن يتقن ممارسة فنون الإصغاء أولا وقبل أي مهارة أخرى . يساعدنا الإصغاء في معارك الحياة ويدعمنا لمواجهة التحديات المختلفة والتعب والخيانة . الالتزام بالإصغاء ضروري وحيوي ويضمن التفوق والنجاح ويزيد احتمالات القوة في الخبرات على المستوى الشخصي والعائلي والمنظمات والبلدان .