عالم الرأسمالي في مواجهة الكورونا COVID -19 بقلم:م.مهدي حنا
تاريخ النشر : 2020-04-03
عالم الرأسمالي في مواجهة الكورونا  COVID -19 بقلم:م.مهدي حنا


عالم الرأسمالي في مواجهة الكورونا  COVID -19

اتخذت كافة الدول العديد من الإجراءات الاحترازية للتخفيف والحد من الانتشار السريع لهذا الوباء. على الرغم من أن هذا الوباء ليس الأخطر في تاريخ الأوبئة العالمية ، إلا أن خطورته تكمن في مدى انتشاره السريع. فما تم اتخاذه من التدابير جاء مختلفاً من دولة إلى أخرى. فهناك بعض الحكومات التي بادرت إلى الإغلاق الكامل  قبل انتشار الوباء بغية السيطرة عليه والحد من انتشاره قدر الإمكان ومنها الأردن والبحرين  وبعض الدول الأخرى من العالم الثالث، في حين أن العديد من الدول المتقدمة قد تأخرت كثيرًا في اتخاذ التدابير المناسبة. والبعض الآخر لم يتخذ أي تدابير تذكر. ولا عجب هنا فقد  كشفت لنا الرأسمالية في البلدان الصناعية الكبرى عن فشلها للتصدي لهذا الفيروس عبر أنظمة الرعاية الصحية  لديها ، وأكبرمثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تزايد فيها تفشي الوباء من الف حالة إلى ما يزيد عن المئة وثلاثين ألف حالة خلال مدة لا تزيد عن الأسبوعين حسب المرصد العالمي لمنظمة الصحة العالمية لتفشي فيروس الكورونا. وهذا ما يؤكد على فشل النظام الرأسمالي واستهتاره بصحة البشرعلى حساب جني المزيد من الأرباح وتراكم رأس المال في أيدي القلة من البشر. كانت حدة الإنتشار السريع للمرض في الولايات المتحدة ملفتة للغاية ، فقد  انتشر المرض في العديد من الولايات من ولاية نيويورك في الشرق إلى ولاية كاليفورنيا في الغرب وهذا لإن الإدارة الأمريكية  غير جادة  على الإطلاق في فرض الإغلاق واتخاذ الإجراءات الاحترازية لمحاصرة انتشار المرض في البلاد .

فقد حدد ترامب فترة قوامها ١٥ يوماً للحد من انتشار المرض ، وقد اضطر إلى تمديد الفترة حتى نهاية شهر نيسان ، فحث جميع الأمريكيين على الحد من تفاعلاتهم العامة عن طريق التباعد الاجتماعي ، بيد أن هذه الإرشادات كانت طوعية وليست ملزمة وذلك للإبقاء على حجم التجارة والمبادلات التجارية والإنتاج بنفس الوتيرة وبحالة طبيعية، بل دعى ترامب الجميع على مواصلة العمل ،على الرغم من أن الدستور الأمريكي ينص بوضوح على أن الولايات تتمتع بصلاحية الحفاظ على النظام العام والسلامة. ويرى الخبراء أن حكام الولايات مسؤولون عن تحديد القيود اللازم فرضها للحد من انتشار الفيروسات. ومع ذلك لم يكن هناك مرسوم رئاسي يشمل عموم البلاد وهذا يعنى أن الإدارة الأمريكية لا تأخذ  الأمورعلى محمل الجد. بل لا زالت تتراشق الاتهامات مع الصين في تأخير إبلاغ العالم بحدة هذا الفيروس لاتخاذ الإجراءات اللازمة وهو كلام فارغ ، فالجميع اصبح على يقين من أن الإدارة الأمريكية بالتحديد لم تتفاجأ بهذا الوباء ، ولكنهم تفاجئوا  بقدرة الصينيين ونظامهم للرعاية الصحية على تخطي هذا المرض ومحاصرته وهذا كان خارج التوقعات والسيناريوهات التي لم تحسب لها حساب الإدارة الأمريكية ، كما أنها لم تتوقع حجم الانتشار السريع في العالم. وشاهد العالم بمجمله فشل الولايات المتحدة في التصدي لهذا الفيروس وعدم فعالية نظام الرعاية الصحية لديها. من هنا فان السمات المميزة لفشل الرأسمالية الامريكية في التصدي لهذا الفيروس يمكن إيجازها بالتالي:

