ليلة سوداء بقلم: أمل عمر الشيبي
تاريخ النشر : 2020-04-14
#بقلمي: أمل عمر الشيبي


ليلةٌ كئيبةٌ كما سبقَها ولكنّها تختلفُ في حجمِ الألمِ، حجمِ الضياعِ الذي اعترى تلك الفتاة المنسيةِ على حافةِ الهاويةِ في ذلك الطريق الفارغ المنعزل في الزُّقاقِ، منطويةً على نفسها تقسو عليها عقاربُ الزمنِ، تصفعها عواصفُ الحقيقة
هي ليست وحدها بل كانت علبةُ السجائرِ رفيقتها، والإختناقُ ثالثهما، والظلامُ يلاحقها، والشتات يحتضنها
تائهةٌ هي في الطرقاتِ، لا تعرف للأمانِ سبيلاً، أسيرة في قبضةِ الماضي اللعينِ، مقيدةٌ بأغلال الحقدِ والكرهِ المشينِ، عاجزةٌ عن فك قيود يديها بحبٍ أمين
أثناء مسيرها برعونةٍ كانت تتجنبُ الذهاب لنفسِ الأماكنِ، ولكن كانت دقّاتُ قلبها تتسارعُ كلما رأت ركن ذلك المقهى الذي اعتادت الجلوسَ فيه مع ذكرياتِها واحتساءَ كوب من الشاي الدافِئ
ومن بين الزحام، صدر صوت ينادي باسمها، التفتت ببطئ ولكنّها لم تدرك مصدر ذلك الصوت وأكملت المسير، وصدر الصوت من جديد ولكن هذه المرة كان الصوتُ بداخِلها يهمس لها كفّي عن فعل ما تشائين بنفسِك، استفيقِ من غفلتِك
فأخذت تصرخ بهستيريةٍ، وتركض مع بكاءٍ شديد، ثم وقعت على الأرضِ جثةً هامدةً
راحت تغوصُ في عالمِها الآخر، كانت عاجزةً عن أدنى تركيز، ومن بين الغباشِ الذي اقتحمَ عينيها ظهرَ لها مصدرُ الصوتِ، أجل رأت نفسها تنظر إليها نظرات اشمئزازيةً استنكاريةً، وكأنها تحتقرُها على الحال الذي وصلت إليه، لملمت شتاتها وهمّت بالرحيلِ عن نفسِها
اعترضتها النفس وقالت :
- اهدئي، فلقد تعرفت عليّ فيكِ كما لو أنّي كنت معكِ قبل هذا العالم، نحن خالدتان منغرستان الواحدة في الأخرى كما لو كنّا بعضنا دومًا، ويومًا ما إن سقطنا سنسقط معًا وأنا لن أسمح بذلك، فأنا لم أعتد السقوط، أما أنتِ فأدمنتي على ذلك
= ما هذه الترّهات التي تقولينها ؟ وهل أنا مضطرة حقًا للحديثِ إليك ؟
- حقًا إنكِ من عالمٍ كئيبٍ، الى متى ستبقين تهربين منّي ومن الواقع، ارفعي الستار، قاومي، اشعلي ذلك النور الذي انطفئ، فأنتِ عمياء عن قيمةِ نفسك
= أنا متعبةٌ وداخلي تقام حملاتٌ تدميرية، احترقت ذاتي، وعقلي خانني جعلني أغرق في الوهم،كل ذلك من تلويث الواقع له
- فالنبكِ الآن، الأمر مؤلم، آذوكِ بما فيه الكفاية، أما آن لك أن تظهري ؟
= أنا فقط مدخنة مسالمة لا أؤذي إلا نفسي وتلك السجارة، فأنا قتلت كل عائلتها، وأنتظر منها انتقامًا بسرطانٍ لعين
- أصمتي واخرجي من هذا الظلام
= لا شيء مما ستقوليه قد يسعدني
- الألم في عينيك سيزول
= أنتِ تكذبين كل شيء قد هدم منذ أن ما يشبه الحب أفسدَ قلبي
- ترهاتك هذه هي من أفسدَت قلبك، أنتِ لا تستطيعين العيشَ بلا حب
= انا لا أجد مقابلاً للحب سوى طعناتٍ من الجميع
- إذا فلترعبيهم ولتَسكنيهم في نشوةِ الصّدمةِ
ولكن كيف ؟
أرقصي على أوجاعهم، ولا تخبريهم عنكِ بضحكةٍ عاديةٍ دعيها تخرجُ من القلبِ
=هل لي بسؤال ؟
- حسنًا تفضلي
= هل هنالك في هذا العالم شخص وحيد خلق من أجلي؟
- ربما ذلك ولكن ما أعلمه هو أنني الوحيدة التي لن تغادرك