شالً وأوراق بقلم:محمود حسونة
تاريخ النشر : 2020-05-21
شالً وأوراق بقلم:محمود حسونة


1-اسم الله!!
حين نحتفي بمن مروا بنا، وطرحوا السلام، حين تلتقي عينان تفيضان حلاوة، وقفير نحل في صدري يطنّ بالحنين… حين تتناسق ألوان الفساتين، وألوان أقلامي وقمصاني !!
حين يتيبس الكلام، ويصير صورا ووردا وتنهيدة
حين يعانق عطر ابتسامة لها، أزهار قصيدة على تفعيلة بحر
بلا ميناء!!
غمزت بعينها وقالت أريد بحرا أكثر هدوءا، أريد بحرا:
ككوب ماء مثلج، أرتشفه رويدا رويدا
كسهرة ليلية نشرب نبيذا بطعم أغنيةأو حكاية غرام
كمشوار ليلي في شارع آخره مغلق...
كحبة مانجو مقشرة… كرشقة مطر في الصيف...
سأكتب لك بالبحرالذي تريدين، فكل بحر من البحور سيأخذني إليكِ...
يا اسم الله، ماذا أفعل ببحر آخر يعلو ويتمدد بيننا ويبعدنا،
ويطيل الغياب؟!
لا يهم، فلا شيء بعد قلبك!!
*هناك فرق!!
لا أستغرب لو أنّ صورة لها تحصد أكثر من ثلاثمئة إعجاب، وقصيدة لي تأخذ أقل من عشرين...
هنا فرق بين قصيدة الله وقصيدتي.

2-صلاة القصيدة!!
لا تدع أحدا يسوقك مع القطيع.. اهرب مما يعجبك بعد أول مرة، اكتب وارسم ما تشتهي، ولا تخف من الدهشة في عينيك وقلبك، اطعن الكلمة والقصيدة اجعل دمها يسيل!!
ولأنّ في كل ساعة جديد؛ فلا يغرنّك لحن، فتغنيه أكثر من مرة مهما كان جميلا!
لاتؤمن بقيصدة لا تغسل قلبك، قصيدة تأخذك لأعلى الجبل
وتقفز بكِ من فوق، قصيدة تدمي أصابعك، وتتركك في آخر حرف كالقتيل!!
اكتب بمخيلتك ولو قال عنك العقل ألف مجنون، أدر ظهرك لهم!! اعتلي حصان القصيدة واركض واقطع النهر؛ ستناديك أصواتهم توقف يا مجنون، لا تلتفت، واضحك طويلا وأنت تقطع النهر…
يوما ما سيكتب أحدهم ولو بعد خمسين عاما: فلان أول من قطع النهر ولم يخش التماسيح…

3-ورق أبيض وقلم رصاص!!
ورق أبيض كضوضاء غامضة،وسائلٍ كالحليب، ضباب لزج وذاكرة صافية!!
سأكتب سطرا واحدا يلوّن هذا البياض، كأن يصبح رماديًّا… سأكتبه ولو بخط سيء...
كان لابد أن أرى وجهكِ!! ولأني طويل القامة كان عليّ أن أنحني، ولأنّي أكره الانحناء نظرت إلى القمر، وكنت أصدّق أنّه وجهك!!
الابتسامة واسعة فوق هذا البياض، والوشاح أزرق...
احترت في لون شعرك بين أسود ليلي، و كستنائي بارد!!
دقّت ساعة المنبه تعلن موعد نومي… واستراحة بين واقع حالم وحلم واقع، بين صحوٍ ومنام!!
لم أكتب كلمة واحدة!!
لأني رسمتك وردة!! أغنتني عن كل الكلام!!

4- كثيراتٌ ووحيدة!!
في مدينتي سمراوات كثيرات لكنك أنت الوحيدة؟!
أيّة حكايا هذه، التي هي عينيك؟! وما هذا الصخب حين أنظر إليكِ يجري في دمي؟! كان يحدث هذا معي أوقات الحروب!!
في مدينتي شقراوات كثيرات، فكيف اكتشفتكِ فجأة كابتسامة شاسعة وصرت أنتِ الوحيدة ؟! أشعر بكِ لصق القلب لكنك أنتِ البعيدة!!
أقرأ كفي كعرّاف أحمق يستجدي الطريق، يلاحق فكرة شاردة فيها بيتٌ، ونسمةٌ تعبره من الجهة الغربية كل مساء، جهة الغيم!! أيلائمك هذا البيت؟!
ستكون بوابته شمالية حيث الباحة، حيث تحطّ العصافير؛ فيكون الصباح أجمل فلا تراكِ سوى الطيور وأنا، وتفرح بكِ حارتنا الكئيبة!!
مَنْ سيمنعني لو أتقمص دور ساحر وأخطفكِ من هذا النص فتزداد الدهشة؟!
وسيبقى يتساءلون حيرى عن هذا الساحر، ولماذا اختاركِ من كل هؤلاء لتكونين أنتِ الوحيدة؟!

