مصير التحالف الدولي في العراق في ظل كورونا بقلم:عدنان عبد الله
تاريخ النشر : 2020-06-02
مصير التحالف الدولي في العراق في ظل كورونا بقلم:عدنان عبد الله


مصير التحالف الدولي في العراق في ظل كورونا
عدنان عبد الله

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" الذي ينفذه مركز مسارات - الدورة السادسة 2019-2020.

مقدمة

أعلن مايلز كاغينز، المتحدث باسم قوات التحالف الدولي في العراق، بتاريخ 26/3/2020، عن تسليم قيادة قوات التحالف لمقراتها داخل القواعد العسكرية في العراق إلى وزارة الدفاع العراقية، ومغادرة مئات الجنود والمدرِبين – مؤقتًا - للحفاظ على سلامتهم من فيروس كورونا.[1]

هل يعد انتشار فيروس كورونا السبب الرئيس لانسحاب قوات التحالف من القواعد العسكرية بالعراق، أم أن هناك أسبابًا أخرى، واستُغل فيروس كورونا لتبرير الانسحاب؟ يبدو أن انتشار "كورونا" في العراق كان له تأثير، إضافة إلى عوامل أخرى، مثل اعتبار العراقيين للوجود الأجنبي بأنه "قوة احتلال"، وخاصة بعد الانتهاء من محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

جاء تواجد القوات الدولية التي تضم قوات أميركية (ذات العدد الأكبر 520 عسكريًا) وقوات بريطانية وفرنسية وتشيكية وبريطانية و كندية وجنوب أفريقية؛ بناءً على دعوة من الحكومة العراقية في نيسان/أبريل 2014 لمحاربة تنظيم داعش، وبدأت القوات عملها برئاسة الولايات المتحدة الأميركية في حزيران/يونيو من العام ذاته، هذا مع العلم أن الولايات المتحدة أبقت على تواجد رمزي لها في المنطقة الخضراء بعد انسحابها التدريجي من العراق في نهاية العام 2011.

إذا كانت محاربة "داعش" سببًا في استدعاء القوات الأجنبية للعراق في العام 2014، فإنّ التصعيد الإيراني ما بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وتصاعد الهجمات العسكرية ضد قوات التحالف خلال العام 2020؛ شكّلا عوامل ساهمت في بلورة قرار انسحاب القوات الدولية.

وفي 13/4/2020، رحب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي بتشكيل الحكومة العراقية، داعيًا الحكومة الجديدة إلى وضع مصالح العراق أولًا، وتلبية احتياجات الشعب العراقي، والتصدي لفيروس كورونا، ودعم الاقتصاد، والسيطرة على السلاح.[2] وجاء تشكيل الحكومة في ظل أزمة كورونا، وأوضاع ساخنة بين القوى السياسية العراقية والإدارة الأميركية بعد اغتيال سليماني، تمثّلت في اتخاذ البرلمان العراقي قرارًا بعد الاغتيال بتكليف الحكومة متابعة الإخلاء الفوري لقوات التحالف الدولي في العراق.[3]

وضع التحالف الدولي في العراق في ظل انتشار "كورونا"

انتشر فيروس كورونا في العراق بعد اكتشاف إصابة طالب دين إيراني بالفيروس في مدينة النجف في 24/2/2020.[4] وتزامن تفشي الفيروس مع توتر عسكري بين القوات الأميركية والعديد من القوى المعارضة للوجود الأجنبي في العراق، عبر استمرار الهجمات العسكرية على أهداف لقوات التحالف الدولي، التي تقوم بها مليشيات عسكرية عراقية، مثل قوات الحشد الشعبي، وحزب الله العراقي، المواليين لطهران، أسفرت عن مقتل العديد من العسكريين الأجانب. وقد بلغ عدد الهجمات العراقية على قواعد عسكرية لقوات التحالف منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وحتى نيسان/أبريل 2020 24 هجومًا.[5]

ساهم انتشار الفيروس وتحوله الى جائحة كونية في اختلاط الأوراق في العراق، مما ساعد إيران وحلفاءها بالعراق، والمعارضين للتواجد الأميركي، على تصعيد الضغط على التحالف من جهة، وعلى الحكومة العراقية من جهة أخرى، لإنهاء التواجد العسكري لقوات التحالف، إضافة إلى إيجاد مبرر للتحالف لسحب قواته.

