موتٌ وحياة بقلم:أماني البريهي
تاريخ النشر : 2020-05-30
لَمْ تَكُنّ مَفُهومةٌ تِلكَ الهَمهَمات التِي أَخَبرتنِي عنها جدَّتِي الستِّينيَّة !
تقسُّمات وَجهَها تُذَكِرني بِتَضَاريسِ وَوعُورة هَذهِ الدُّنيا، كَلماتها تِلكَ التِي أرَعَبَتنِي حين أَخَبرتنّي وَهي تُنزل ذَلكَ السَائل الدَافِئ عَلى وجَنَتيها قَائلةً :

لقَد رِحلت دُنياكِ يَا بُنَيَتِي لقَد انطفئ نوركِ لقَد اخَتطفَها الموتُ !
لمْ أَسَتطع أَنْ أَفَهم خَلايا مُخِي التِي يَتَجاوزَ عَددُها المَليونَ والنّصفَ..خَذَلتنِّي فِي ذلكَ الحِين، أَبتْ أَنْ تَشَرحَ لي!

نَبَضَاتُ قَلبِي تَسَارعت كِدتُ أَجزمَ أَنَّها تَخَطت المائةُ بَعَدمَا مَاتَت، تَركَتنِي أُحاربُ جُرم وَبِشَاعةِ هَذا العَالم وأَنا مِيتِةٌ، مُنّهكةٌ وَمُتَهَالكة!

أَصبحَ هَمِّي الأكبرَ أنْ أُحاربُ المَوتَ فِي حِين أَشَتقتُ أن أَراها
وأَردتُ عَبَثاً أن أنالَ منهُ!

انتزعُ أحِبائي مِنْ أحشائهِ ليّتكَ أَيُّها المُوت تُسحق تَباً أظَنُّ أَنني أصبتُ بِهذَيانٍ أَو ظَلالاتٍ خَفِيه لاَ أَعَلم رُبما رِهاب المَوتُ لكَنْ حَقاً أنه لِصٌّ بَارع فِي إِخَفاء أَدلتهِ حين يَأتي، لاَيُمكن رَدعهُ أَيَقنتُ أَنه فَتاكٌ وأَنا هُنّا أَقف أَمامهُ بلاَ حَراك لمْ يَخَبُرونِي كِيف رحَلت جَنّتي؟!

أَخَبرونِي فَقَط أَن الجَنّة عَادت إلى مَوطِنّها، أنْ روحها الطَاهرة تَحررت مِن قيودِ الحَياةِ، كَانت مُتمَسكةً بالحياةِ السَّوداويةُ لأَجلنا،
قَطراتُ النَدى تَتناثر مِن خَدها النَّاعم، عيناها النَاعِسةُ تَحَتضُننا بِكل دفءٍ،
كَانت تَبتسم فَتَبتسمُ لنَا الحَياة يَخَضرُّ قَلبِي وكَأن أُمِّي مَطر!

أُمي كَانت ينبوعُ العَطاء وَرمز النّقاء
وَبعدها أصبحتُ لاَشيء يُذكر
أَبحثُ عَمَّا أفتقد فِي كُل مَكانٍ حِين تَجَمعَنا مِائدةُ الطَعامُ أَتسّاءل كَم جِراماً مِنْ الحُبِ كَانت تَضِيفُ؟!
أيُّ سِحرٍ فِي يَديّها؟!

- لاَ بأس لمْ تَرحل!
أنا لمْ اسَتوعبُ خُزعبلاتِ الأَطباء أَخبرتُهم أن تَوقفُ النَبضِ لاَ يَعني تَوقفُ الحَياة وإِن نِهايةَ الرُوحِ بِدايةٌ للألم
ورحِلت جَنّتي إلى جَنّتها!
ذاتَ يَوماً عِجيبٍ لمْ تُشرقُ الشَمسُ أو أَنَّها لمْ تُشُرق فِي قَلبي كُنت أَتخَبط أَبحثُ عنّي لمْ أَجد أحداً

- أين أَهلي؟!
- أَين أَنا؟!

كَان العالمُ مبهماً، و قَطراتُ الدمعُ في أعيُنِي الخَوفُ يَستوطنُ أيسَري، رأيتُها كَملاكٍ ركضتُ احتضن سَرابها، رأيتُ عالمها وأَخِيراً رأيتُهم كَالطيور البَيضاءُ حَاملة الزَغِبَ الجَميّل أَيقنتُ أنَّ بَياضَ الكَفنُ لاَ يُخيف سَواد عَالمنا كَان أكثرَ قُبحاً أَخَبرتَني جنتِي(أمِّي) أَنَّها تَنَّتظُرني وأنّ عَالمها أمان، تَنقلتُ فِي عَالمهم..هُم لمْ يَمُوتوا هُمُ آحياء نَحنُ المَوتى على قَارعةِ الطَريقِ!
لمْ أستوعب كيفَ وجدتُ نَفسِي فِي غُرفَتي؟!
والسَائل الطِبي ذاكَ يَسري فِي أَوردتي البَائسةُ والطَبيبُ المغفل ذاكَ يُخبرَ أَهلي أنّي نَجَوتُ مِنّ الموتِ بِأعجوبةٍ أيُ أبلهٍ هو؟!
لقَد وقعتُ بالحَياةِ مُجَدداً، أَنا لمْ أَرحل للسَّماءِ، كَان الموتُ أكثرَ رأفةً، تَجمدت الحَياة في عينيي!
أُمي لمْ تَمت..أَنا منْ مُت مُجَدداً.