5-انتظار ولياقة أكثر..
في الطريق عجوز تضرب الودع، تحدثني عن وردة خجلى
علقت في منتصف الطريق، يكسوها الصمت والضباب وتخبئ العطور!!
العجوز هذه تحدس رؤية تحكيها لي بكلام جميل: هي وردة بريّة نادرة ، لم تسقها يد، سقاها الله ماء السماء، وأنتَ لا تعرف عنها الكثير، لا لون شعرها، ولا كيف تلائم شالها مع لون الفساتين كل ما تعرفه أن لها قلب كبير…
وأن هذا حدث لك فجأة، هكذا يحدث الحب أحيانا كرمية نرد!! والقلوب المتشابهة تتعارف، كأنْ تفتح نافذة مغلقة وفجأة تعانقك طراوة النسيم…
وما عليك سوى الانتظار الذي قد يطول، الحساد كثيرون لكنك لن تنسى ولن تنساك!
سيقولون لك: هي كبقية النساء، هي وهم واعتقاد… أنتَ من يميّز الأشياء...
مع هذا الغياب والانتظار، ستكون بكامل لياقتك، سترتب لها الكلام الذي ستقوله لها، كلام لم يسبقك إليه أحد… أو ترسل لها أفكارا جديدة لترتيب شالها فلا يطير ويبوح بسر لون شعرها، وكيف تعتني ببشرتها وعينيها الجميلتين وأزهار تزيّن شالها؟!
وحين يلحّ عليك الحنين وتسألها كيف السبيل الأخير إليكِ؟!
تقول: دع قلبك يمضي حرا، لاتخجل اتبع قلبك وتعال إنه الدليل!!
ستهديها قلبكََ ستقول لكَ هذا لا يكفي، كيف تهديني ما هو لي؟!
أريد شيئا آخر كأن تردد اسمي أغنية مع كل صباح!!
ك ان يُ ح ب ك.

6- هنا وُلدت...
هنا وُلدت في هذه البقعة الصغيرة… في مخيمي الفريد، بجانب البحر الأزرق، مُلهم وعيي المبكر على بصمات الجريمة!!
وُلدت مستعجلا بين تنهيدة وشهقة حلم مفزع... بين حَيارى تائهين… علموني- ربما عن خطأ - أنّ جميع الناس طيبين!!
وصوت الزمن كعصا غليظة تُعلن كلّ لحظة عن موت مباغت!!
هنا كان مسقط رأسي مع قمر حزين، وأمل ضيّق مأسور، ورسومات على الجدران تمزقت… وجراح عميقة في الهوية و الصوت والخريطة…
هنا كان مسقط رأسي مع بعض الطعام وبعض الهواء وقليل من عُمْر الأصدقاء!! وعصافير غزلت أعشاشها على خشونة الأغصان!!
مع خطوات صغيرة أدمتها شظايا المكان… تحت مزاريب المطر، مع أخوة الورد، وخيمة من نار!!
أحمل أمانة الراحلين وقلب أبي وقلب أمي… وأُشعل حطب اللغة مع كل ذكرى...
أهدي من هنا السلام… سلام من قلب المخيم الراجف المقيم على حافة الكون ولا يشعر به أحد!!

7- أنتِ فيه أيضا!!
أقول لكِ: أنّ قلبي يختبئ في الجهة اليسرى من صدري كلغمٍ مذ عرفتكِ، وأؤمن أن هذا كله من صنع الله!!
أتنقل به من مكان لمكان، وهو بوضوح يردد اسمك، أما دمي فيركض كمجنون!!
خجلي يمنعني أن أزور طبيبا وأسأله عن هذا السر!! وأشكو له كيف يمكن أن يتحول مَنْ نحبه لقاتل؟! ثم إنّي أخشى أن ينزع الطبيب الفتيل!!
فيفقد قلبي صوابه ويصير له جناحين وإليكِ يطير، وتصير حكايتنا إشاعة، يكتبها شاعر في قصيدة رديئة!!
ثمّ كيف يمكنني أن أعيش بلا قلب؟! ومَنْ سيعيدني من موتي لأرى ما سيحدث، وأطمئن عليكِ؟!
أنا في سفينة تكاد أن تغرق، لأن ربانها يحمل في صدره قلب ملغوم هو قلبي!! عليّ أن أصحو قبل الغرق!! أو أن أنزع قلبي ولك أقذفه!!
يصيب خيالي الغرور، وأنا أقرأ كلمات كهذه كتبتها عن حلمي!!
فأمحو كل ما كتبت، لأكتب عن حلم جديد…
حلم أنتِ فيه أيضا!!

8- منطقة وُسطى!!
ظنَّ أن النسيان هدوءًا، فكان حريقا داخليّا ونار تشتعل…
ظمّأ وأشواكٌ، أشواق بعيدين، حمام يطير وغزلان تهرب…
على الورق، في حبر الأقلام، مع الشروق، وعلى الجدران، يراكِ رموزا وصورا في كل مكان!!
في المسافة بينكما يشقّ نهرا إليكِ يصل!! على ضفة النهر أميرة... سنبلة من أغاني الربيع، فراشة تحط على كتفه تعطره ثم تطير…
يجمع من المعاجم كلماتٍ لكِ ومن فرحتها تطير فوقه ثمّ تنهمر كأنه تحت شلال ماء يغتسل!!
يكتبكِ حكاية تغنيها القرويات في طريق النبع مع ناي رعاة، وهوعازف الغيتار… أصالة وملامح بريئة وعند عيناك يتوقف ويتردد…
يسعفه ابن منظور، يُصحح لسانه: عينان جسورتان، عينان جنتان، عينان تزغردان و تناديان… صدّق أولا تصدّق أنّ لهما سبعين اسما ووصفا … وفي الوردة الحمراء يلتقي الوجهان..
ويسأل الفؤاد كيف تركَتْ فيكَ كلّ هذا الأثر، وكيف محت حزن عينيكَ ونثرتْ عليكَ ندى وعطرا؟!
يسمع طرقا على الباب وصوتا ، فيسرع إليه... يكتشفُ أنّ مَنْ يطرق الباب هو، لكن الصوت صوتكِ أنتِ!!
يشرب كأسي نبيذ وشريط حبوب منوّم، ويذهب إلى فراشه لكنه يسهر ويكتب لكِ أكثر… يسمع طرقا جديدا على الباب، وصوتا ينادي، إنه صوتكِ!!
يحاول أن يتراجع، و كأنه في حبك يتوغل!!
يحبك في السَرحان، مع الشروق وعلى الورق، مع الغروب وعند النهر!!
يحبك في الحضور وفي الغياب، ومع النسيان أكثر وأكثر!!

9- ذاتَ ليلٍ!!
لو التقيتكِ بعد طول فراق وانتظار، وقَصُرت المسافة وصارت أقل من ذراع
سوف أسكت عن الكلام المباح... وأطيع من يدّعون أن البوح ضعف وحرام، وأن الكتمان جلال ووقار!!
لن أجادل هؤلاء الرهبان المقَنَعون، مَنْ يهربون إلى الوراء،
مَنْ يظهرون كقدّيسين وفي الخفاء يصاحبون الشيطان.
يكفيهم أن يتوزع فيهم الكتمان، هلاوس وشعوذات، ووجعا في المفاصل، وسعالا ناشفا، وضيقا في الأنفاس، لو أطاعهم أحد لما سمع قصيدة حب، ولا طرب لأغنية، ولا نحت فنان…
سأطيع الرهبان هذه المرّة
لن أحكي لكِ كم كلفني هذا الانتظار والفراق!!
لن أحكي لك كم غيمة تتبعتها بقلبي وحمّلتها السلام!!
ولا كم نجمة أحصيتها في ليالي السهاد...
يكفيني أنْ أُحطّم أجراس الرحيل، أطبق كفّي على عقارب الوقت، ليتوقف الزمان!!
أضع ذراعي بذراعك… ويصير أثر الحب طيران!!

10- حيّرني البنفسجيّ!!
حاولت مرات عديدة عدّ أزرار فستان معلمتنا…حين زارتنا أول مرة!!
لكنّ عيناي كانت تتراقص؛ فأرى الأزرار فراشات بنفسجية تطير!! أرى الأزرار وأنا والفراشات وهي وكل ما حولي يطير!!
أستخفّ جسمي وأركض وراءها… وراء الفراشات!! أريد من أحد أن يمسك بي ويجذبني!! أو يغمض عيناي؛ ليعود كل شيء كما كان!!
هربت إلى آخر الفصل... كلمات الكتاب المفتوح أمامي والأزرار تحوم وتطير!!
ألمحها تبتسم خِفية، وقلبي يدقّ ويدق، أليس في هذا العالم سوى هذه... أزرار فستان معلمتي؟!!
هذا ما سجلته يوما في دفتر ذكرياتي!!!
لنسترح قليلا يا أولاد، ثم سأحكي لكم حكاية، بائع الحلوى!!
مَنْ بائع الحلوى هذا؟! وما دخلي أنا بهذا الرجل البدين؟!
لماذا لا تحكي قصة أزرار فستانها؟! مِن أين لها؟! ومَنْ حاكه؟! ولماذا كل هذا البريق؟! وقبل كل ذلك لماذا تدع أزراره يتراقص ويطير؟!
ألحُّ على أمي بالسؤال عن أزرار…أريد أن أكتشف السر، أنا مشغول يا أمي بأزرار فستان بنفسجي له بريق!!
في اليوم التالي... استبدلت فستانها؛ فأثارت دهشتي من جديد!!
كان أزرار فستانها هذا اليوم أحمر كالكرز وأيضا يطير!!
كنت مشغولا بأزرار فساتينها!! كان لها بريق ليس كأيّ بريق وتطير!!
أكتب لها الآن أني كبرت وأسألها: هل تتذكرين يوما صبيّا مشاكسا حيّره ذاك البنفسجيّ والبريق؟!
بقلم:محمود حسونة (أبو فيصل)