قيمة العمل ثابتة لكن قيمة النقد متغيرة!بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
تاريخ النشر : 2020-05-27
قيمة العمل ثابتة لكن قيمة النقد متغيرة!بقلم: د. عبد الرحيم جاموس


قيمة العمل ثابتة لكن قيمة النقد متغيرة ..!
بقلم د. عبد الرحيم جاموس
سأحاول تفسير ذلك من خلال تجربتي الشخصية المتواضعة، في صيف العام 1968م وخلال العطلة المدرسية عملت عاملا مدة أربعين يوما تقريبا مع شركة شاهين للمقاولات التي كانت تنفذ مشروع مدينة الملك حسين الطبية في عمان وقد تقاضيت أجرا بلغ قرابة أربعة وعشرين دينارا عن تلك المدة أي بواقع ستون قرشا عن كل يوم عمل ...
ماذا صنعت بذلك المال ؟
لقد اشتريت به عددا من أبواط الرياضة الخاصة بالجري ولعبة الباسكيت بول وكرة اليد وحذاء من صنع شركة باتا .. وعددا من القمصان وآخر من البنطلونات ما يكفي حاجتي لمدة سنة، وتبقى معي أكثر من ربع المبلغ نقدا كمصروف لشاب أو فتى في ذلك الزمن.
لماذا المبلغ المشار إليه لا يمكن أن أقضي به اليوم عشر الحاجات التي كنت قضيتها به في ذلك الزمان ؟ ما الذي تغير ؟ هل تغيرت قيمة العمل أم تغيرت قيمة الدينار ؟
الحقيقة أن العمل أو الجهد في أي عمل ثابت وإنما الذي يتغير هو قيمة النقد أو العملة ... إن زيادة كمية النقد المتحصل عليها لقاء عمل ما لا تعني أبدا رفع قيمة الأجور عن نفس العمل أو الجهد وإنما تعني خفض في قيمة العملة أو النقد، هذا ما حصل مع قيمة النقد اليوم التي انخفضت عن قيمتها في عام 1968م، بحيث بات دينار اليوم لا يتعدى 10 إلى 20 بالمئة عما كانت عليه قيمته في ذلك الزمان، وانخفضت قيمة بقية العملات الأخرى بما فيها العملات الدولية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي.
إذا كثرت المال والنقد المتداول اليوم لا تعني أكثر من كلمة تضخم في أغلب الأحيان ..!
من هنا تبقى السيطرة للبنوك المركزية وعملاؤها من البنوك والمصارف الأخرى الذين يحتكرون توجيه دورة المال والنقد ويحددون حجم النقد المتاح والمتداول، وينفردون في التحكم بقيمة الأجور وتحديد ثمن السلع المختلفة، حيث تبقى السيطرة السياسية والإقتصادية المطلقة لهم على رأس المال وعلى السلع وعلى قيمة العمل وعلى السياسة في نفس الوقت...!
إذا زيادة حجم النقد المتداول في السوق بين أيدي الأفراد والمؤسسات لا تعني بالضرورة زيادة وتطور ونمو في الإنتاج دائما وإنما يضاف إلى ذلك نسبة معامل التضخم التي تزيد حجم النقد المتداول وهي على حساب القوة الشرائية للنقد، الذي لا يقابله إنتاج جديد أو بذل جهد جديد، فيبقى الجميع أسرى لسيطرة رأس المال المحلي والدولي الذي لازال يهيمن عليه الدولار الأمريكي وصناعه، والذي لا يتوفر على التغطية الذهبية منذ أوقفت الولايات المتحدة تعهدها بذلك في بداية سبعينات القرن الماضي.
من هنا علينا أن نفكر في الكيفية الواجبة للتحرر من سيطرة رأس المال وأدواته المصرفية والبنكية محليا ودوليا..!
هنا علينا أن ندرك أبعاد الحرب التجارية الجارية اليوم بين الإقتصاديات الدولية الكبرى خصوصا بين الصين والولايات المتحدة واوروبا وكوريا واليابان ودور النقد فيها، ومدى أهمية البحث عن عملات موازية للدولار الأمريكي الذي يمثل أهم وحدة احتساب نقدية في التجارة الدولية والقروض الدولية لغاية الآن وهو لا يتوفر على تغطية ذهبية.
إن التضخم في حقيقته أداة مهمة للإستمرار السيطرة على إقتصاد الأفراد وعلى إقتصاد الدول وإستمرار هيمنة رأس المال وبنوكه ومصارفه على تحديد ثمن السلع وتحديد قيمة العمل بحيث يبقى الإستغلال للعمال والموظفين والمنتجين الصغار قائما...
هلا أدركنا كيف كان لمبلغ أربعة وعشرين دينارا في العام 1968م قيمة تساوي أو تزيد عن مبلغ مئتين وأربعين دينارا من نقد اليوم ..!
د. عبد الرحيم جاموس
27/05/2020م
[email protected]