كاتلين كينيون : اسم ينبغي على كل فلسطييني أن يعرفه بقلم:د. إبراهيم فؤاد عباس
تاريخ النشر : 2020-04-03
كاتلين كينيون : اسم ينبغي على كل فلسطييني أن يعرفه !

د. إبراهيم فؤاد عباس


 د. كاتلين كينيون (الوسطى في الصورة)


لا يمكن لأي شخص مهتم بالآثار الفلسطينية أن يجهل اسم عالمة الآثار البريطانية د. كاتلين كينيون  التي اقترن اسمها بالتنقيب عن آثار فلسطين لأكثر من ثلاثين عامًا. ولا يمكن لأي عالم آثار في العالم أن لا يلم بانجازاتها في هذا المجال، خاصة تنقيباتها واكتشافاتها في أريحا والقدس. لذا يمكن القول دون أدنى مبالغة أن د. كينيون تعتبر أبرز عالمة آثار في القرن العشرين . أما ما هو أهم من ذلك بالنسبة لنا كفلسطينيين وعرب، فهو أن د. كينيون تعتبر من أهم علماء الآثار الذين أجروا حفرياتهم على الأسس العلمية التي وضعها مورتيمر ويلر،  إلى جانب ابتكاراتها الخاصة التي عززت الأسلوب العلمي في التنقيب عن الآثار، وهو ما يتضح بشكل خاص في اكتشاف الجماجم البشرية المغطاة بالجص في موقع تل السلطان (أريحا القديمة) التي تعود إلى الألف السابعة ق.م  والتي توضح بشكل خاص تقنية الحفر بدقة متناهية. وكانت كينيون تحذر باستمرار من مغبة الربط بين نتائج التنقيبات الأثرية والرواية التوراتية.

وقد ولدت د. كينيون في لندن سنة 1926 من عائلة بريطانية كرست حياتها للعمل في المجال الآثاري، وأبدت شغفها بعلم الآثار منذ صغرها، وكان والدها مديرًا للمتحف البريطاني على مدى عشرين عامًا.

ودرست د. كينيون التاريخ القديم في جامعة أكسفورد، وبدأت تنقيباتها في فلسطين في بداية الثلاثينيات بإشراف كراوفت ضمن بعثة آثارية مؤلفة من المركز البريطاني للأبحاث في القدس، وجامعة هارفارد، والجمعية الأكاديمية البريطانية. وفي الفترة (1952- 1958) ركزت د. كينيون أبحاثها الأركيولوجية في حيفا. ويعود لها الفضل في اكتشاف الطريق القديم الذي يربط بين حيفا ودمشق في عهد الرومان. وقد لا يعرف البعض أن كينيون هي أول من رسخت المقولة بأن أريحا أقدم مدينة في العالم بعد الحفريات التي أجرتها في موقع تل السلطان والآثار التي اكتشفتها هناك والتي تعود إلى العصر الحجري، كسور المدينة الحجري القديم والبرج الاسطواني. وقد أولت د. كينيون اهتمامها بالتنقيب في القدس في الفترة (1961- 1967). وتذكر بهذا الصدد إن الغزوات المتكررة للقدس جعلت التنقيب فيها أكثر صعوبة من غيرها من المدن  الفلسطينية الأخرى، وأن العديد من  المواقع الأثرية كانت توجد تحت المدينة المسورة الحالية وخارج الأسوار. وانتقدت كينيون ما توصل إليه المنقبون الأوائل في القدس "التي لم تكن تستند إلى الأسلوب العلمي". وأكدت من خلال تنقيباتها في القدس بأنه لا توجد آثار معمارية في المدينة تنسب الى داود أو سليمان، وأن البرج، والجزء من السور اللذين أعادهما ماكالستر سابقًا إلى عهد داود نتيجة تنقيباته التي أجراها في الثلاثينيات (من القرن الماضي)، إنما يعودان إلى العصر الهيلينسي.

ولم تقتصر انجازات د. كينيون على أعمال الحفر والتنقيب في حيفا وأريحا والقدس، وما أصدرته من مؤلفات حول تلك الأعمال، وإنما تجاوزتها إلى مجالات أخرى كثيرة، فإليها يعود الفضل  في إنشاء مركز "الاعتماد الفلسطيني المالي للتنقيب" الذي ترأسه والدها سنة 1937 وحتى سنة 1948، ثم انتقلت رئاسته إليها حتى وفاتها عام 1978. وكانت المهمة الرئيسة لذلك المركزجمع التبرعات لمتابعة الأبحاث الأركيولوجية في فلسطين، وصدرت عنه العديد من الكتب والمنشورات عن فلسطين، منها حوالى 13 كتابًا و84 مقالاً لها فقط معظمها عن فلسطين. وترأست د. كينيون منذ عام 1951 المركز البريطاني للآثار في القدس، وتمكنت خلال فترة رئاستها الطويلة لهذا المركز من توسيع المكتبة، ونشر مجلة باسم المؤسسة. كما أنشأت بيتًا كبيرًا لإقامة الباحثين الغربيين القادمين إلى فلسطين لأغراض البحث والتنقيب. ومن المظاهر  التي أبدتها د. كاثلين كينيون في الاحتجاج على الصهيونية، توقفها عن التنقيب الأثري في فلسطين بعد حرب 1967، عندما كانت تجري تنقيباتها حينئذ في القدس. وكتبت رسالة نشرت في صحيفة "التايمز" اللندنية بتاريخ 17/8/1972 قالت فيها: "في يونيو ذكرت عدة صحف أن السلطات الإسرائيلية قامت بحفريات بجانب السور الغربي للحرم الشريف بالقدس، ولقد عدت لتوي من القدس، وأستطيع الجزم بأن التقارير لم تبالغ بما كتبت... وهناك إشاعات بأن الحفريات ستستمر على طول سور الحرم، حيث توجد أروع الأبنية الإسلامية التي بنيت في القرون الوسطى... إن إتلاف هذه الأبنية يعتبر جريمة كبرى، ولا يعقل أن يتم تشويه الآثار القديمة بمثل هذا النوع من الحفريات ذات الأسلوب البالي، مما يتوجب على الرأي العام العالمي تقديم كل دعم لإيقاف هذه الأعمال البربرية".

وقد قامت جامعة أكسفورد بتكريم د. كينيون من خلال احتفال كبير أقامته في شهر ديسمبر 1991 بهذه المناسبة حضره أكثر من مائة باحث وباحثة. وتعتبر كتبها: "الآثار في الأرض المقدسة" و "التنقيب في أريحا" و"التنقيب في القدس" من أبرز كتبها حول آثار فلسطين.