ليلة القدر ..ليلة نزول القرآن والسلام بقلم:د.عبدالوهاب القرش
تاريخ النشر : 2020-05-22
ليلة القدر ..ليلة نزول القرآن والسلام بقلم:د.عبدالوهاب القرش


ليلة القدر ..ليلة نزول القرآن والسلام

في هذه الليلة المباركة انهمر فيض الوحي على قلب الرسول صلى الله عليه وآله إنها ليلة القدر في شهر رمضان .. تنزلت ملائكة الرحمة والروح بالقرآن .. رسالة السلام .. وبشير الرحمة. عندئذ خلد الله هذه المناسبة المباركة التي عظمت في السماوت و الارض .. وجعلها ليلة مباركة خيراً من ألف شهر.

إنها حقاً عيد الرحمة .. حيث تميزت عن غيرها من ليالي شهر رمضان بالهداية والعطاء القرآني، وبخصوصية ذاتية واضحة، حيث أشارت إليها الآية الأولى من سورة القدر { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }. بوجوه ثلاث :

الوجه الأول : اسناد نزول القرآن إليه تعالى، وأنه من فعله عزّ وجلّ، فيكون تعظيمًا لهذه الليلة بالتبع لعظمة القرآن.

 الوجه الثاني : نسب النزول اليه بالضمير دون التصريح، فيه دلالة على اهمية القرآن، ومنه تظهر اهمية هذه الليلة ايضا بالتبع.

الوجه الثالث : التنبيه على عظمة القرآن لعظمة الزمن الذي نزل فيه، وهي ليلة القدر. فكانت أهمية تلك الليلة لكونها موردًا لنزول القرآن الكريم، ويقدر فيها مصير البشر، وتعين مقدراتهم.

في تلك الليلة المباركة نزل القرآن كله على قلب رسول صلى الله عليه وسلم ، ثم نزل بصورة تدريجية طيلة ثلاث وعشرين عاماً .. لتأخذ موقعها من النفوس .. وليكون كتاب تغيير يبني الرسول صلى الله عليه وسلم به أمة وحضارة .. ومستقبلاً مشرقاً للإنسانية .

وتحتوي سورة القدر على مجموعة من الأغراض التي جاءت السورة لبيانها وترسيخ معانيها والتي تتوافق مع الغايات الكبرى التي جاء الإسلام بها، ويحققها البيان القرآني المعجز، وكان من أبرز أغراض هذه السورة والفكرة الرئيسة التي تفهم من آياتها، التنويه بفضل القرآن الكريم وعظمته لذلك أسند الله بدايته وتنزيله إلى ذاته العلي سبحانه، وفي سبيل إثبات هذه الحقيقة الرد على الذين يجحدون أصل القرآن ومصدره.

لقد افتتحت السورة ببيان أن القرآن الكريم قد أُنزل من قبل الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ فالقرآن كلام الله مُنَزَّل من عنده، وليس كلام بشر.. وهو رسالة نازلة من السماء وليست صاعدة من الأرض والواقع؛ كما يزعم الماديون ومنكرو الوحي.

وقد ذكر ابن عاشور أن من مقاصد السورة الكريمة: “التنويه بفضل القرآن وعظمته بإسناد إنزاله إلى الله تعالى. والرد على الذين جحدوا أن يكون القرآن منزلاً من الله تعالى”.

وإذا كان القرآن منزَّلاً من عند الله، وكلامَ الله، ورسالتَه إلى خلقه؛ فإنه مُتصِفٌ بما يتصف به المتكلِّمُ سبحانه من التنزيه والتقديس؛ فـ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت:42). وهو كتاب محفوظ من التبديل والتحريف والتناقض:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}(النساء82).

هذا ما يجب أن نعتقده في القرآن الكريم، بحسب سورة القدر التي تؤكد ربانية مصدره ومنبعه..

وإذا كان الأمر كذلك، فواجبنا مع القرآن الكريم هو الإيمان بكل ما فيه والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ وليس مجرد تلاوته باللسان تلاوةً لا يتبعها عمل ولا يترتب عليها سلوك..

ليلة القدر هي ليلة السلام هي ليلة الرحمة والعطاء ، فالله هو السلام ومنه السلام، إن السلام كلمة رائعة تغمر كيان الإنسان أملا وسعادة ورجاء والسلام هو الأمان من الخوف، والعافية من المرض والغنى من الفقر، إنه الصحة والثروة والرخاء.

ولعل هذا ما يجعل بعض العلماء يرى الوقف في السورة على كلمة “سلام”؛ فيكون المعنى: تتنزَّل الملائكة بالسلام (كما جاء في “زاد المسير” لابن الجوزي).

والسلام من الناس: بين بعضهم البعض، بحسب ما جاء في الحديث الذي أخبر عن رفع ليلة القدر بسبب تلاحي رجلين.

وهل ثمة زمان أكثر مناسبةً من ليلة القدر- فضلاً عن شهر رمضان كله- ليعم السلام صفوفَ المجتمع المسلم؛ حتى يعود متماسكًا قويًّا صافيًا؛ ومن ثم، قادرًا على مواجهة ما يُفرَض عليه من عقبات ومشكلات؟!

إن مجتمعًا تضيع قواه في منازعاته الداخلية، وشجاره المستمر بين أبنائه؛ لن يكون لديه متسع من الوقت أو الطاقة ليجابه أعدائه وليقاوم مكرهم وخططهم! ولهذا، فوحدة الصف شرط أساسي للانتصار على الأعداء..

وليلة القدر، وشهر رمضان عامة، هي أنسب الأوقات لإعادة تلاحم المجتمع المسلم من جديد.

بجانب هذا، فإن في التعبير عن مِنَحِ ليلة القدر وفيوضاتها بكلمة “السلام”، إشارةً إلى ما تمثله الكلمة في قيم الإسلام وأهدافه وغاياته.. فالإسلام رسالة رحمة وسلام للناس جميعا.. لكنه ليس السلام القائمة على هضم حقوق الآخرين وتزييف الحقائق؛ إنما هو السلام الذي يأخذ على يد المعتدين، وينصف المظلومين، ويمنع الجور أن يتفشى في عالمنا.

وما أحوجنا إلى أن نكون بسلوكنا وأفكارنا تعبيرًا عما يحمله الإسلام من رحمة وسلامٍ للناس جميعًا.. في زمنٍ عزَّ فيه السلام وكثر الشقاق.

د.عبدالوهاب القرش