فنون ما بعد الحداثة عمق المفاهيم وفجوة البحث عن الجماليات
منذ تمرّد مارسيل دوشامب، والفن بقيمه الجمالية يطرح نقاط استفهام حول البحث عن الإثارة والدلالة المُفرغة من عمقها الذي يكوّن المقصد في الفنون المعاصرة ورؤى ما بعد الحداثة في الفن، غير أن التعامل المقصدي مع تصورات دوشامب لم يكن ليحمل تحامله المفهومي على الفن ولا باحثا عن الكم وراء الإنتاج الفني بل خلّد رؤاه وفلسفته التي بدورها تداركت الفجوة حينها وأسّست للتجريب كروح باحثة وعين ناقدة لكل المسلمات الكلاسيكية واحتكار الفن وتقييده حسب قوالب تجاوزت دوره وحصرته في الصالونات وجدران القصور.

*أيمن بعلبكي

*علي حسون

*أيمن بعلبكي
إن الفن الحديث والفن المعاصر وفنون ما بعد الحداثة تختلف في التعبير والتوصيف عن المنجز الفني باختلافات المفاهيم التعبيرية فالفن الحديث هو المرحلة التي تستبق كل ذلك أو التي حرّرت صيغ الفن من قوالبها بالتجريب وبجرأة التعبير المُبالغ في ماورائياته وصنعت لها مسارات تأسّست على العلم والبحث وواكبت ثورة العالم ما بعد الحربين وأسّست للصورة واحتضنت ذاتها في الفيديو وهو ما خلّدها كمرحلة مهمة في تاريخ الفن الإنساني فكانت معاصرة للحظتها وانتصرت للذات أو الانسان والوجود ولذلك فإن فكرة الفن المعاصر هي الفكرة التي تعني لحظتها في واقعها وفي مرحلتها والفن المعاصر حاليا تجتمع فيه الحداثة وما بعدها.

بثينة ملحم
إن المنجز الفني المابعد حداثي ليحمل العمق في معناه، يحتاج إلى الابتكار بالجرأة التي لا تستثنيه من القيم فالتمرد ليس كسر حواجز الإنجاز والاكتفاء بالجاهز والقالب والتحرّر من الخامة الفنية بل هو التجريب المستند إلى منافذ الابداع التي تميّز الفنان من الانسان العادي، فالفنان المتمكّن من أسس الفن لا يحيد عنها بالتجريب ولا يقدّم الفن المُسقط على العالم الفني والمبالغ في تشويهه لأن الفنان المعاصر المابعد حداثي لا يمكن أن يصنف فنانا وهو جاهل بأبجديات الفن وتاريخه وعناصره النقدية أو متجاوز لرؤاه ويتعامل معه كمجرد سلعة تسويق لها مستهلكوها.

*ماري توما
ففنون الكولاج والبوب آرت والواقعية المفرطة والسريالية المعاصرة والفوتوغرافيا المدمجة والفيديو آرت تخضع تدريجها التعبيري للمفهوم لأن المفاهيمية في اعتمادها تقع على رؤى الوعي بالواقع الإنساني والثقافي والموروث الذاتي وهُوياته بحيث يتدحرج نحوه التركيب والانجاز كما في تجارب عدّة فنانين اهتموا بالمفاهيمية في بدايات التركيب والأداء وتجهيز الفراغ وتوظيف المعنى من حيث التعبير عن واقع الحروب والتهجير والشتات نذكر تجربة اللبناني أيمن بعلبكي في ابتكاراته الخاصة بالمهجرين من خيم وسيارات وأكوام الملابس وخيم اللاجئين أو منجزات الفلسطينية بثينة ملحم التي تعاملت مع الأثواب القديمة وصاغت تشكيلات الأرض والتقسيم برسم حدودها بالدبابيس والخيوط وصبغها بالقهوة والزعتر للتعبير عن الانتماء والذاكرة والحنين للأماكن الممنوعة التي عبرت عنها بالدبابيس أوتجربة الأمريكية الفلسطينية ماري توما التي قامت بوظيف العناصر اليومية والأقمشة والأثواب السوداء الطويلة للتذكير بالوطن المسلوب وبحق العودة بالمفاهيم الأساسية التي تعلوها ثقافة الأرض والإنسان في التضحية والاستشهاد.
ولا يمكن التطرق للمفاهيمية دون الحديث عن الإماراتي حسن شريف بتجربته الجريئة التي تعلوها روح التركيب والتجريب والخامات التي كان ينفعل من خلالها في أفكاره ليتماهى مع الأرض والانسان وتغير الوجود الأساسي الذي اندمج مع النفط وأسس للغة استهلاكية جديدة في أمكنته التي تفاعلت بالتحوّل والتغير، أو تجربة البوب آرت مع الإيطالي اللبناني علي حسون الذي انشغل بالثنائية الثقافية وأسّس فكرة الاغتراب والهجرة من حيث التماس المتناقض بين جغرافيا الشرق والغرب وما يعتليها من قبول ورفض ومن اندماج وتماه.

*ثائر معروف
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections