فلسطينُ السمراءُ أُمُّ العنبِ والزيتِ بقلم: نزار بدران
تاريخ النشر : 2020-05-19
فلسطينُ السمراءُ أُمُّ العنبِ والزيتِ

هوت السماءُ على الجبالِ

وتبعثرت كلُّ النجومِ

وعوت ذئابُ الليلِ

وانطفأ القمرُ

فبكت عليهِ الشمسُ وهي تغيبُ أخرَ مرة ٍ

في بحرِ يافا

هل ترجعُ الأيامُ كالأحلامِ عشقاً او شقاءً

ويعودُ أهلُ البيتِ صبحاً أو مساءً

يا سائلي عن دمعِ عينٍ لا يَكُفُّ وعن دماءٍ لا تجفُّ

مضى الزمانُ ولم نجد غير َالخيام ِ

وتهيمُ في وسَطِ الضبابِ، كنتَ وحدَكَ

لا بدَّ ان تجدَ الطريقَ إلى الإيابِ

 بعينِ جُرحِكَ

هل يئستَ منَ الحياةِ

لن تُمَدَّ لك الايادي

لن تُعانَ على النجاةِ

 لا تسكن القفصَ المُنمقَ بالسرابِ

 وتحرسَهُ الأفاعي

لا تبنِ بالصحراءِ عشَّكَ

فتسرقَه القوافلُ والكلابُ

يآ أيها العصفورُ من غصنٍ إلى غصنٍ تطيرُ

 ومن جبلٍ إلى جبلٍ تهاجرُ

ماذا فعلتَ لتأكلَ الغربانُ قمحَكَ

ويلدغُ الثعبانُ جنحَكَ

ماذا فعلتَ ليبتعدَ عنكَ القريبُ

ويكتوي منكَ الحبيبُ

صرنا كملحِ الأرضِ نعطيها مذاقَ البعدِ

صرنا كهاجَر تبحثُ عن مياهٍ لا تجدها

ما أكثر الداعين للسفرِ البعيدِ

والسارقينَ لقطعةِ الخبزِ الوحيدةِ

الهائمينَ بحب ليلى المَقدسيةِ

آه يا ليلى لماذا تضحكينَ

وتُشهرينَ رموشَ جَفنِك في وجوهِ الواهمين

الآملينَ بموتِ عيسى من جديد

ماذا حملتَ من الديارِ سوى هلالِ الليلِ

والصورِ القديمةِ

ومفتاحٍ له طعمُ الوطنِ

ماذا تركتَ سوى دمائِك والدموعِ

وحفنةٍ من زعترٍ أخضرَ

وعطرِ اللوزِ والسماكِ

وطعمِ الأرضِ والبيدر

هل زرتَ قبرَ أبيك يوم نُفِيتَ

وقرأتَ آياتٍ من القرآن

وتركتَ ماءً للحصان ليرتويَ

وكتبتَ فوقَ البابِ ممنوعَ الدخولِ

لغيرِ أهلِ البيتِ والأحبابِ

هل تذكرُ الأيامَ يومَ وُلدتَ يومِ كَبُرتَ

يومَ رأيتَ عيونَ ليلى أوّلَ مرةٍ

 عائدةً من النبعِ

تميلُ بخصرِها كالخيزُرانِ الغضِّ  هازجةً

يا بلادَنا يا امَّ العنبِ والزيتِ*

في بلادِ الغرايبِ كيف بدنا نبيت*

أنا المولودُ بالمهجرِ

وبيتي خيمةٌ زرقاءُ لا حجرَ ولا مرمرَ

وأمي تعجنُ الأحزانَ بالأملِ

ولا تبخلُ على الأطفالِ بالقبل

وننسى حينَ تحضُنُنا همومَ العيشِ

 خارجَ جنةِ الكوثرِ

أنا المهجورُ بالمهجرِ

تعلمنا من الأجدادِ والأباءِ

 بأنَّ الأرضَ تفرحُ حين نزرعُها

وتعشقُ لونَنا الأسمرَ

ولن تمضيَ إلى الغرباءِ

فطعمُ حقولِها لبنٌ ولونُ ترابِها عسلٌ

وسحرُ نسيمِها لحنٌ وعطرُ مسائِها عنبرُ

أنا المنسيُّ بالمهجرِ

وجدّي يحفظُ الأبياتَ والأياتِ

وينشدُ أغنياتِ الحقلِ والبيدرِ

 وصوتُ القمحِ يطربُهُ 

لا ينسى ولا يبكي ولن يصفحَ

 يناجي الليلَ في حيفا

 ويبحثُ عن طريقِ المسجدِ الأكبر

 أنا المسجونُ بالمهجر

مدرستي بلا قلمٍ ولا دفتر

وأكتبُ فوقَ وجهِ الليلِ أشعاري

 وأستاذي نبيُّ العلمِ والأضواء

  يبشرُنا بيومِ العودةِ القادم

  كشمسِ الصبحِ لا تُقهر 

 يا من أتيتم من وراءِ البحر ِ

بالسفنِ الصغيرةِ والكبيرة

وظننتم الأيامَ ترجعُ للوراء

هل تفهموا لغةَ الطبيعة، ما تقولُ الريحُ للأشجار

هل تسمعون النحلِ حين يداعبُ زهرةَ المرجان

 وتشاهدون ندى الصباحِ يخطُّ ضوءَ الشمسِ كحلاً

  في عيونِ الأُقحوان

  لن تصبحَ

 الاشياءُ أخرى والبلادُ بلادَ كسرى

 الديار ديارُ ليلى المقدسيةِ قبلَ أن يُولدَ الزمان

*أهازيج فلسطينيه
كاتب لاجئ فلسطيني