وهل عاد زمن الفرسان ؟بقلم:فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2006-08-02
و هل عاد زمن الفرسان؟!

فادي فيصل الحسيني

بدا واثقاً هادئاً صلباً، يقول ما يعرف و يخفي ما يريد، يلقي خطاباً سلاساً مليئاً بعبارات رنانة لطالما أمتعت مسامعنا و روت ظمأ آذاننا لألفاظ المجد و العزة و الكرامة. لم يختلف السيد حسن نصر الله في قوة الخطابة و هدوء الأداء كثيراً عن أسامة بن لادن، و لم يخف الملايين إعجابهم بحسن نصر الله، كما فعلوا سابقاً مع أسامة بن لادن يتطلعوا أبداً نحو كل قادم و بارح و يتلفتوا صوب كل غادٍ و رائح و كأنهم يتحسسون أو يتمنون أو حتى يرجون الله أن يبعث بهم برجلاً يعيد هيبتهم، و ليستبدل يأسهم أملاً وبقلقهم و اضطرابهم أمناً و طمأنينة، و بشكهم إيماناً و بترددهم تصميماً و بخوفهم إقداماً، يتلمسون سنين العزة من خطابات تلفزيونية تحمل الكثير من ألفاظ القدم، و مرادفات العرب إبان عزتهم و مجدهم. لم يتبادر لذهن هذا العربي الطامح لمجد جديد أكان هذا الزعيم سنياً أم شيعياً، أكان محركه السياسةً أم الدين و الوطنية، همه أن يسمع ولو شيئاً مما قد يروي ظمأ سنين موحشة لم تشهد هذا البعث الجديد من جيل القيادات الإسلامية. أما هذه القيادات فباختلاف خلفياتها الدينية و العقائدية و حتى الاجتماعية، إلا أنها إجتمعت في شكل جديد و كأنه نموذج متطور من شكل القيادات الإسلامية و التي مما لاشك فيه أنها كما أثارت إعجاب الشارع العربي و الإسلامي، أثارت حفيظة الدول الكبرى في العالم.

أسامة بن لادن السني الذي ينحدر من أسرة أصولها يمنية غنية توطنت في المملكة العربية السعودية و أقامت مشاريع ضخمة تلقى دراسات علمية مميزة ، أما حسن عبد الكريم نصرالله الذي ولد في حي «شرشبوك»، حيث الاكثرية الأرمنية والشيعية في منطقة «النبعة»، أحد أحزمة البؤس في ضاحية بيروت الشرقية الشعبية والفقيرة. والده كان يبيع الخضر في الحي، ليعيله مع أربعة اشقاء وأربع شقيقات، كانت دراسته شيعية دينية بين لبنان و الحوزة العلمية في العراق و قم في إيران. فبكل هذه الاختلافات إلا أن الإثنين اجتمعا على تقديم نموذج جديد معدل للقيادة الإسلامية المتطرفة منها و المعتدل على حد سواء. هذا النموذج اختلف كثيراً عن النماذج التقليدية و التي مازلنا نرى العديد منها في يومنا هذا. فبدا واضحاً في هذا النموذج الجديد فهم عميق للسياسة الدولية و الإقليمية، و قضية الأحلاف و التوازنات الاستراتيجية، أما الخطابات المتلفزة فلا تختلف كثيراً في محتواها و تركيبتها و شكلها عن أي خطاب لأكبر رؤساء العالم فنجد واضحاً الرسائل الضمنية و الأهداف المعلنة و التهديدات المبطنة و التطمينات و غيرها من مكونات الخطابات المتلفزة أو الإذاعية. و تعدى الأمر ذلك ليعطي خطابهم صبغة فريدة بمفردات لغوية عربية أصيلة فيها القوة و روح التحدي مقدمين شكلاً مغايراً عن الخطابات الرسمية الشائعة منذ زمن ليكسبوا تعاطفاً و إعجاباً قد يتحول لأمر آخر بعد حين.

أفرزت الأزمة الأخيرة في لبنان و المناظرات التلفزيونية الغير مباشرة بين الأمين العام لحزب الله و رئيس الحكومة الإسرائيلي واقعاً لا شك فيه، فبدا واضحاً ثقة الأمين العام لحزب الله سياسياً و عسكرياً و نفسياً و إعلامياً مقابل تردداً و إحجاماً و فقراً سياسياً و عسكرياً عند رئيس الحكومة الإسرائيلي. ففي الوقت الذي ظهر جلياً هدف حزب الله من وراء أسر الجنديين الإسرائيليين، و هو الهدف الذي لم يتحرك قيد أنمله منذ تاريخ الأسر، نرى تخبطاً و تردداً و تراجعاً في هدف إسرائيل من عدوانها على لبنان حتى أن أقرب أحلاف إسرائيل بدأت تتحسس هذا التخبط، و لولا طبيعة الشعب الإسرائيلي المبني على قاعدة الحروب و الحفاظ على الكينونة، لأسقط الشارع الإسرائيلي هذه الحملة و نادى بالتفاوض منذ حين. لقد كان حسن نصر الله حذراً دقيقاً في اختياره لألفاظه و عباراته مقابل عجرفة و عدوانية مبالغ بها في تصريحات أولمرت الأمر الذي استدعى تدخل خبراء أمثال شمعون بيريز للانطلاق صوب أوروبا و أمريكا لتصحيح الأمور قبل أن يفلت زمامها أمام حنكة و براعة هذا العدو .

عقود طويلة مرت على شعوبنا بعد أن أجزمنا أنها غرقت في بحور النسيان، وتاهت بين عبرات السنين و ضاعت من قسوة الأزمان، و رفضنا مراراً أن نقف سداً في وجه أي شكل من أشكال الطوفان، و كدنا لنقسم أن زئير أسودنا لن يكون بعد الآن أكثر من أنات الآلام و عويل الأحزان، و إذا بفجر جميل ندي يعبق بعطر الأحرار، يشدو أعذب أنشودة عزة بصوت جميل رنان، لهذا القادم من أرض المجد ، أرض العز، أرض غسان و كنعان، ليترك العنان لعصر جديد يلد بدل الأسد ألف أسد و يخلق ملايين الفرسان.