نوادر الفوائد الجزء الثاني بقلم:عيسى بن محمد المسكري
تاريخ النشر : 2020-04-03
نوادر الفوائد الجزء الثاني بقلم:عيسى بن محمد المسكري


نوادر الفوائد الجزء الثاني

بقلم عيسى بن محمد المسكري /الإمارات

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".صحيح البخاري (6412)، صحيح مسلم (1686).

الصحة والفراغ هما رأس مال ابن آدم،  فإما أن يستثمرهما، وإما أن يخسرهما، كالتاجر قد يجد الربح المضاعف، وقد تكون الخسارة الفادحة،فمن استعملهما فيما لا ينبغي فقد غبنَ البيع أي باعهما ببخس؛ فخرج من حياته مفلساً خاسراً قد ضاع رأس ماله، ويومئذ لا ينفع الندم، ولا تجدي دموع الحسرة. والغبن هو أن تملك شيئاً نفيساً يقدر بالملايين تبيعه بدراهم بخس، فتكتشف بعد البيع أنك لم تزن الصفقة برجاحة عقلك، ولَم تحسب الربح ببصيرة قلبك.

ينقسم الناس من خلال هذه النِعَم إلى أربعة مستويات.

أولاً: رجل يتمتع بصحة ولكنه مشغول لا يجد الفراغ.

ثانياً: رجل يجد الفراغ ولكنه فاقد نعمة الصحة.

ثالثاً: رجل بلا صحة في بدنه، ولا فراغ في حياته.

رابعاً: رجل جمع بين الصحة والفراغ فهو أفضلهم، فإن غلبه الكسل، وأطاع نفسه الأمارة بالسوء، ومشى بخطوات الشيطان، واتبع هواه، فهو مغبون خاسر، لم يقدر النعمة ولم يؤدي شكرها.

هناك من أشغلته الدنيا حتى أهمل صحته، فلما جاءه المرض دفع كل ما جمع كي يشتري صحته مرة أخرى، فلا مال بَقِيَ فيتهنّى، ولا فراغ في ما يتمنّى، مشغول بين الأطباء، تائه في المستشفيات، كأنه موظف في الصيدليات، لا فراغ يغتنمه من أجل الآخرة، ولا صحة  يتقوى بها على العبادة.

والفراغ نعمة عظيمة، خاصة عندما نرى من أثقلته المشاغل، قد أهمل أهله، يعود ليلاً فلا يرى أبناءه قبل نومهم، ولا يحظى بتربيتهم بعد يقظتهم.

الحسرة على من ضيع فراغه وصحته في التواصل الاجتماعي، ألهته الألعاب والمقاطع السمعية والمرئية، حتى ضعف تركيزه وانهارت قوته، ينهض بالأجهزة الإلكترونية وينام بجوارها، لا صلاة ولا ذكر، ولا عمل يفيده في أمر دينه أو دنياه.

فان الله خلقك يا ابن آدم من أجل الآخرة، فلا تقدم الفانية على الباقية، فمن كان همه الآخرة أتته الدنيا وهي راغمة، ومن كان همه الدنيا، لم يحصد منها إلا الضنك، ووجد  الغبن يوم التغابن، وباع النفيس وقبض الرخيص، واشترى الضلالة بالهدى، والنعمة بالكفر، والعذاب بالمغفرة.

قال الله تعالى: "يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُن. "التَّغَابُن" 3

تبدأ حياة الإنسان بنعمتين الصحة والفراغ، فطوبى لمن اغتنم قوة شبابه في العلم والهِمّة والعبادة. وتأتي المرحلة الثانية، فينشغل المرء ببناء الأسرة، وجمع المال واللهو مع الأبناء، فإذا فرغت يا ابن ادم من مشاغلك فانصب، ثم إلى ربك فارغب.

وهكذا تنتهي حياة الإنسان بمرحلة  الشيخوخة، والتي قد يصاحبها ألَم في المفاصل، وضعف في السمع والبصر، وقد يعاني فراغاً مملا إن كان وحيداً، وقد يصاب ببعض الأمراض والأسقام، والمُوَفّق في هذا العمر هو من وهب حياته لله، وجعل لسانه رطباً لا يفتر عن ذكر الله.