اليرموك وإعدادية المالكية بقلم علي بدوان
تاريخ النشر : 2020-06-03
اليرموك وإعدادية المالكية بقلم علي بدوان


اليرموك وإعدادية المالكية

بقلم علي بدوان

إعدادية المالكية، أقدم مدرسة إعدادية في مخيم اليرموك، تتبع لوكالة الأونروا، تم إفتتاحها عام 1956 وسط مخيم اليرموك، وبالتحديد بين شارعي صفورية وعز الدين القسام، في المنطقة العقارية التي كانت تُعرف بـ (أرض الحكيم) نسبة لعائلة الحكيم الميدانية الدمشقية.  وجائت تسميتها نسبة لبلدة المالكية الواقعة أقصى الجليل الفلسطيني الى الشمال من مدينة صفد وقرب الحدود الفلسطينية مع لبنان وفق ترسيمات (سايكس ــ بيكو عام 1916) وتعديلاته في (نيوكمبوليه عام 1923).

بلدة أو قرية المالكية، دمرتها عصابات الغزو الصهيوني عام 1948، ولجأ معظم سكانها الى لبنان، بعد أن دارت معركة كبيرة في البلدة بين الجيش اللبناني والعصابات الصهيونية إبان معارك العام 1948 وقد أستشهد في تلك المعركة الشهيد اللبناني الملازم الصيداوي (محمد زغيب) والذي تَحمِلُ أسمه إحدى ثكنات الجيش اللبناني في مدينة صيدا حتى الآن.

مدرسة المالكية، هي واحدة من نحو(40) مدرسة تابعة لوكالة الأونروا في مخيم اليرموك وحده من أصل نحو (118) مدرسة للوكالة في عموم التجمعات والمخيمات الفلسطينية فوق الأرض السورية، لكنها كانت ومازالت الأعرق والأقدم من بينها جميعها. فقد خرجت الأفواج الأولى من طلبة فلسطين للمرحلة الإعدادية من أبناء مخيم اليرموك من جيل النكبة الأول، والأجيال التي تلته. وخرجت كذلك العديد من الشخصيات الوطنية السياسية والأدبية والمتعلمة والأكاديمية والفنية والثقافية من فلسطينيي سوريا ومخيم اليرموك من الأجيال الأولى للنكبة، يصعب الإشارة لأسمائهم خشية من نسيان بعضاً منهم.

عاركت عائلات فلسطين وفتيانها على مقاعد تلك المدرسة كفاحهم الدؤوب من أجل الإرتقاء بالمستويات العامة للناس في ظل النكبة التي سدت كل الطرق امام الفلسطينيين، والذين باتوا شديدي التركيز على تعليم أبنائهم وبنائهم معرفياً كتعويض ولو مؤقت عن خسارة كبيرة عاشها اللاجىء الفلسطيني في تلك السنوات الحالكة من حياته.

تولى إدارة إعدادية المالكية مدراء كثيرون، لكن الأبرز منهم، كان المدراء القدامى من أجيال التعليم في فلسطين، وعلى رأسهم المرحوم اليافاوي حسين دندشي، وشعبان أبو خميس (من المجيدل) قضاء الناصرة، وسليم عقاب من (إجزم قضاء حيفا) ... فمن من أجيال اليرموك لايعرف العصاة السحرية لشعبان أبو خميس وسليم عقاب، وهي العصاة التي كانت دائمة الحضور بيد كل منهما في سعيهما الحثيث لبناء جيل فلسطيني عتيد...   

في إعدادية المالكية، كانت وكالة الأونروا ومازالت تُدرس الطلبة الفلسطينيين في عموم مدارسها في سوريا المنهاج السوري كاملاً، لكن الشيء الذي كانت تتفرد به فيتمثل بتدريس الطلاب ثلاث مواد إضافية مهنية للمرحلة الإعدادية، والمواد هي : صنعة المعادن، صنعة الأخشاب، الرسم الهندسي. وقد توقفت الوكالة عن تدريسها في العام 1983، فجيلنا والأجيال التي سبقته خضع لدراسة تلك المواد. التي كان من أشهر مدرسيها في إعدادية المالكية المرحوم (حسن زواوي من طبريا) لصنعة المعادن، والمرحوم (أبو فخري من الشجرة قضاء طبريا) لصنعة الأخشاب. والمرحوم (محمد عسقول من طبريا) لصنعة الرسم الهندسي، وهو صاحبة اللهجة الفلسطينية الطبرانية (القُحة) وقد توفي مؤخراً في لبنان بعد محنة اليرموك بعد عمرٍ طويل وحافل في ميدان التعليم. وكان من ابرز مدرسيها لسنواتٍ طويلة مدرس الرياضيات المرحوم محمد العايدي (أبو علاء)، ومحمود سلمان مدرس اللغة العربية، وعلي غريري مدرس اللغة الإنكليزية، واسماعيل عبيد، وسعيد قبراوي ...الخ. 

قبل محنة اليرموك بعدة اعوام أعادت الوكالة بناء المدرسة من جديد على أسس جديدة، فتم إنجاز بنائها بشكلٍ عصري، حتى غدت كأنها جامعة وليست مدرسة إعدادية، وقد تعرضت في محنة اليرموك الأخيرة للنهب والسلب ... والتخريب، والدمار شبه الشامل.

الذي لايعرف إعدادية المالكية، التي جلست مع عموم أشقائي على مقاعدها لايعرف مخيم اليرموك. فإعدادية المالكية، كمخيم اليرموك من شواهد النكبة، ومن شواهد شعبٍ عريق، صعب المراس، وعنواناً للتحدي الوطني. ستعود كما كانت قبل محنة اليرموك، منارة للعلم والمعرفة، لأجيالٍ تسير على الطريق نحو فلسطين.