العيد والبيداء بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2020-05-21
العيد والبيداء  بقلم: عادل بن مليح الأنصاري


العيد والبيداء

( عادل بن مليح الأنصاري )

في كل عام وقبل عيد الفطر المبارك تعوّد بعض الكتاب على استحضار البيت الشهير للمتنبي :

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

لا ضير في ذلك فنابغة الشعر يحق له أن يحلق بمكنوناتنا نحو هذه المناسبة الدينية السعيدة (أو من المفترض أن تكون سعيدة) , وربما يحلو للبعض أن يفتح حساب العام في مثل هذا اليوم , وربما أيضا لأنها أيام شُرّعتْ للفرح والأكل والتزاور ولبس الجديد وزيارة الأهل والأصدقاء ويتم فيه التواصل كما لا يتم سائر العام , وقد تغنى العديد من الشعراء في العيد , ولكن بيت المتنبي هذا يتزعم المشهد لما فيه من تساؤل من قِبل المثقفين غالبا لأنهم يهتمون بملاحظة التغيرات في مثل هذا اليوم وبنكهة تتقلب بين التهكم حينا , والعتاب حينا , والحزن أحيانا , وكأن الفرح والرخاء أصبح حلما عربيا بعيد المنال , هل من حقنا أن نقول أننا نشهد انحدارا في الكثير من مناحي الحياة العربية كل عام , هل هذا هو السبب الذي يطلق شرارة البيت العبقري في مخيلاتنا كل عام ؟
هل يمضي بنا العام نحو أمل جديد بعيد أفضل , ونتفاجأ بأنه أسوأ من الذي قبله ؟
هل يحق لنا "ولأول مرة" أن نكمل بقية الأبيات التي تغرينا بالظهور هذه المرة :


عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ

أما بقية الأبيات فلعمري لها وقع بأية حال سنذكرها !!!

لأول مرة يعيش هذا الجيل تجربة العيد وبهذه الحاله الغريبة يعودنا , فالأحبة كرونا دونهم , وأقسى سهامه تصيب قلب الطفولة التي لا تدرك معنى الحجر ومعنى وباء ومعنى أن تُحبس في المنازل , فلا حلوى ولا زيارات ولا ثياب جديدة , طفولة ستتجرع بيت المتنبي وقسوة البيداء رغما عنها , وحتى دون فهم لعالم الكبار القاسي , لن تقنعهم تبريراتنا وسيلهبون قلوبنا بنظراتهم وتساؤلاتهم التي لا نملك جوابا لها , أو حتى القدرة على إقناعهم بتقلبات الدهر وتغير الزمان , ستتغير الحال للأفضل قريبا بإذن الله , ولكن العيد هذا العام سيظل تحت سياط المتنبي ولن يغادر الذاكرة ردحا من الزمان .

عذرا أيها الأطفال , لقد خذلناكم , وتلاعب الكبار بأفراحكم , وبعيدكم , وبملابسكم الجديدة التي كنتم تحلمون بشرائها , قذفوا بأحلامكم بألوان الحلوى وأهازيج العيد ولقاء الأحبة في أتون صراعاتهم الغبية , لقد صنعنا لكم هذا العيد وقتا مشوها , وليالي موحشة , وأحلام صدئة , لو استطعتم أن تسألونا كما سأل المتنبي قبل قرون , عيد بأية حال عدت يا عيد , فلن نملك لكم جوابا إلا الصمت المخزي , نعم لقد عاد بالحروب والأوبئة والتمزق والخوف من الغد , لن نملك لكم جوابا , بل نملك دعاءً بأن يكون العيد القادم أبهى وأجمل , وأن تكون أوطاننا خالية من صوت الموت والتناحر والخلاف , لا نملك إلا الدعاء بأن تكبروا وتكونوا خيرا منّا , وتعدوا لأطفالكم أعيادا تليق بكم وبهم .