الأسلوب بقلم:ختام بني عامر
تاريخ النشر : 2020-06-02
خربشاتي

"الأسلوب"، هو النمط الذي يميز الكائن المُتحضّر عن غيره من الموجودات البدائية في هذا الكوكب مترامي الأرواح. وليس أدل على ذلك من طريقة تعامل بعض تلك "الأشياء" مع ما يجابهها من معضلات، حين تصطدم بحائط الفهم، وانعدام الثقة.
عندها، ينشطر "الشيء" في صنفين؛ أحدهما يتسامى في سلم الوجود، من خلال قدرته على الاستمرار في المواجهة، والمرونة في التحاور، والقدرة على تقبل الطبيعة الوجودية الأخرى، دون أن يُشعره ذلك التقبل بانتقاص في النفس، أو انكسار للذات. وآخرُ يحتازُه الشعورُ، وتستحلُّه حقول النرجس، فتحبسه المرآة في فِكَرٍ توهّم فيها كمالا! غير أن الطبيعة كلها جُبِلت على النقائص منذ النفث الأول.
أما "الشيء" الزئبقي، فتعرفه بسيما بشريةِ المرآة، إلهيةِ التكوينِ لغويةِ الصدى، يكتسي بروح الوجود الآدمي، يقصِد في مشيه، ويغضّ من صوته، فينعم بالمُسَخّر؛ ما ظهر منه وما بطن.
لكن التماهي يغزو ملامح "الشيء" الآخر، ويكسو نوعه الضباب، فتستوي في الصنف الواحد المرايا، وتذوب الفوارق فيه بين الأرواح الناطقة وغيرها، مما استراحت أذهانُها من داء الفِكْر؛ فأبصرت عيونُها الموجود، لكنها قصرت عن تمييز ألوان الوجود.
وبذا ينماز الناطق عن اللافظ، من خلال مقدار ما تفتحَّ من مغاليق العقل، وما تكبّدَه الموجود من عناءات بُثَّتْ في أصل الوضع، وما تحرر في ذاته من عبوديةِ الصورةِ الواحدة، وما استفاق في الصدور الواعية من رؤى مبصرة، تزيح الضباب عن ملامحِ "الشيءِ" العائمِ في مزاج الموج.
وبذا التمايز، تصير القوائم أطرافًا، ينفِرُ نصفها مرتدًّا عن قوة الجذب، وتنضبط الغرائز، وتُرسَم المصائر، وتصدح المرايا بأصواتٍ مفهومة، وتتراصفُ الأنفاسُ في سلسلة ذات مغازٍ غير عبثية، ويصير لفواتح الجهاز الهضمي فيها وظيفة أخرى، أكثر من مجرد التذوق، أو تمرير الطعام.

ختام بني عامر