ركام بين السطور بقلم: روميسة سعيد بوصنينجة
تاريخ النشر : 2020-05-22
ركام بين السطور

تدقُ السَّاعة معلنةً هُبوبَ منتصف الليل، يلتمهني المرض منذ فترة، تحرقني نيران الحُّمى و جسمي يفقد كيلوغرامات كل يوم، لم يهدأ رأسي بتاتا و أخد قسطه من جسدي المرهق، لاشك كل مريض الآن يشعر بتقلباتي ...إحساسي بالتعب و العياء يتزايد و حتى شهيتي تجردك مني في هذه الفترة، كانت تلك أول أعراضي ...

قبل شهر من الحادثة ...
في لقائنا الأول علمت أن الأقدار تجيد الإبتسام بقدرها على العبوس في وجهك، و السعادة لها هُتاف آخر كان جميلا لاكنه لم يعرف حدودا، كنت تلعب دور المغناطيس و أنا بدوري برادة الحديد، كنت على قدر عال من الإقتراب و أتقنت الجذب و التَّمَلُكَ بأشد أوصافه، لقد تمكنت مني و كنت غارقة بكل تفاصيلي إتقانك للحب بشتى مفرداته مرعب و كلماتي باتت صماء أمامك ...
كانت تلك أيامنا البنفسجية تفوح برائحة الياسمين و كأنك في حلم جميل، تكسوه البساتين الخضراء المفروشة بالزَّهر،و الفراشات تعطيها حله صفراء ترقص رقصة الباليه فوقها، و العصافير تغرد بألحان موزارت و بتهوفن،كانت الطبيعة تملأ قِدر الحب بيننا و كان للنُّجوم في الليل شكل آخر و اليراعات المضيئة تزيده طمئنينة و تزيل الظلام من حوله، كانت لوحة جميلة ببراعة دافنشي .
سأستقبل واقعي و أترك الأحلام جانبا، مازال المرض ينهش أضعلي من بعدك، كانت ليلة أشد عتمة و كانت رؤيتي شبه منعدمة كان للظلام موطن آخر تكدس تفاصيلي المرهقة، لقد رميت بشتى أنواع التمزق على عاتقي تركتني أتخبط بين الألم و الوجع بعمق شديد، كانت ليالٍ قاسية فأنا لم أتعلم طرق الفراق و لم أدرك أساسياته و لا كيفية الصمود و المواجهة لم أتعلم كوني قوية بعد، كنت طعما سهلا للفراق لقد كنت بريئة ...
أضحى النزيف يُدفع بكل قوة على أنفي و فمي و غمرتني الكدمات ... نعم إنه السَّرطان ! كنت قد أمضيت أياما أغدو إلى المستشفى و قيل أني مصابة بسرطان الدَّم، نوع من سرطانات خلايا الدم و الأنسجة و قد كان مزمنا، لقد تطور ببطئ كيوم لقائنا و تفاقم تدريجيا في أيامنا البنفسجية، كنت على علم بإضطراباتي بالدَّم و لقنتني درسا كقتل عمدي .
ما أقربك أيها الموت و ما أكثرك جشعا !
كم لإختياراتك وقعا داميا و تعرف كيف و أين و متى تصطاد، لست مجبرا على اختيار القلوب الوردية الطيبة، كفاك فتكا بالأطفال ! لما لا تنتشل أُناسا أكثر عتمة و إبادة على هذه الأرض ؟ دع عنك أوجه الأنقياء و اترك دموع أمي إلى إشعار آخر ! .
ربما كان عليَّ التكاسل في اللَّحاق بأناس وجدو مواطنا أخرى للجوء، و كان علي التثاقل في المشي كما حالتي الآن من بطش المرض وراء أشخاص استنزفوا أجسادنا الهشة و سمحوا للموت للفتك بأرواحنا بسرعة .