فايروس كورونا، عقابٌ إلهيٌ، أم مؤامرةٌ عالمية! بقلم:د. عبدالمجيد قاسم سويكر
تاريخ النشر : 2020-05-22
انتشار الأوبئة عمومًا ليس أمرًا جديدًا، بل هو أمرٌ حدث ويحدث؛ فقد كان الطاعون يضرب بلداننا بكاملها فيموت الآلاف، حتى أن الجثث كانت تملأ الشوارع ولا تجد من يدفنها، وقد سجل التاريخ مثل هذا في عصور مختلفة.
وفي التاريخ الحديث ضربت الأنفلونزا الأسبانية أوروبا ومات ما يزيد على الخمسين مليون نسمة، وكان هذا في العام 1918م، وصور المأساة موجودةٌ؛ يظهر فيها المواطنون الأوروبيون يسيرون في الشوارع بالكمامات، وقد قيل إن هذا كان في إطار الحرب البيولوجية بين البلدان المتحاربة في الحرب العالمية الأولى.
وفي العقد القريب في السنوات من 2008م وما بعدها، ظهرت بعض الأمراض كالسارس، وإنفلوانزا الخنازير، والجمرة الخبيثة، وقد ارتدى الناس الكمامات في الشوارع، وأذيعت التحذيرات، لكن هذه الأمراض لم ترق بخطورتها إلى مستوى كورونا الذي أصيب به في أمدٍ قصير أكثرُ من ربع مليون شخص، ومات منهم الآلاف.
الغريب في أمر كورونا أنه انتشر بشكلٍ كارثيٍ في البلدان الأكثر حضارة وتكنولوجيا وتقدمًا في كل المجالات ومن بينها المجال الطبي، فقد بدأ في الصين، وهو الآن متفشٍ في دول أوروبا، وخاصة إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وأسبانيا، وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية فقد انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي ترامب منطقة نيويورك منطقة كوارث بسبب المرض، لتتحول فيها المدينة الصاخبة بالحياة، والمعروفة بالمدينة التي لا تنام، إلى مدينة أشباحٍ، بينما نجد الدول الفقيرة في منأى عن المرض في أغلبها، فما الذي يحدث؟!
الأمر له تفسيران، أحدهما من خلال ما نقرأ، ونرى، ونسمع، والآخر ديني، أي من خلال عقيدتنا وما نؤمن به من نصوص الوحي، وكلاهما يمكن الربط بينهما؛ فنصوص الوحي غير منفكةٍ عن الواقع، بل هي تفسر الواقع وتنبئ بما لم يقع، والأمر يحتاج إلى التدبر، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".
فيما يخص ما نقرأ ونرى ونسمع ، فإن ثمة محاولة لاستبعاد نظرية المؤامرة، لكن الأمر لا يخلو من وجودها، وقد أشارت بعض المواقع العلمية إلى وجود هذه النظرية التي تشير إلى إمكانية أن يكون الفايروس قد تسرب، أو تم تسريبه من أحد المعامل، وبات خارج السيطرة، وأنه كان يعد كسلاح بيولوجي، وقد كانت النتيجة أن بات سكان الكوكب في عزلٍ قسري، وتم تعطيل كل شيء بما في ذلك تأدية شعائر الدين، وهذا معناه أن المخيف ليس فايروس كورونا الذي ستتم السيطرةُ عليه عاجلا أم آجلا، بل المخيف هو ما يتم التمهيد له ليحدث بعد ذلك، والخوف هنا لن يكون على أنفسنا، بل على أولادنا الذين سيعيشون بعدنا، فربما سيشهدون أمورًا هي أقرب إلى الأهوال منها إلى مجرد الكوارث!
وفيما يخص نصوص الوحي، فإن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد حذرا من ذنوب لها عقوبات في الدنيا تشبه العقوبات الجماعية، وهذه الذنوب هي الكفر، والربا، والفاحشة.
فأما الكفر، فإن ما يسير عليه العالم منذ الثورة الصناعية لا ينفك عنه بحال، فقد سيطر الفكر الليبرالي على العالم، هذا الفكر الذي يستند إلى المادية التي هي مرادف الإلحاد.
قال تعالى في سورة الرعد: "وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ".
والمعنى أن منكري وجود الخالق لا ينفك تاريخُهم عن عقاب لهم بالكوارث، تصيبهم أو تحل قريبًا من بلدانهم، وهذا ما يحدث الآن تحديدًا، حيث يضرب هذا المرض القاتل معاقل الليبرالية في العالم تحديدًا.
