حين يصير كورونا معلما للناس بقلم: لحسن ملواني
تاريخ النشر : 2020-04-03
حين يصير كورونا معلما للناس

       لحسن ملواني ـ كاتب من المغرب

      قيل إن المعلم رجل ذو كفاءة في مجال محدد يستطيع توصيل أفكار وقيم إلى المتعلمين ليجعلهم يستطيعون تجسيد إنسانيتهم متعاونين مع غيرهم متفاعلين تفاعلا مبنيا على تبادل المصالح.ولأن المعلم هو مكون العلماء وهم ورثة الأنبياء كما جاء في حديث نبوي شريف  فإنه يستحق الاحترام والتبجيل ، قال الشاعر أحمد شوقي :

قل للمعلم وفه التبجيل     كاد المعلم أن يكون رسولا

    وفي عصر التكنلوجيا والتواصل الافتراضي الذي بسط نفوذه على العقول والقلوب لم يعد للمعلم ذاك الشأن الرفيع فصار ثانوي التأثير أو أقل من ذلك.

     وفي هذه الأيام ظهر معلم غريب عجيب ، معلم لا نراه بالعين المجردة وهو أصغر من أصغر إنسان بملايين المرات ، إنه كورونا الفيروس المجهري الذي حرك كل العالم برؤسائه وشعوبه وإعلامه ...فصار الكل صفا واحد يحمل هدفا واحدا هو المجابهة والتصدي والاحتراز منه.

أدخل الناس بيوتهم وجعل بعضهم يوجه وينصح غيره ويحذره من الوباء.

دفع الناس فصاروا أسخياء ،تنازل بعضهم عن راتبه الشهري لفائدة المرضى، تصدق على من لا دخل له والعمل في الخارج ممنوع.

وجه أنظار الجميع نحو الشاشات يستطلعون أخبار إخوانهم في الدول.

وجه الأدباء والتشكيليين وصناع الأفلام فسخروا إبداعاتهم من أجل التصدي للوباء عبر الإبداع والمقالات واللوحات ،فصار الفن فن القضايا بعد أن كان يسبح في الخيالات بلا حدود ولا ضوابط.

علم الناس أن النظافة فعلا وقاية وأنها خير من العلاج .

علم النساء والأطفال والشباب كيف يستغلون أوقاتهم قابعين في منازلهم يوفرون عليهم الوقت والمال الذي يصرفونه في التفاهات يوميا.

لقن الذين هم عن صلاتهم ساهون أن الصلاة في المساجد قد تفوتهم إلى الأبد وعليهم انتهاز فرص الصحة والأمن للصلاة جماعة مع غيرهم وبقلوب خاشعة تطلب من الله الحفظ والأمان .

علم المتعلمين والمعلمين في المدارس والجامعات أنهم يستطيعون أن يمارسوا فعل التعلم في ديارهم عبر استغلال الوسائل الإعلامية استغلالا إيجابيا في حدود الزمان والمكان وضمن برنامج محدد يتوج بامتحانات.

علم المسؤولين أن الحرب الحقيقية التي ينبغي أن تُخاض هي الحرب ضد الأمراض والأوبئة والتلوث بدل الحرب التي يقتل فيها الإنسان الإنسان.

علم الجاحدين الذين لا يؤمنون سوى بما يشاهدون ويلمسون أن ما لا نشاهده قد يكون أكثر خطرا وأقدر على الهدم والتخريب فوق ما يتصورون.

علم النساء والرجال القدرة على التواجد وجها لوجه والتواصل الحميمي الذي قضت عليه جلسات المقاهي والتجول في الشوارع سابقا.

إنه كورونا المعلم المجهري الصغير الخطير القادر على لم الصفوف وتغيير النفوس وتوحيد الجهود وغلق الحدود...وقانا الله من شره وجعلنا نستفيد من أثره.