الضم خطوة على طريق مشروع اسرائيل الكبرى
تاريخ النشر : 2020-05-28
الضم خطوة على طريق مشروع اسرائيل الكبرى


الضم خطوة على طريق مشروع اسرائيل الكبرى

بقلم الباحث في الشئون السياسية/ د. رائد نجم

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعبارات لا لبس فيها، دعمه للمستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية (بما في ذلك معارضته لقرار مجلس الأمن رقم  2334، المتعلق بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة). وفي التطورات الأخيرة، أعربت إدارة ترامب عن اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. وتحت تأثير الانتخابات الرئاسية الامريكية التي اقتربت أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لضم المستوطنات والاغوار بعد خطيئة الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال والذي هدفت من خلاله إلى إثارة عدم الاستقرار السياسي في جميع أنحاء المنطقة. وكذلك نقل السفارة الامريكية للقدس والاعلان بأن الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي، ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "انروا"، وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، حيث أعلن بومبيو أن مسألة الضم قضية تقررها اسرائيل.

صفقة القرن هي تنفيذ لمخطط إسرائيل الكبرى

تحرم صفقة ترامب الفلسطينيين من جميع حقوقهم في أراضيهم. وتعطي الحق لإسرائيل بضم الأغوار بأكملها وكذلك المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. وتدعم الصفقة مشروع "إسرائيل الكبرى" ، وذلك من خلال الخلاص من الديمغرافيا الفلسطينية بشطب حق العودة للفلسطينيين من خلال تجنيسهم كمواطنين في لبنان والأردن وسوريا والعراق وأماكن أخرى في المنطقة حيث يقيمون.

مشروع إسرائيل الكبرى ليس مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط فحسب، بل هو جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأمريكية، وهدفه الاستراتيجي هو توسيع الهيمنة الأمريكية وكذلك تفتيت وبلقنة الشرق الأوسط. ويتماشى مشروع "إسرائيل الكبرى" مع مخطط الولايات المتحدة الإمبراطوري.

خطة قديمة

يستند المخطط الصهيوني "مشروع إسرائيل الكبرى" على خطة قديمة وضعها عوديد يانون عام 1982، وهي خطة إستراتيجية إسرائيلية لضمان التفوق الإقليمي الإسرائيلي. وتنص على وجوب قيام إسرائيل بإعادة تشكيل بيئتها الجغرافية السياسية من خلال بلقنة الدول العربية المحيطة بها إلى دول أصغر وأضعف. والخطة هي استمرار للمخطط الاستعماري البريطاني في الشرق الاوسط، وجزء من المشروع التوسعي الأمريكي.

وتشكل وثيقة عوديد ديانون بشأن تشكيل "إسرائيل الكبرى" حجر الزاوية للأحزاب الصهيونية القوية داخل حكومة نتنياهو الحالية ، مثل حزب الليكود ، وكذلك داخل المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية.

تفتيت الدول العربية ويلقنة المنطقة

تعمل الخطة وفقاً لمحددين أساسيين، فمن أجل البقاء يجب على إسرائيل أولاً أن تصبح قوة إمبراطورية إقليمية، و ثانياً يجب أن تعمل على تقسيم المنطقة بأكملها إلى دول صغيرة من خلال تفكيك جميع الدول العربية الموجودة. وسيعتمد صغر كل دولة بعد التقسيم على تكوينها العرقي أو الطائفي. وبالتالي فإن الأمل الصهيوني هو أن تصبح الدول التي ستنشأ على أساس طائفي دول تابعة لإسرائيل، بل ووكيلة لها، وتكون اسرائيل مصدر شرعيتها الأخلاقية. هذه ليست فكرة جديدة ، ولا تظهر لأول مرة في التفكير الاستراتيجي الصهيوني. في الواقع ، كان تجزئة جميع الدول العربية إلى وحدات أصغر موضوعًا متكرراً.

يعمل المشروع الصهيوني على إضعاف وتفتيت الدول العربية المجاورة لإسرائيل في ظل دعم بعض ممالك الرمال العربية وصمت من حلف شمال الأطلسي أقرب الى الرضا. وتستخدم اسرائيل تقاربها مع بعض الدول العربية التي بدأت بخطوات تطبيع سياسي وثقافي ورياضي كوسيلة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وتوظف في هذا التقارب فزاعة ايران حيث تقدمها للعرب باعتبارها عدوهم المركزي وليس اسرائيل التي تحتل الاراضي العربية والمسئولة عن تشتيت شعب كامل من ارضه والمخططة والمحرضة على كل أزمات المنطقة.

