قراءة خاطفة في قصيدة "تشتاق لك الروح" بقلم:محمد المحسن
تاريخ النشر : 2020-05-22
قراءة خاطفة في قصيدة "تشتاق لك الروح" بقلم:محمد المحسن


قراءة-خاطفة-في قصيدة"تشتاق لك الروح..ويسكنني الهيام..أنت البدء..وأنا الختام.." للشاعر الألمعي طاهر مشي

لشعر خطاب يتجاوز حدود الذات الضيّقة،ليعبّر عن هموم الجماعة قبل أن يصوغ أوجاع الإنسان في المطلق..ويبقى الشعر رسما بالحروف والكلمات..ينفتح على الرسم التشكيلي فيستعير بعض ألوانه وأشكاله ورؤاه الجمالية تشكيلا بصريا للكتابة الشعرية على بياض ورقة الكتابة..بعد أن تداعت الحدود بين الفنون فتداخلت التخوم..
تتثاءب الحروف..وتتململ الكلمات كي تتشكّل ابداعا شعريا يلامس نرجس القلب،وذلك في شكل فضاءات دالة على ما يشكل هذا العمل الشعري من عوالم إبداع..يتقاطع فيها وَجِدُ العشق بوجَع الحصار..
تتعدد المداخل إلى النص الشعري المعاصر وتتنوع،بحكم أنّه يبقى قابلا لأكثر من صورة تأويل،ومنفتحا على أكثر من شكل احتمال للمُمكن والتوقع للكامن.فمدار الإبداع عامة والشعر منه خاصة،بحث يسكنه الإرتحال إلى المجهول من الآفاق،والقصي من جماليات الكتابة ودلالات الفكر..توقا لتحقيق المغايرة للسائد الشعري..
وتبدو ملامسة تخوم الكون الشعري الذي تنحته -هذه القصيدة الرائعة للشاعر الكبير الطاهر مشي- مدعاة للتأمّل عبر عنوانها:"تشتاق لك الروح..ويسكنني الهيام..أنت البدء..وأنا الختام..،بإعتبار أنّ مثل هذا العنوان قد يختزل مُجمل العلامات الدالة على أسئلة متنه الشعري وجماليات صياغتها.فالعنوان،رغم ما يشي به-بعده المجازي-،إلاّ أنّه يُضمر كتابة دلالية تجعل منه أحد المفاتيح الأساس لفتح مغالق النّص الشعري،والكشف عمّا تبطنه من دلائل لا تخلو من علامات ودلالات يدرك معناها من إكتوي بلهيب العشق،في ومن تكلّست فيه المشاعر،
-نص ابداعي-تتوسّل به من أدوات كتابة سحرية،تبقى دوما متغيرة،ومتحوّلة من تجربة إلى أخرى،وحتى من نص إلى آخر داخل التجربة الشعرية الواحدة..فجوهر الإبداع تجاوز ينبغي دوما أن يدرك المدى الذي لا يُدرك،للكائن من الأشكال،والراهن من أسئلة الشعر..
أما المتن الشعري الذي يرسم معالمه هذا العمل الإبداعي وتحدّد المفيد من سماته الفكرية والجمالية في آن،فإنّه يقوم على تيمتين أساسيتين تشكّلان محوري القول الشعري،وهما -الحب والإشتياق..(..كلما اشتاقت لك النفس،أحلم بالفجر قليلا
فالروح متعَبة،تصغي لتنهيدة الليل..دون كلام..
والنساء اللواتي عرفت عناوينهن
مررن أمامي..
من غير إببتسام..
،محوران يتنوّع حضورهما داخل المكوّن الشعري،إذ تأخذ علاقتهما أشكال التوازي أو التحاور أو التقاطع.وقد وزّع الشاعر-ببراعة واقتدار-قصيدته المدهشة بينهما.
من الجدير –في هذه القراءة المتعجلة-أن نتبيّن معالم البنية الصوتية للتشكيل اللغوي في هذا الخطاب في محاولة لربط هذه المعالم بما لها من دور في إنجاز التجربة،وفي تحقيق قدرتها التأثيرية،فالملامح الصوتية التي تحدّد الشعر قادرة على بناء طبقة جمالية مستقلة (1)،والبنية الصوتية للشعر ليست بنية تزينية،تضيف بعضا من الإيقاع،أو الوزن إلى الخطاب النثري ( مستجديا بسمة من شفتيك، علها تعيد الروح..فروحي يهدهدها..المنام.) ليتشكّل من هذا الخليط قصيدة من الشعر،بل هي بنية مضادة لمفهوم البناء الصوتي في الخطاب النثري،تنفر منه،وتبتعد عنه بمقدار تباعد غايات كل منهما،وهذا يعني أنّ إرتباط الشعر بالموسيقى إرتباط تلاحمي عضوي موظّف،فبالأصوات يستطيع الشاعر أن يبدع جوّا موسيقيا خاصا يشيع دلالة معينة،واللافت أنّ هذه الآلية الصوتية غدت في نظر النقاد مرتكزا من مرتكزات الخطاب في الشعر العربي الحديث،وهذا المرتكز يقوم على معنى القصيدة الذي غالبا ما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر ما يثيره بناء الكلمات كمعان(2).
على سبيل الخاتمة:
قد لا أبالغ إذا قلت أنّي لست من الذين يتناولون المجاميع بأنامل الرّحمة ويفتحون أقلامهم أبواقا لمناصرة كلّ من ادّعى كتابة الشعر،إلاّ أنّي وجدت نفسي في تناغم خلاّق مع هذا الخطاب الشعري الذي فيه كثير من التعبيرية وقليل من المباشرة والتجريد يغري متلقيه بجسور التواصل معه،مما يشجع على المزيد من التفاعل،ومعاودة القراءة والقول،فكان ما كان في هذه الصفحات-المقتضَبة- من مقاربة سعت إلى الكشف عن بعض جماليات هذا الخطاب مربوطة بالبنية اللغوية التي عبّرت عنها،كما سعت إلى تلمُّس معالم الرؤيا في هذا الخطاب الذي تراءت معالم رؤياه -حب.إشتياق- تعاني وتعاين،تحلم تعشق وتشتاق(ليتك تعلمين..
فالوح..يسكنها الوجع..وتنساب دمعا..حين يحاصرها..االغمام..."
ولكنّها لا تهرب،بل تواجه بغير قليل من الصمود،وبغير قليل من المعاناة تماهيا مع وجدان تعتمل في داخله الأحاسيس وتحتدم المشاعر..ويعزف الحب لحنا بهيا يداعب الوجدان..
هل بقي لدي ما أضيف"؟
قد لا أضيف جديدا إذا قلت أنّ شعر الحب الرومانسي هو الأقرب الي القلب والروح والنفس ويؤثر في السامع أو القارئ، لانه يعبر عن المشاعر والاحاسيس بشكل راقي ومميز جداً، ولذلك اعطي الشعراء العرب القدامي والمعاصرين هذا النوع من انواع الشعر اهتماماً ومكانة خاصة جداً عن باقي انواع الشعر الاخري، لان كلماته واسلوبه الرائع تجعله محط الانظار والاعجاب في كل وقت، فما اجمل الحديث عن الحب والغرام والتغني به والتعبير عنه بكل الطرق الممكنة ..
وأول -شاعر- يذكرنا بشعر الحب هو الشاعر نزار قباني، الذي ملأ الدنيا باشعاره الرومانسية الرائعة التي رغم بساطتها إلا ان كلماتها واساليبها رائعة بحق،نالت اعجاب الكثيرين جداً وشغل الناس باشعاره الرائعة البسيطة الجذابة..وهاهو شاعرنا الفذ-د-طاهر مشي-ينسج على منواله..ويهيئ أرضا معطاء..تليق ببذار القصيد القادم..


