قصة قصيـــــــــــــــــــــرة
الفرح تحا صره الجماجم
"عندما يخيم وجوم على اعماق كانت تتهيأ للأبتهاج، تتأهب الأ شياء الحنونة بداخلها للدفاع ".
إحساس سيطر على ألآستاذ مصطفى عبدالعزيز وهو يستعد لإستقبال لحظة كان ينتظرها منذ زمن .الرجل في هذه اللحظات يتاهب لعقد قران ابنته الوسطى ريم طبيبة ألأسنان الواعدة من بين ثلاثة صبيا كالورود ، وصبيين يافعين. احاسيس متضاربة تعتمل في قلب الرجل بعد انقضاء صلاة العصر. مسجد الحي هوالمكان الذي ستجري فيه مراسم عقد القران. ترتسم على ملامحه علامات الفرح والكدر في آن معا، تعلو وجهه حيرة غامضة، يداريها بابتسامة فاترة . يتصفح الوجوه . يتبادل التحايا، يكررها عدة مرات مع نقس ألأشخاص وكأنه نسي الوجوه التي أستقبلها منذ هنيهة. يمعن النظر إلى خطيب أبنته ريم ، كأنه يحاول أكتشاف أشياء مختفية خلف شخصية وحضور هذا الشاب الذي سيغدو صهره. تكتمل حلقات المدعوين والحضور عقب صلاة العصر. يسود سكون ألإحترام الذي يصاحب هذا النوع من المناسبات قبيل إنطلاقها. يستلم المأذون المستندات الرسمية من الطرفين. أنتابت ألأستاذ مصطفى مشاعر متضاربة. احس في أعماقه بخواطر الفرح سرعان ما تتراجع امام سيل جارف من المخاوف.
على نحو مفاجيء رن هاتفه مما نزع قليلا من الهدوء الذي كان . أسرع إلى إقفاله وقد عرف مصدر ألإتصال . نفس الرقم يعيد ألإتصال . يقفل الهاتف نهائيا غير أن وجيب القلب صار كأ صوات ألإنفجارات التي تهز أرجاء الحي بين الفينة وألأخري. فيما ينهمك الماذون في تدوين بيانات العقد ، كان ألأستاذ مصطفى يتصدى لهموم لم يعهدها من قبل خاصة وأنه في لحظات يستقبلها ألأباء بحبور يصاحبه القليل من الخجل النبيل. يبقى الهدوء سيد الموقف وسط المسجد إلا من بعض الوشوشات هناك وهنا في إنتظار ما سوف يدلي به ألمأذون.
(2)
أنقضت لحظات ألإنتظار. شرع المأذون في قرأة البسملة . سرد تفاصيل العقد . يتذكر ألأستاذ مصطفى اللحظات التي كان قد عاشها في زمن قد مضى اثناءعقد قران ابنته البكرمنذ ثلاث سنوات. يتوقف المأذون بعد الدعاء للزوجين بالذرية الصالحة والحياة الهانئة معلنا إتمام مراسم المناسبة الشرعية. تبادل وكيلا الزوجين التهاني والمباركة.فيما يتم توزيع المشروبات والحلويات .تعصف مشاعر متضاربة بالأستاذ مصطفي وهو يتلقى التهاني. تصطره هذه المشاعر المتضاربة إلى فتح هاتفه وكان قد اضطر لقفله مكرها ومتجاهلا تلك المكالمات المتكرر. لم يستطع التخلص من الهواجس . قلبه الخافق بالود والرضا بهذه المناسبة السعيدة. تأسره أحزان تنغرز في أعماقه كألأشواك. فبالرغم من أن المشهد يمثل إ طلالة إشراق، إلا أن ألأستاذ مصطفى تكدر صفو أعماقه ما يبدو كسوف شمس.
أحد ألأصدقاء وهو يحاول فك طلاسم هذا التوتر الذي يرغم ألأستاذ مصطفى على ممارسة الفرح بشكل واجم ومفردات تفضح ما يتأجج في صدره لتبعث بسلوك وافعال تسري في كل جسمه.
همس الصديق مازحا ومجاملا: كل البنات هذا مصيرهن!