أولاً:  الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة بنظامها الشمولي لم تستطع أن تولي أي أهمية تذكر لنظام الرعاية الصحية لديها ، لان النظام الرأسمالي نظام قائم على الربحية والاستغلال. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة وبقية دول العالم المتقدمة تسير باتجاه أزمة هيكلية بسبب هشاشتها الاقتصادية مما سيجعل الأمور اسوء بسبب الديون العامة والخاصة وهكذا ستصبح الحكومات آقل قدرة على تقديم الخدمات في قطاعات التعليم والصحة والتقاعد  وغيرها. فقطاع الصحة كما هو قطاع التعليم الإلزامي يستحوذ على ميزانية كبيرة ليكون قادراً على النهوض بأعبائه بالشكل اللائق. فتعتمد الرأسمالية على شركات التأمين لتقليص الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة لصالح القطاع الخاص القائم على الربحية المطلقة. فمن لديه تأمين صحي فهو قادر على الحصول على بعض الخدمات الطبية بحدود درجة التغطية لهذا التأمين. وهذا هو المتبع في كافة الدول الرأسمالية والتابعة. أما عندما نتحدث عن الأوبئة فانها بالتأكيد تصبح من مسؤولية الحكومات وليست شركات التأمين التي لا تغطي الكوارث الإنسانية ، فلا عجب هنا أن نرى النقص الحاد في عدد الأسرة والعلاج الأولي والمضادات الحيوية لدى القطاع الحكومي وهو ما نراه في الدول المتقدمة الآن، ليس هذا فحسب فلم يستح كبار المسؤولين في تلك الدول من بث الذعر في صدور الناس بإن الموت قادم لا محالة ، هناك تصريحات عديدة لجونسون رئيس الوزراء البريطاني ، وتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين أو حتى الرئيس ترامب نفسه والتي تدور في نفس الفلك ، وهناك البعض يرى بإن البشرية بحاجة إلى معجزة لتخليصها من هذا الفيروس ، بل واثارت تصريحات ترامب الأكثر جنونية  بانهم جادون في ايجاد علاج للأمريكيين فقط ، وهذا ما يدل على مدى وحشية الفكر الرأسمالي الأمريكي الحديث.

ثانياً: تعي الرأسمالية تماماً بان الحل لا يكمن في ايجاد علاج للمرض بشكل سريع ، فالعلاج  سيأتي مع الأيام ولكنها تركز على إدارة المرض لجني اكبر قدر ممكن من الأرباح لصالح شركات الأدوية الاحتكارية المستفيدة من الأزمة بتسويقها للعديد من المنتوجات الطبية المختلفة المستخدمة في العلاج الأولي ، أو المستلزمات الطبية والوقائية الأخرى من كمامات وأدوات تعقيم وغيرها. فقطاع الصناعات الدوائية من أكثر الشركات الرأسمالية ربحية بعد تجارة السلاح والمخدرات وهي من الصناعات الرأسمالية الهامة ذات الربحية التي تفوق الخيال. فتفوق ميزانيات هذه الشركات عن الدخل القومي للعديد من الدول ، وبالتالي إطالة مدة الوباء من صالح تلك الشركات الاحتكارية.

ثالثًا: لكل وباء دورة يبدأ فيها المرض ويتصاعد تدريجياً ليصل إلى الحد الأقصى ، ومن ثم يبدأ بالنزول تدريجيا ولهذا من الممكن أن تكون مدة دورة هذا المرض اشهر ، كمرض السارس مثلاً الذي امتدت دورته لتسعة اشهر ،  وممكن أن تطول إلى سنة أو أكثر، فهناك مرض متلازمة الشرق الأوسط  دامت دورته لمدة سنتين ، وعلى الرغم من أن تلك الأمراض لم تنتشر عالمياً بنفس شدة وباء الكورونا COVID -19 ، إلا أن دورته ستدوم لغاية عدة اشهر أو ستمتد لمدة عام كامل بقدر التزام الحكومات وتشديد الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار المرض. فالنموذج الصيني اثبت مدى فعاليته. فقد سيطرت الصين على عدم خروج هذا المرض عن حيز المنطقة المتضررة في ووهان واستطاعت باقل الخسائرالحفاظ على سلامة مليار ومئتي مليون مواطن صيني وهو إنجاز عالمي لا يمكن الاستهانة به. وقد أشادت به منظمة الصحة العالمية.

رابعاً : الرأسمالية الأمريكية وصلت إلى ذروة التوحش من جني المزيد من الأموال على حساب كافة شعوب الأرض ، يصل حجم اقتصاد الولايات المتحدة وهو الأكبر في العالم والذي يشكل 25٪ من الاقتصاد العالمي إلى 20 ترليون دولار ولا تنافسه إلا الصين في اقتصادها العملاق الذي يشكل نصف اقتصاد الولايات المتحدة فقط  ولكنه بات على مرمى حجر  ليسبق الاقتصاد الأمريكي حسب التوقعات في سنة 2030 على ابعد تقدير ، وذلك لان حجم الدين الوطني الأمريكي الإجمالي يبلغ 21.6 ترليون دولار. بيد أن القوة الشرائية الصينية اكبر بكثير مما سيعطيها الأولوية على الصعود المستمر لتوازي الاقتصاد الأمريكي وتسبقه بالنتيجة ، فالمسألة هي وقت فقط وهذا ما تخشاه الرأسمالية الامريكية ولا تريده ، أو على الأقل ما تحاول تأجيله  لتبقى لأطول مدة ممكنة متربعة على سدة العرش الرأسمالي العالمي كأكبر اقتصاد. وبناءً على ما تقدم فمن الممكن أن نرجح بإن الولايات المتحدة هي من أنتجت  فيروس الكورونا COVID-19 مختبريًا  وهاجمت به الصين بغية تاخير نمو العملاق الصيني اقتصادياً لتكبيله المزيد من الخسائر التي تقدر بتريليونات الدولارات . ولكي تبدو العملية طبيعية بدأت بغزو الصين ومن ثم انتقلت إلى بعض المناطق والدول الأخرى كتصفية حسابات. للولايات المتحدة موقف واضح من إيران ، أما إيطاليا فنوع من العقاب على حجم الاتفاقيات والتبادلات التجارية التي أبرمت مع الصين في السنوات الأخيرة. هنا قد يتساءل البعض لماذا لا يكون هذا الفيروس صيني المنشأ فالرئيس ترامب في خطاباته يسميه بالفيروس الصيني ، والجواب بكل بساطة لا يمكن أن يكون هذا الفيروس قد طوِّر في أي مختبر بيولوجي صيني لانه لا يوجد لدى الصين أي تاريخ وسوابق في الحروب البيولوجية والجرثومية ، كما أن الثقافة الصينية غير عدوانية على الإطلاق. أما الولايات المتحدة فلها باع طويل وسوابق في الحروب الجرثومية بدءً من عمليات التطهير والإبادة للهنود الحمر في بداية العهد الرأسمالي وتشكيل الولايات المتحدة إلى وقتنا الحالي ، فتشير الدراسات أن الولايات المتحدة قامت بما يعادل 41 حرب لنشر مرض الجدري بين الهنود الحمر و 17  حرب لنشر مرض الحصبة و 10  حروب أنفلونزا وغيرها. كما أن هناك بعض الدلائل على وجود ما لا يقل عن 24  مختبراَ بيولوجياً تديرها الولايات المتحدة في الدول المحيطة  بالصين وروسيا التي كانت جزءاَ من الاتحاد السوفييتي السابق.وقد رجحت بعض التقارير بإن هذا الفيروس صنع في بعض المختبرات التي يديرها الجيش الأمريكي في جورجيا وأوكرانيا.  ولكن هناك عاملان ربما لم يكونا في حسبان الولايات المتحدة ، العامل الأول هو قدرة الصين التي فاجأت بها العالم في حصرها للوباء والسيطرة عليه وهي الدولة الأكثر سكاناً في العالم ، أما العامل الآخر فهو الانتشار السريع للمرض في العالم ، وهذا قد لا توليه الولايات المتحدة أهمية وإن فاق التوقعات فانها آثار جانبية لا تقلق الرأسمالية ، وخاصة بإن حالات الوفاة هم من كبار السن والعجائز وهم اصبحوا غير منتجين بحكم السن وبالتالي الخلاص منهم سيوفر الكثير من الأموال للرأسمالية. فالعملية برمتها اقتصادية بحته منذ اليوم الأول لتفشي هذا الفيروس حيث وضع صانعوا القرار السيناريوهات المختلفة والتوقعات حتى فيما يخص الاقتصاد.

إن العالم يعيش على الديون المتراكمة منذ الأزمة العالمية عام 2008 فلم تكترث الرأسمالية إبان الأزمة لتسارع بإيجاد حلول لتلك الأزمة ، بل تركتها تأخذ مجراها الطبيعي. واستكملت دوراتها الاقتصادية كالمعتاد بتأجيل الأزمات غير آبهة  لوضع الحلول لها. فقام مجلس الاحتياطي الفدرالي بطباعة النقود وضخها في الأسواق أو ما يسمى بلغة الاقتصاد بالتيسير الكمي . وما سيجري الان سيكون بنفس السياق لغربلة الاقتصاد العالمي وخلق توازنات واستقطاب داخل الرأسمالية الدولية لتبقى الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم على قمة الهرم الرأسمالي الدولي  أمام بعض الأقطاب الرأسمالية  الصاعدة الأخرى كالصين وغيرها.