محمد المحسن (شاعر،ناقد،كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين)

*ملحوظة: وجدت نفسي مضطرا..أن أنعش-القارئ الكريم بهذه القصيدة-المشتهاة..علّ يبتلّ حلقه بعد جفاف-رحيم-فرضه علينا شهر عظيم كهذا....



"تشتاق لك الروح..ويسكنني الهيام..أنت البدء..وأنا الختام.." (د-طاهر مشي)

الإهداء: إلى تلك التي آتتني من غرببة الصحو..ألبستني وجعي..ثم توارت في إزدحام الصباح..

(إبتسمي..ودعي الحزنَ لي..)

كلما اشتاقت لك النفس،أحلم بالفجر قليلا
فالروح متعَبة،تصغي لتنهيدة الليل..دون كلام..
والنساء اللواتي عرفت عناوينهن
مررن أمامي..
من غير إببتسام..
وطائر النورس..عانق زرقة البحر
ومضى في الأفق
يتبعه اليمام..
وأنا بين الضفتين،أستجدي ذاكرة
في ثنايا الوهم تلاشت..فتتبعني روحي..
ويغمرني الزحام..
دعيني سيدتي أطفئ جذوة جسد
يسكنه..الهيام
وأزرع في القلب نرجسة..تهيم عند الصباح وجدا..
ويغمرها في الأصيل احتشام..
هاأنا،سابحا في هواك
مستجديا بسمة من شفتيك، علها تعيد الروح..فروحي يهدهدها..المنام
وأأنا الركام..
أنا..ذاك الفلب..وقد فارقه.الغرام..
ليتك تعلمين..
فالروح..يسكنها الوجع..وتنساب دمعا
حين يحاصرها..الغمام
فأنت الكلام..أنت البدء
وأنا..الختام..

طاهر مشي