شمل انسحاب القوات الأميركية في نيسان/أبريل 8 قواعد من أصل 12 قاعدة أميركية بالعراق، وهي "قاعدة القائم، والقيارة، وكي وان، وأبو غريب، وبسماية، وعين الأسد، وكركوك، والتاجي، وهو وفق القوات انسحاب جزئي ومؤقت للوقاية من كورونا. كما انسحب العديد من القوات الأجنبية في ذات الشهر، وعلى رأسها قوات لبريطانيا (600 جندي)، والتشيك (200 جندي) وفرنسا (200 جندي)، وأعلنت هذه الدول أن الانسحاب جاء نتيجة الوضع الأمني وتعرض قواعد التحالف لهجمات عسكرية، إضافة إلى الوقاية من كورونا.[6]

بلغ عدد قوات التحالف الدولي قبل بداية الانسحاب 5200 عسكري[7]، وبموجب الانسحاب سينتهي أي تواجد للقوات الأميركية على طول الجانب العراقي من الحدود مع سوريا، حيث تسلّمت القوات العراقية، بشكل رسمي قاعدة القائم، بعد انسحاب قوات التحالف منها، التي قالت في بيان لها إنها ستعيد نشر القوات والمعدات إلى قواعد عسكرية عدة في العراق خلال العام 2020. [8]

وفي هذا السياق، أعلن التحالف الدولي في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، بتاريخ 17/4/2020، أنه لن يخرج من العراق بصورة نهائية قبل إتمام مهامه، لا سيما في ظل التحديات التي فرضها فيروس كورونا، مشيرًا إلى اتخاذه تعديلات مؤقتة لحماية القوات خلال هذه الفترة، بالتنسيق الكامل مع السلطات العراقية.[9]

أبرز المواقف

موقف الولايات المتحدة

رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحافي له في البيت الأبيض بتاريخ 7/1/2020، على طلب البرلمان العراقي بانسحاب القوات الأميركية من العراق، بالقول: "لا علم لي بالرسالة التي وصلت إلى العراق حول انسحابنا ... في مرحلة ما نرغب بالخروج من العراق ولكن ليس الآن".[10] وذلك بالرغم من تأكيد رئيس الوزراء العراقي حينها، عادل عبد المهدي، تسلّمه، في ذات اليوم، رسالة من الأميركيين، "موقعة" من قائد العمليات العسكرية الأميركية في البلاد، تفيد بـ"إعادة التموضع بهدف الانسحاب من البلاد".[11]

وسبق أن هدد ترامب بفرض عقوبات "غير مسبوقة" على العراق، إذا مضت بغداد قدمًا في إخراج القوات الأميركية من أراضيها، مشيرًا إلى أن "القوات الأميركية لن تنسحب بشكل كامل من العراق ما لم يتم تعويض الجيش الأميركي عن النفقات الباهظة التي دفعها في القاعدة الجوية التي بلغت تكلفتها مليارات الدولارات.[12]

وفي هذا السياق، أرسل وليام سيلي الثالث، قائد قوة المهمات الأميركية بالعراق، رسالة إلى عبد الأمير رشيد يار الله، قائد قيادة العمليات المشتركة العراقية، جاء فيها أن قوات التحالف بصدد "اتخاذ إجراءات معينة لضمان الخروج من العراق"، وأنها ستنفّذ عمليات إعادة تمركز خلال الأيام والأسابيع المقبلة احترامًا لسيادة العراق، إضافة إلى زيادة رحلات الطائرات المروحية داخل وحول المنطقة الخضراء خلال ساعات الليل.[13]

