حياة وزمن اياد الحلاق بقلم: روغل ألفر
تاريخ النشر : 2020-06-02
حياة وزمن اياد الحلاق

 بقلم  روغل ألفر  – 1/6/2020

“ ما حدث لاياد الحلاق المتوحد لا يمكن أن يحدث لمتوحد مثله اذا كان يهودي “.

​التفكير باللحظات الاخيرة لحياة اياد الحلاق لا يفارقني. أنا لست من النوع العاطفي، لكن عندما شاهدت والده في التلفاز انذرفت الدموع من عيني وشعرت بغضب عاجز يتملكني. لي ايضا إبن من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي شهر كانون الثاني سيبلغ عمره 25 سنة، تقريبا مثل عمر الحلاق الذي كان عمره 32 سنة عندما أطلق رجال الشرطة النار عليه مثل كلب في غرفة قمامة في البلدة القديمة في القدس.

​الحلاق كان وحيد تماما عند قتله بدم بارد. الى غرفة القمامة هرب بذهول. بحث هناك عن ساتر بعد أن هرب راكضا من رجال الشرطة الذين ارادوا فحصه. هو لم يفهم قصدهم. لم يفهم ماذا يريدون منه، وهم أخافوه. أنا اعرف بالضبط كيف خاف. اعرف بالضبط كيف انغمر بالذعر في ثانية أو ثانيتين. وفي اللحظة التي نادى عليه فيها رجال الشرطة بلهجة متسلطة ومهددة أعرف بالضبط كيف بدا وجهه وملامحه. أنا أعرف ذلك من خلال إبني. فعندما كان صغير ضممته بذراعي عندما كان يغمره ذعر كهذا. ضممته بشكل قوي حتى يهدأ. 

​أنا لا استطيع التوقف عن التفكير به وهو مختبيء هناك، في غرفة القمامة، وحيد تماما، دون أن يكون بجانبه شخص ما يستطيع تهدئته، كي يشرح له الواقع، ويشرح له الوضع، ويوجهه كيف يتصرف. أنا أفكر فيه وأرى إبني. إبني لم يكن ليتصرف بشكل مختلف عنه. الحلاق كان في الطريق الى المؤسسة التي يعالج فيها. مكان فيه يشعر بأنه محمي ومحبوب. ولكنهم اطلقوا النار عليه مثل كلب، هكذا كتبت. هذا مجرد تعبير غبي. هم لم يطلقوا النار عليه مثل كلب، فهم لا يطلقون النار على الكلاب في البلدة القديمة. هم يطلقون النار على العرب. هم اطلقوا النار عليه كعربي.

​أنا لا استطيع تحمل التفكير بأنه على الاقل سبع رصاصات اطلقت عليه. هل يوجد هناك وحدة اكبث من شخص متوحد يرتجف من الخوف في غرفة قمامة، لا يعرف تماما ماذا يحدث ولماذا، في الوقت الذي يقوم فيه رجال الشرطة بتفريغ مخزن السلاح عليه؟ الله اكبر، هم قاموا باعدامه. ولو أن هذا حدث مع إبني لكنت سأجد صعوبة في مواصلة العيش. التفكير به وقد ذبح بهذه الطريقة في غرفة القمامة كان سيقضي علي. ايضا الآن وأنا تب يصعب هذا الامر. تصعب علي الكتابة رغم أنها سهلة علي. ولكن كم هي غير مجدية هذه الكلمات. فهي لن تساعد اياد الحلاق ولن تساعد عائلته.

​يصعب عليك أن تكون متوحد في هذا العالم. عندما كان إبني في السابعة قالت لي الطبيبة النفسية في المؤسسة التي درس فيها، التي دربتني على كيفية التعامل معه عندما يدخل في هستيريا: “تخيل أنه في الغرفة الصغيرة التي نجلس فيها يوجد جهاز تكييف ضخم، وعندما نأخذ ورقة ونمزقها الى قطع صغيرة والمكيف يخلطها مع الهواء في الغرفة، يلفها ويطيرها بلا توقف. هكذا يبدو العالم بالنسبة لابنك يوتم. فوضى كبيرة جدا، فوضى لا تنتهي”. وقد قالت لي إن يوتم بطل، فقط بسبب حقيقة أنه في كل يوم يفتح عيونه ويواجه هذا الوضع الوجودي. تخيلوا ماذا يعني العيش في فوضى دائمة كهذه. كم هذا صعب. أي جهد مطلوب من اجل القيام بالامور الصغيرة والهامشية جدا.

​ايضا اياد الحلاق كان بطل. حتى في يوم موته كان بطل. عندما سار في شوارع البلدة القديمة من منزله الى المؤسسة. هذه الجولة في أزقة البلدة القديمة ليست أمر سهل على شخص متوحد. هذا يقتضي قوة عقلية. ويقتضي تجنيد للقوة. ولكن الحلاق محسوب على الاشخاص الضعفاء في هذا العالم، الاشخاص ذوي الجمجمة الضعيفة. الجمجمة التي تتحطم الى شظايا بسبب ضربة لا تشعر بها مطلقا جمجمة عادية. الاشخاص الذين يحتاجون الى درجة من الانسانية الاساسية، ليس من اجل أن تكون الحياة أسهل عليهم، وليس من اجل أن يستطيعوا قضاء ايامهم في اجواء لطيفة اكثر، بل من اجل أن يتمكنوا من مجرد العيش.

​ليس عبثا أن اختار من يشكل في نظري كبير الأدباء في جنوب افريقيا الذين حاربوا الابرتهايد، ج.م.كوتزي، أن يصف بطل روايته “حياة وزمن مايكل كاي” بالشخص ضعيف العقل. في المكان الذي لا توجد فيه انسانية فان الاشخاص الضعفاء في المجتمع يتم سحقهم بعنف بدون أي رحمة تقريبا. البلدة القديمة كانت مكان خطير بالنسبة لاياد الحلاق، ليس فقط لكونه عربي، بل لأنه كان شخص متوحد. في ظل نظام ابرتهايد عنصري كان ذلك كما يبدو فقط مسألة وقت الى أن يقوم ممثلو تطبيق نظام الابرتهايد هذا، اشخاص مخيفون يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح، بالنباح نحوه بعدة جمل تغرق روحه في رعب مذهل. رعب جعله يلوذ بالفرار، كما يبدو من أجل انقاذ نفسه، وبالفعل قرر مصيره بالموت على أيديهم. هذا كان فقط مسألة وقت الى أن يقوم الظلم الذي احاط به من كل صوب بالوصول اليه وأن يقضي عليه.

​حقا، هو خاف منهم. لو كان هناك فقط شخص الى جانبه كي يشرح له بأنه “متوحد”، معنى ذلك أنه لا يشكل خطر، لا عليكم ولا أي شخص آخر، خلافا للاشخاص “العاديين” أو “الطبيعيين” (ما هو “الطبيعي” في رجال الشرطة هؤلاء؟). المتوحدون لا يضرون غيرهم بصورة متعمدة. هم لا يبدأون بالمعارك. هم لا يسيطرون على اشخاص آخرين. هم ليسوا قتلة. هذا يفعله الاشخاص “العاديين”. عندما شاهدت الأخ الصغرى ليوتم وأنا اشاهد والد الحلاق في التلفاز، رأت أنني افعل شيء لم افعله اثناء مشاهدتي للاخبار، بكيت، قبلت، اطلقت من بين اسناني همسات غضب، حركت رأسي. ولو أنها لم تكن هناك لكنت سأحطم شيء ما على الحائط من كثرة اليأس. ضائقتي أقلقتها. وبعد نصف ساعة تقريبا سألتني: “أبي، صحيح أن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث ليوتم؟”. أجبتها “صحيح، هذا لا يمكن أن يحدث له لأنه يهودي”.هآرتس –