وأما الربا فقد حذر القرآن الكريم من مغبة التعامل به، وتوعد المخالفين بالحرب، قال تعالى في سورة البقرة: "فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ"، وما هو موجود اليوم أن الاقتصاد العالمي قائم على سعر الفائدة التي هي الربا بعينه، وكل المعاملات لا تخلو من الربا نتيجة استعمال النقود الورقية التي ليس لها قيمة في ذاتها، كما أن الدول فيما بينها، بما فيها تلك التي تنتهج نهجًا إسلاميًا في قوانينها الداخلية، تتعامل خارجيًا بالربا، وتودع أموالها بفائدة ربوية، وتقترض بفائدة ربوية، فصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمانٌ من لم يأكل الربا أصابه غباره"، وحق على الجميع الوعيد الذي توعده الله آكلي الربا.
وأما الفاحشة التي باتت حرية شخصية لدى دول الغرب فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منها، وذكر أنها بابٌ للطاعون والأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، فعن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" رواه ابن ماجة.
والشاهد من هذا الحديث قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا".
فظهور الفاحشة لا يحتاج إلى برهان خاصة لدى الدول التي فشا فيها كورونا، ومعظم الدول الأوروبية تبيح الفاحشة كما يباح الأكل والشرب، وتسن القوانين لذلك، وتجبر الدول على أن تحذوا حذوها في الكفر، من خلال إقرار مبدأ حرية الأديان في دساتيرها، وتعد ذلك شرطًا لقبول أي دولة في عداد الدول التي تحترم حقوق الإنسان، وفي الفاحشة من خلال إجبار الدول على إقرار مبدأ الحرية الشخصية والنص عليه في الدساتير.
فإذا ربطنا هذا بذاك، فإننا نكون أمام مؤامرة عالمية وعقاب إلهي في آن واحد، فالمؤامرة هي من أهل الكفر جنود الشيطان وجنود الدجال، قال تعالى في سورة النساء يخبرنا ويحذرنا وعيد الشيطان: "وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا"، فما يقوم به أتباع المسيح الدجال من تجارب الهدف منها تغيير تركيب الفايروسات، حتى أن ما ينتج من فيروسات نتيجة هذا التغيير تصدر به براءات اختراع، هو من قبيل وعيد الشيطان في قوله تعالى: " وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ". ولأنه لن يحدث في ملك الله إلا ما شاء أن يحدث، فقد جعل الله نتيجة الفعل عقابًا على ذات الفعل، وهذا هو العدل المطلق.
أخيرًا، فإن الأمر بالنسبة إلى أهل الإيمان مختلف، فهو من جهةٍ آيةٌ لهم على صدق إيمانهم، لأنه يريهم مغبة الكفر والإلحاد والفاحشة، ولأن نصوص الوحي تحذر من الكفر والفاحشة، ومن بينها ما هو صريحٌ في بيان ما سيحدث، فإذا حدث كان هذا تصديقًا للنص حتى ولو كان سنده ضعيفًا.
ومن جهة أخرى فما يصيبهم من هذه الأوبئة هو باب رحمةٍ لهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"، والمقصود بالمطعون الذي يموت من وباء عام مثل كورونا، فهو في مرتبة الشهداء، وفي الصحيح: عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرها: "أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمةً للمؤمنين، فليس من عبدٍ يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد"، وفيه أيضًا –أي الصحيح- "الطاعون شهادةٌ لكل مسلم".
عليه، فإن ما ينبغي على كل مسلم، على الصعيد الشخصي، التوبة من كل ذنب، والإقلاع عن المعاصي، وخاصة كبائر الذنوب، وعلى رأسها الربا والفاحشة، وعلى الصعيد العام فإن الأمر يعد سانحة لأن تعيد الدول الإسلامية قراءتها لأسباب التقدم، فليس من أسباب التقدم مسايرة الغير في كل ما يعتقد ويفعل، فالحضارة الغربية حضارةٌ وقتيةٌ ماديةٌ تزول بكارثة، فلا سبب بيدها قويًا لتصمد، وأن أسباب الصمود هي في التمسك بأهداب الحقيقة المطلقة التي تُلتمس في رسائل الخالق، وليس في أوهام المخلوق.
والله أسأل أن يرفع عنا الوباء والغلاء، وأن يردنا إليه ردًا جميلا، وصلّ اللهم وسلّم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
د. عبدالمجيد قاسم سويكر
كاتب وأكوديمي ليبي.