حاول ألأستاذ مصطفى الضغط على أحاسيسه وإخفاء البعد الحقيقي لظلمة الكسوف. أنخرط مبتسما مرحبا وشاكرا المحيطين به ممن حضروا تلبية للدعوة. غير أن هذا الصديق يمعن في التفتيش عن التضاريص الداخلية الواجمة لصا حبه. ادرك أنه ثمة لغز أو الغاز تجعل رجلا تتملكه هموم من نمط أستثنا ئي في لحظة كهذه. عندما التقى صديقان وكانا يستعدان للمغاردة وهما يقفان بالقرب منه تناهى إلى سمعه ما دار بينهما: يبدو ان مصطفى مهموما ولم يخبرنا بشيء عما يعكر صفوه قي هذه المناسبة!
:-لا.... لا أ ظن مصطفى قامة شامخة لا تهزها وأستدرك : لا تهزها إلا عواصف قوية! عندما أنفض الجمع أعاد ألإستاذ مصطفى السيطرة على ما يعتلج في جوانحه ويكسو ملا مح وجهه وهو يودعهم خشية خوض الفضوليين في تعقب أسرار هذه الشخصية المسكونة بحزن غامض.
(3 (
خرج وركب سيارته. لحقت به سيارت قليلة. انطلق نحو البيت مسرعا رغم ألإزدحام الذي يعقب مثل هكذا مناسبات . لم يأبه للرنين المتكرر لنقاله. "ياهذه النيران المستعرة"" احرق الوسخ الذي صار يتشعلق في الذاكرة وفي حاضر العقل". يحدث نفسه أو أنه يبحث عمن يكشف له. ثم أنخرط يوصف مبعث الوجع والحريق وهو يناجي نفسه: زهرة فواحة فطفتها يد قذرة . شابة طموحة تعكرت حياتها مبكرا مثلما تعكرت حياة الوطن. ياربي لا تجعل حياة ابنتي التي عقد فرانها ألأن مثلما سيحصل لشقيقتها مريم. لم يتوقف نزف الفؤاد حتى توقفت السيارة امام البيت الذي أرتدى حلة الفرح وغطت سوره ألأضواء من المولد الديزلي الذي أعتاد أن يتوسط الفناء الخارجي للبيت عقب هروب تيار الكهرباء من الشبكة العامة. أندفع نحو الداخل على عجل كأنه يبحث عن شيء أضاعه ويعلم أين سيجده، قابلته ابنته ريم التي عقد قرانها منذ لحظات وعلى غير عادته في هكذا تقاليد. أحتضنها بشدة، ليشعرها بما يمور في جوانحه، فيما أبنته مريم واقفة تحتضن بين ذراعيها طفلها ذي الستة شهور. يرتسم الفرح الذي أغتصبه الندم على صفحة وجهها . هذا الوجه الذي يتهيا بجرأة لغد مفخخ. بادلها الوالد نظرة قلقة مضطربة تطاردها مشاعره المكلومة رغم أجواء المناسبة التقليدية. حدق طويلا في أبنته وطفلها المحبور وهو يلفهما بنظرة طويلة مترعة بالمعاني. لم يفوته ان يذكرها بأنه لا يوجد طريق معبد. المشي وحده يعبد الطريق. استطرد بعد مد يديه ليأخذ طفلها من بين يديها:" يبدو انك تسرعتي في طلب الطلاق من زوجك يا مريم يا أبنتي! . اندفعت نحو أختها أحتضنتها بقوة مهنئة وعانقت والدها وقبلته في أنفه وهي تبوح بتحد يمنع حشرجة صوتها: لا تخف على أبنتك يا أبي، تم اردفت بقوة غير أبهة بالعواقب: لا.. لا.. يأ بي ياغالي إنه مليشياوي.. منذ النكبة لم يقدر ثقتك فيه، إنه صار وحشا . إذ ذاك ، وإذ ذاك فقط أدرك حقيقة العواصف التي كانت تنغص فرحته وسط عقد القران واحتار اصحابه في فك شفرة غموضه.فليس سهلا على والد ينتظر البث في طلاق إحدى بناته خلعا أمام المحكمة الشرعيىة من رجل أثبت فظاظة طبعه في الوقت الذي يستعد فيه لزفاف ألأخرى. سلمته هذه العواصف على نحو مفاجيء إلى فوضى عارمة أقتحمت بهجة البيت بزمرة سيارات مسلحة ترسل أصواتا كالكلاب البرية المسعورة. أتضح في اليوم التالي إنها لكتيبة مليشيات تسمي نفسها" كتيبة الجماجم".
فـــرج الجطيلاوي 19-2- 2019
الفرح تحاصره الجماجم بقلم:فرج الجطيلاوي
تاريخ النشر : 2020-05-23