قصة قصيرة
الخيمة والمفتاح
تهتز الخيمة , العاصفة قوية في الخارج هذة الليلة , الريح تزأر كأسد جامح , يتكور خالد بجوار جدة ابو الفهد , فتى يافع لم يتجاوز الخامسة عشر من عمرة , قمحي البشرة , ذو شعر اسود وعينان بنية اللون , تبدو علية ملامح الرجولة المبكرة , يحرك جدة ابو الفهد النار بعصى في يدة , تزداد توهجا فترخي بعض الدفيء داخل الخيمة لتبعد قليلا برد هذة الليلة , وين العشا ياحجة , يتسأل الجد موجها كلامة لزوجة الحاجة فاطمة , يعدل جلسة , يبدو على ملامح وجهه علامات الزمن وأثار السنين وتكسوة لمحة من حزن دفين أضفي علية وقارا وهيبة , في السبعين من عمرة , ذو لحية خفيفة بيضاء , يضع على رأسة كوفية بيضاء يلف بها وجهه اتقاء للبرد القارص هذة الليلة , يتدثر بعبائة يضعها على كتفيه سود اللون , تأتي الحاجة فاطمة بصينية تضع عليها أطباق من الجبن والزعتر وبعض حبات من البندورة والفلفل الاحمر المطحون وصحن من البيض المقلي , ثم تأتيهم بابريق الشاي , يستند خالد يضع ابريق الشاي على الموقد , تريدون شيء أخر تقول الجدة , سلامتك اقعدي كلي , يقول ابو الفهد , مليش نفس ترد الجدة , يحاول خالد وضع أرغفة الخبر على الموقد لتسخينها , يقلبها بين اللحظة والاخرى , صمت مطبق يلف المكان الا من صوت الريح والمطر في الخارج وأصوات الرعد بين فترة وفترة , انتبة أن تحرق الخبز , يقول الجد مخاطبا حفيدة الذي يستمر في تقليب الخبز , يتناول الحاج ابريق الشاي من على النار ويبدأ في سكب الشاي في الاكواب , يتناول رغيف الخبز من خالد ويبدأ في تناول طعامة , يلحق كل قضمة برشفة شاي , صمت ووجون يعم الخيمة .
في الخارج لازال زئير الريح يتعالا , الخيمة تهتز بعنف تكاد أن تقلع الريح أوتادها , المطر يتهاطل وكأن السماء قد انفتقت , يتنهد الجد حين يقطع خالد هذا الصمت سائلا , سيدي ايش كنتو بتعملوا زمان في البلد لما تشتي الدنيا هيك , سؤال كأنة الطلقة , فجر نهرا من الشجون و شلالا من الذكريات وبركانا من الغضب في دواخل الجد, أطرق طويلا لم يرد , كل شيء يترأى أمام عينية كشريط سينمائي , البيدر , ليالي السمر في مواسع الحصاد , الجرن , مهرتة الشهباء , زيتونة الدار , الدالية التي تتعربش الجميزة في فناء الدار , الخابية , وفرن الطابون , المنزل الذي قضى فية أجمل ايام عمرة , صوت اولادة وضحكاتهم تتردد في ساحة الدار , صور لأحبة كانوا وما عادوا , حكايا الرجال حول كوانيين النار في ليالي الشتاء عن البطولات وتصديهم لجنود الانجليز وعصابات الهاجنا حين حاولوا الاستيلاء على أرض مرتفة بجوار القرية للشيخ أحمد السبع ليبنوا عليها قلبة , وكيف قاتل الشيخ أحمد ذو الستين عاما حتى سقط قتيلا على أرضة , تمر بذاكرتة مشاهد المسلحين من غرباء اليهود وهم يهجمون فجرا على القرية وجثث الرجال والنساء والاطفال والشيوخ تملء الازقة والحقول والارجاء , وصراخ يملء نواحي القرية التي اخذت غدرا قبل بذوغ الفجر والناس نيام , مشاهد تكاد تعصف برأس ابو الفهد حتى كاد أن ينفجر , هبت الناس من نومها مذعورة وأخذت تتراكض محاولة النجاة , نساء وأطفال وشيوخ يركضون في كل اتجاة يحملون ما استطاعوا من أغراضهم , منهم من يضعها على حمارة ومنهم من يضعها على ظهرة أو يجرها جر, أمهات يحملن أطفلا رضع , وأطفلا يمسكن بذيول أثواب امهاتهم , جريح على ظهر حمار يصرخ من الالم فتهتز الارض لصراخة , خراف وماعز ودواجن تتراكض في المكان وكأن الجيمع يحاول الهرب الى سفينة نوح اتقاءا من الطوفان , رجال قتلوا وهم يتصدون للغرباء الذي باغتوهم غفلة , تغرورق عينا ابو الفهد بالدموع , يتسارع خفقان قلبة , ينظر الى خالد , يمد يدة الى جيب في صدر عباءتة , يخرج بعض الاوراق , يمدها لخالد , خذ هذة كواشين طابو أرضنا التي احتلها الغرباء في القرية يقول أبو الفهد , وهذا مفتاح منزلنا هناك كي تفتح الباب حين تعود , حافظ عليهم يتابع ابو الفهد , يتناول خالد الاوراق ومفتاح الدار من جدة , يتفحصهم , يتكيء ابو الفهد بجوار الموقد , يشعر برعشة باردة , يسبل عيناة و يتمتتم بعض الكلمات , يغط في سبات عميق ويذهب الى عالم أخر .
مأمون هارون رشيد
1552020
الخيمة والمفتاح بقلم:مأمون هارون رشيد
تاريخ النشر : 2020-05-16