من جهته، اقترح بومبيو إجراء حوار مع الحكومة العراقية منتصف حزيران/يونيو 2020 لبحث القضايا الإستراتيجية، لا سيما مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، كما أبلغت القوات المسلحة الأميركية نظيرتها العراقية، أنها ستتخذ إجراءات معينة لضمان خروج قواتها من العراق بشكل آمن.[14]

موقف العراق

بعد القضاء على نفوذ "داعش"، رأت غالبية الأطياف السياسية في العراق، أن الوجود الأجنبي عبارة عن "احتلال"، وتجلى ذلك بقرار البرلمان العراقي ضرورة انسحاب القوات الأجنبية، وعلى رأسها القوات الأميركية من العراق، وبخطاب عادل عبد المهدي الذي أشار إلى أن انسحاب القوات الأجنبية من البلاد هو المخرج الوحيد للأزمة المتصاعدة بين واشنطن وبغداد حول موضوع انسحاب القوات الدولية من العراق.[15]

لذا، يصعب على العراقيين قبول فكرة إعادة تموضع هذه القوات، وأن على إدارة ترامب التفكير جديًا في تجنب المزيد من المغامرات على أرض العراق، واللجوء إلى الخيار الثاني الذي اقترحه عادل عبد المهدي، وهو الاكتفاء بالتدريب، لكنه يبدو خيارًا من الصعب تنفيذه في ضوء الإجماع العراقي على رحيل القوات الأميركية، وحتى رفض التواجد للتدريب، وخاصة بعد هزيمة تنظيم "داعش".

موقف إيران

اعتبر مراقبون طلب الانسحاب من جانب بغداد انتصارًا لطهران على خليفة مقتل سليماني. لكن من الواضح أن إيران أرادت استثمار رد الفعل الشعبي على مقتل سليماني، لتحقيق مكاسب لن تقتصر على خطط الانسحاب الأميركي في العراق الذي يعد انتصارًا معنويًا لطهران، إذ ستعمل على استثمار الانسحاب إقليميًا، ليصل إلى تفاهمات مرضية مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي وقضايا تهم الطرفين، مقابل تقاسم نفوذ في المنطقة ما بعد "كورونا"، بما يضمن نفوذًا مرضيًا لواشنطن، لا سيما أن انسحابها سيُضعف من تأثير حلفائها بالمنطقة، وخاصة أن القوى الموالية لإيران في العراق تعدّ ذات وزن وتأثير.

السيناريوهات

هناك أربعة سيناريوهات لانسحاب قوات التحالف من العراق، وهي:

السيناريو الأول: اتفاق على الانسحاب بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية

يعدّ هذا الانسحاب هادئًا ومرضيًا للطرفين، ويتضمن التزامات متبادلة تحقق مصلحة كل من واشنطن وبغداد، وهو شبيه بما حصل بين حركة طالبان في أفغانستان والولايات المتحدة. ويبدو أن التفاهمات التي جرت مؤخرًا حول جدولة الانسحاب كانت مرضية للطرفين، وستسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، لا سيما أن الانسحاب سينعكس على تفاصيل المشهد الإقليمي، وخاصة في سوريا.

السيناريو الثاني: انسحاب أميركي غير مشروط ومن دون اتفاق

ستخسر الولايات المتحدة وفق هذا السيناريو، حيث لا تفاهمات ولا التزامات. وستسعى بعض القوى العراقية لتصعيد الهجمات ليكون الانسحاب مكلفًا ومهينًا للولايات المتحدة.

السيناريو الثالث: انسحاب جزئي مع رفض الولايات المتحدة الانسحاب الكلي

يُبقي هذا الانسحاب على تموضع جزئي لوجستي لأغراض التدريب للقوات العراقية، وحضور للولايات المتحدة بالمنطقة. لكن هناك تساؤل حول مدى مقبولية هذا الخيار عراقيًا، لا سيما أنّ العراقيين يرون في التواجد الأميركي "قوات احتلال"، إضافة إلى مواصلة المليشيات المسلحة الموالية لإيران هجماتها الرافضة لهذا التواجد الرمزي.

السيناريو الرابع: رفض كلي للانسحاب وإعادة القوات الأميركية

يقوم هذا السيناريو على رفض كليّ للانسحات وعودة الأمور إلى ما قبل كورونا. وهذا سيناريو مستبعد، لأن ما بعد كورونا سيشهد علاقات سياسية وتحالفات وأحداث تؤثر على السياق العام الدولي وليس فقط العراقي، فضلًا عن أن العراقيين بكافة أطيافهم يرفضون التواجد الأجنبي على أراضيهم.

خاتمة

 من المرجح أن لانتشار فيروس كورونا أثرًا كبيرًا ومبررًا واضحًا لقوات التحالف الدولي للانسحاب من العراق، ولو بذرائع إعادة تموضع مؤقت، لكن الموقف العراقي الذي بات يرى في قوات التحالف الدولي "قوة احتلال" كان العامل الأساسي في جدية موقف الولايات المتحدة من الانسحاب، وقد يكون الخيار الأول وهو سعي الولايات المتحدة للانسحاب ضمن تفاهمات مع الحكومة العراقية، هو الخيار الأمثل.

جاء فيروس كورونا لصالح العراق في تعجيل الانسحاب، واستفاد الإيرانيون من الوضع القائم، لكن وضع العراق، مثله مثل كافة دول العالم، سيشهد تغيرات على مختلف المستويات ما بعد انتهاء كورونا، حيث سيكون لانسحاب الولايات المتحدة الكامل أثره على العلاقات الدولية في العراق والمنطقة برمتها، الذي سيؤثر على حلفاء واشنطن في العراق والمنطقة.

أما إيران فلن تقبل بوضع المتفرج بالعراق، وستحاول أن يكون لها نصيب وتأثير على الخريطة السياسية والتحالفية العراقية والإقليمية ما بعد كورونا.

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبّر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.
[1] التحالف الدولي يسلّم قاعدة القيارة للقوات العراقية، العربية نت، 26/3/2020: 

[2] Secretary Michael Pompeo Remarks to the Press, U.S. Department of State, 7/4/2020: 

[3] مجلس النواب العراقي يطلب من الحكومة إنهاء تواجد قوات "التحالف الدولي"، قناة فرانس 24 على اليوتيوب، 5/1/2020: 

[4] ارتفاع مصابي "كورونا" في العراق إلى 19، وكالة الأناضول، 1/3/2020: 

[5] التحالف الدولي ينسحب من سادس قاعدة عسكرية في العراق، الجزيرة نت، 7/4/2020: 

[6] قيادة العمليات المشتركة: انسحاب قوات التحالف من قاعدة الحبانية، موقع التغيير، 4/4/2020: 

[7] التحالف الدولي يباشر إعادة تمركز قوات منتشرة في قواعد عراقية، فرانس 24، 17/3/2020: 

[8] التحالف الدولي ينسحب من قاعدة القائم العراقية، سكاي نيوز عربية، 19/3/2020:

[9] بيان بالنيابة عن التحالف الدولي ضد داعش، موقع التحالف الدولي، 23/3/2020: 

[10] الانسحاب الأميركي من العراق بين الاستثمار والمناورة، صحيفة الشرق، 8/1/2020: 

[11] المصدر السابق.

[12] ترامب مهددًا العراق بعقوبات: لن ننسحب قبل استرداد ثمن قاعدتنا، وكالة الأناضول، 6/1/2020: 

[13] العراق يؤكد تسلمه رسالة انسحاب الأميركيين، صحيفة القدس العربي، 7/1/2020: 

[14] Secretary Michael Pompeo Remarks to the Press, ibid.

[15] كلمة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال جلسة مجلس النواب، قناة العراقية الإخبارية على يوتيوب، 5/1/2020: