العلاقات الأمريكية -الصينية خلال "عهد ترامب" بقلم: لينا محمود العواودة
تاريخ النشر : 2020-05-21
بقلم: لينا محمود العواودة.
طالبة دراسات عليا - جامعة الأقصى - غزة.

في ضوء التوتر الذي تشهده العلاقات الأمريكية- الصينية، خاصة مع تبنى إدارة الرئيس دونالد ترامب نهجا متشددا للغاية إزاء التعامل مع الصعود المتنامي لبكين على الساحة الدولية، ومحاولة فرض مزيد من الضغوط عليها، سواء فيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين البلدين أو بالتطور التكنولوجي الصيني.
يجدر الإشارة هنا إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين خلال السنوات الأخيرة بدأت بالاحتواء في عهد "باراك أوباما "،إلا أن ذلك قد اختلف مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، حيث حاول توجيه ضربات قوية للصين تمثلت في فرض الضرائب الجمركية ، وجهود دبلوماسية كبيرة لمنع اعتماد تقنيات صينية في دول أوربا مثل الجيل الخامس "هواوى 5"،علاوة على وضع تدابير لمنع شراء التكنولوجيا الأمريكية من قبل جهات صينية ،وتدابير لوقف استثمارات صينية في الولايات المتحدة الأمريكية ،بالإضافة الى الضغط على الحلفاء من أجل تبنى رؤية مماثلة للرؤية المتشددة الأمريكية تجاه بكين.
إن الولايات المتحدة تنظر للصعود الصيني على كونه عائقا في مواجهة الرغبة الامريكية في الهيمنة على الشئون العالمية خاصة في سياق اختلاف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولي، اذ ترفض الصين فكرة الهيمنة الأمريكية على شئون العالم، وتؤكد ان النظام متعدد الأقطاب هو النظام الأمثل لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية، وبذلك تختلف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولي، ومن ثم تحاول الولايات المتحدة عرقلة الصعود الصيني وتحجيم الدور الصيني العالمي وذلك من خلال فرض العقوبات عليها. لان التنين الصيني تمكن من بناء اقتصاد عملاق يكمن في ثناياه إمكانية واقعية لتهديد التفرد الاقتصادي الأمريكي بالعالم، وكذلك بسبب الإنفاق العسكري المتسارع للصين الذي يفوق إنفاق عدة دول مجتمعة، وكذلك سرية برامجها العسكرية، والمشروع الصيني الاستراتيجي "طريق الحرير".
إن السوق الداخلي الاستهلاكي الأمريكي ،وهو أكبر سوق بالعالم ،سمح للصين بهذه القفزة النوعية ،فلا يمكن لأى دولة في العالم ان تحل محل الولايات المتحدة الامريكية بالنسبة للصين ،لكونها اكبر قوة استهلاكية في العالم ،وصاحبة اكثر التكنولوجيات تقدما ،فلا نرى ان هناك مصلحة للصين للإضرار بسوقها الاستهلاكي في الولايات المتحدة ولا أن تضعف قوة مستهلكيها على شراء البضائع الصينية ،والخلاف الصيني الأمريكي منذ عامين ،كان لرغبة ترامب بإبعاد المستهلك الأمريكي عن شراء البضائع الصينية بزيادة الضرائب عليها ، ،وقابلت الصين هذا الاجراء بفرض ضرائب على البضائع الامريكية مما الحق خسائر اقتصادية بالعديد من الشركات الامريكية والصينية ،لم يدم الأمر طويلا بسبب حاجة كل طرف للآخر .
فقد جرى التوقيع على اتفاق المرحلة الأولى من الصفقة التجارية بين بكين وواشنطن في الخامس من يناير ،وبموجب تلك الاتفاقية وافقت الصين على زيادة مشترياتها من المنتجات الأمريكية ،وتخفيض الضرائب التي فرضتها الولايات المتحدة على البضائع الصينية ،ورأى الرئيس الأمريكي ان تلك الصفقة ستسمح للولايات المتحدة بتخفيض العجز الكبير في لتجارة الثنائية مع الصين .وقد أدت الحرب التجارية مع الصين إلى صدمات كبيرة للأسواق العالمية ،فعلى الرغم أن الاتفاق التجاري مع الصين يمثل خطوة كبيرة نحو انهاء الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة ،إلا أنه لا تزال هناك العديد من الجبهات الأخرى لم يكتب لها النهاية إلى الأن وذلك لأن القضايا الخلافية بين بكين وواشنطن متشابكة ومعقدة ولها أكثر من وجه ،وتتداخل فيها مؤسسات مختلفة بين البلدين وترتبط باستراتيجيات كل منهما على المستوى الإقليمي والدولي .
وفى ذروة التنافس التجاري والعقوبات المتبادلة بين الصين وأمريكا، ظهر فيروس كورونا في ديسمبر/2019 في الصين وتحديدا في مقطعة ووهان، المعقل الصناعي الأضخم في الصين، متسببا في انخفاض كبير في الإنتاج نتيجة الإجراءات التي فرضتها السلطات في محاولة للحد من انتشاره وتقليل الخسائر لكنها أخفقت في محاصرته وهو ما تسبب في انتشاره في أغلب الدول ومنها الولايات المتحدة الامريكية موقعا خسائر كبيرة في الأرواح والاقتصاد.
ولا جدال في أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متخبط في الكثير من التصريحات حول الكثير من القضايا وأبرزها فيروس كورونا الذي تحول إلى وباء.
والأمر ينطبق على تعاطيه مع الصين منذ الإعلان عن انتشار الفيروس. من الحديث عن ان كل شيء بخير والصين تسيطر على الوضع إلى اتهام بكين بنشر الفيروس والتقصير في مواجهته وايصال العالم إلى ما يعيشه اليوم.
فما الذي تغير ولماذا بدأ ترامب يهدد ويتوعد الصين على خلفية كورونا؟؟
إن تفشى فيروس كورونا في الولايات المتحدة شكل ضربة قوية جدا لترامب وأجندته الداخلية التي بنى عليها للترويج لإعادة انتخابه نهاية هذا العام. فالاقتصاد الذي يمثل القوة الأساسية التي يعتمد عليها تعرض لهزة تاريخية مع توقف الأنشطة الاقتصادية.
لكن كورونا ليست السبب الوحيد ، فتشير الأرقام إلى أن الدين العام ارتفع في عهد ترامب أكثر من 2 تريليون دولار خلال ثلاث سنوات .هذا الارتفاع في الدين من أسبابه الرئيسية التخفيضات الضريبية التي منحها ترامب للشركات الكبرى ،إضافة إلى زيادة الإنفاق العسكري بشكل هستيري ،وكذلك محاولة اختلاق ترامب لعدو خارجي مثل الصين ، التي أصبحت المنافس الاقتصادي الأول لأمريكا ،وذلك بهدف عزلها ونبذها دوليا وفرض عقوبات اقتصادية عليها ،ومحاولة إرغامها على دفع تعويضات باهظة تحد على المدى البعيد من إمكانيات تطورها الاقتصادي .وإلى جانب ذلك لا يغيب واقع أن الاقتصاد الصيني بدأ يتعافى ويستعيد قوته بعد السيطرة على فيروس كورونا ،بينما يتلقى الاقتصاد الأمريكي الضربة تلو الضربة ،مما أفقد ترامب أعصابه .
فالصين تسعى لتعزيز موقعها في جميع انحاء العالم وتستخدم ثروتها لتكريس نفوذها، اذ تعهدت بتقديم عشرات الملايين من الدولارات لصالح منظمة الصحة العالمية، بعدما أعلنت حكومة الولايات المتحدة أنها ستجمد تمويلها الخاص للمنظمة، فدخول الصين على خط المساهمة في تمويل منظمة الصحة العالمية في هذا الوقت ليس دليل على حسن النية، بل هو مؤشر انها تريد أن تقول عن نفسها أنها المنافس الأول للولايات المتحدة.
يبدو أن التصعيد تجاه الصين سيكون محور أداء ترامب في الفترة المقبلة حتى موعد الانتخابات، لكن إلى أي مدى قد يصل تصعيد ترامب؟ وكيف يمكن ان يكون رد فعل بكين؟ عوامل كثيرة على رأسها تطورات كورونا ستحدد الاتجاه.