اسقاط العراق أول خطوات المشروع

وقد اعتبر الاستراتيجيون الإسرائيليون العراق أكبر تحد استراتيجي لهم يمكن أن تمثله دولة عربية. لهذا السبب تم تحديد العراق كمحور بلقنة الشرق الأوسط والعالم العربي. وعلى أساس مفاهيم خطة ينون دعا الاستراتيجيون الإسرائيليون إلى تقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين، إحداهما للمسلمين الشيعة والأخرى للمسلمين السنة. كانت الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك هي الحرب بين العراق وإيران، التي ناقشتها خطة ينون.

بدأت أولى خطوات المخطط الصهيوني للشرق الأوسط بغزو العراق عام 2003، ثم الحرب على لبنان عام 2006 ، ثم الحرب على ليبيا عام 2011 ، واسقاط مصر وتقسيمها، والحروب المستمرة على سوريا والعراق، واليمن ناهيك عن الأزمة السياسية في السعودية، وليس أخيراً تثبيت أعمدة الانقسام الفلسطيني بمال ممالك الرمال العربية التي تلعب دوراً مدمراً ضد القضية الفلسطينية ودول المنطقة العربية.

التفكيك سيطال المشرق والمغرب العربيين

الى جانب تقسيم العراق دعت خطة يانون الى تقسيم لبنان ومصر وسوريا. وتدعو خطة ينون إلى تفكيك دول شمال إفريقيا وتتوقع أن يبدأ التفكيك من مصر ثم ينتشر إلى السودان وليبيا وبقية المنطقة. كما يتوافق أيضاً تقسيم إيران وتركيا والصومال وباكستان مع هذه الرؤية.

حدود اسرائيل الكبرى

بحسب الأب المؤسس للصهيونية ثيودور هرتزل، تمتد مساحة الدولة اليهودية "اسرائيل الكبرى" من نيل مصر إلى الفرات، وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان. ومنذ ما يقرب من قرن تضمنت خطة المنظمة الصهيونية لدولة يهودية، فلسطين التاريخية، جنوب لبنان حتى صيدا ونهر الليطاني، مرتفعات الجولان السورية، سهل حوران ودرعا، والسيطرة على خط سكة حديد الحجاز من درعا إلى عمان، وهو خط يربط دمشق بالمدينة، وكذلك خليج العقبة. وتحدث بعض الصهاينة عن ضم جنوب تركيا، واجزاء من المملكة العربية السعودية والعراق.

الخاتمة

يتطلب مشروع "إسرائيل الكبرى" تقسيم الدول العربية الموجودة إلى دول صغيرة. وفي هذا السياق، فإن الحرب على العراق وسوريا هي جزء من عملية التوسع الإقليمي الإسرائيلي. لذلك فان هزيمة الإرهاب الذي ترعاه الولايات المتحدة في المنطقة نكسة كبيرة لإسرائيل ومشروعها. وكذلك التصدي لضم القدس والاراضي الفلسطينية يحجم ويحاصر هذا المشروع، فضم دولة الاحتلال للاراضي الفلسطينية هو بمثابة خطوة متقدمة باتجاه تنفيذ المشروع وخلق ديناميات جديدة للتقدم بالمشروع من خلال دعم حركة الاستيطان الصهيونية على نطاق أوسع، وترحيل الفلسطينيين من فلسطين مما يؤدي إلى الضم النهائي للاراضي الفلسطينية في ظل انقسام فلسطيني وعجز عربي وصمت دولي. وربما اثارة القلاقل في الاردن لتمتد ساحة الازمات لتطال الاردن الى جانب العراق وسوريا وتفتح الطريق امام نفوذ صهيوني متزايد مدعوم امريكيا وصولاً الى نهر الفرات.

لن يتوقف المشروع التوسعي الصهيوني عند هذا الحد فهو يستهدف الجميع المشرق العربي والمغرب العربي، وحتى تركيا وباكستان. يتقارب المشروع الصهيوني مع بعض دول المنطقة مستحضراً فزاعة ايران تارة والارهاب تارة اخرى وجزرة التكنلوجيا والاقتصاد تارة ثالثة ليتقلب في اقترابه من دول المنطقة، مستخدماً بعض الكيانات التي ارتضت ان تكون وكيلة للاحتلال ومشروعه في المنطقة، وما ان تتوفر الظروف حتى ينقض مجدداً من خلال بوابات الفوضى المتعددة الارهاب والفقر والبطالة والمرض والجهل والطائفية والتنافس الاقليمي.