هذه الأزمة التي نمر بها الان سيكون لها آثار وكوارث اقتصادية تفوق الأزمة العالمية عام 2008 وذلك لإن الإعلام العالمي من يسوق للوباء ويرسم ملامح المرحلة الجديدة ، فكلنا يعرف بإن الأضرار المصاحبة لانتشار المرض ومحاصرته ستأخذ الوقت الكافي وستؤثر بشكل كامل على الاقتصاد العالمي وحجم التجارة الدولية و التبادلات التجارية للسلع الأساسية وخاصة الغذاء والشراب والسفر والسياحة والعديد من المجالات الأخرى . فالدول الرأسمالية الكبرى مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وحتى الصين وروسيا لديها القدرة على امتصاص الخسائر وكلها قادرة على تجديد نفسها بتأجيل الأزمات عن طريق حزم من السياسات الاقتصادية التي سوف تنتهجها من اجل تخفيف الأعباء مثل تقليص الفائدة على القروض وصك العملة وضخها في الأسواق لدعم اقتصادياتها ودعم البنوك لتكون قادرة على أهمية الإقراض وغيرها. وبالفعل فقد خصصت أوروبا مبالغ طائلة لضخها في اقتصادياتها وسبقتها الولايات المتحدة بتخصيص 1.5  ترليون دولار طبعها الاحتياطي الفدرالي عند هبوط  البورصة التي تسببت في تسجيل خسائر فادحة في بداية شهر آذار من هذا العام و ذلك للمحافظة على أسواق الأسهم من الانهيار. هذا المبلغ يعادل ضعفي حجم الدولارات المتداولة في العالم قبل الأزمة العالمية عام 2008 والذي وصل إل4.5  ترليون دولار في وقتنا الحالي إبان الانخفاض الحاد في البورصات العالمية على خلفية انتشار الوباء ،كما أنه ووفقاً للاحتياطي الفدرالي قد يصل اجمالي المبلغ المطبوع بحدود4  ترليون خلال نهاية الشهر الحالي وبداية شهر نيسان ، أي ما يعادل ضعف الدولارات المتداولة في العالم خلال 3  أسابيع دون زيادة في حجم السلع مما سيؤدي إلى تضخم هائل في الولايات المتحدة. فما الذي دفع البنك المركزي الأمريكي أن يقدم على هذه الخطوة الكارثية؟ في الواقع كان الانهيار في سوق الأسهم هائلاً وبما أن الخطر الرئيسي منذ سنة 2008  ما زال قائماً ، فالعالم يعيش في الديون وكضمان للقروض كانت ولا زالت تستخدم بعض الأصول والتي غالباً ما تكون الأسهم في الأسواق العالمية . فعند انهيار سوق الأسهم لا بد أن يلجأ الدائنون إلى المدينين طلباً إما لزيادة الضمان بشكل عاجل أو إعلان الإفلاس ، وبذلك تصبح الضمانات من اسهم وعقارات ملكاً للبنوك والتي لا تحتاج اليها في الغالب وبالتالي ستلجأ إلى بيعها ، مما يؤدي إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب وسيؤدي بالضرورة إلى انخفاض في الأسعار ولهذا ستعاني كل البنوك والشركات الكبرى في العالم من نقص حاد في الأموال لإن المدينين باعوا كل ما يملكون لسداد ديونهم مما قد يؤدي إلى انهيار النظام المالي وسيكون هناك حالة من فقدان الثقة بين البنوك والشركات والمصانع في عمليات الإقراض التي ستتوقف . وهذا بالتحديد ما حصل عام 2008  ولهذا قام الاحتياطي الفدرالي بخلق تريليونات الدولارات ليغرق بها الأسواق العالمية وبهذا لم يعد لدى البنوك فرصة للإفلاس فارتفع عدد الدولارات المتداولة من 0.8  ترليون دولار إلى 4.5  ترليون  دولار ما قبل أزمة انتشار وباء الكورونا وهذه كانت بداية أكبر أزمة مالية في الولايات المتحدة والعالم.

في علم الاقتصاد الأسعار تعني التوازن بين كمية المال والبضائع . فإذا قامت الدولة بطباعة ضعف كمية الأموال المتداولة ، فلا بد أن ترتفع الأسعار . فإذا طبعت المزيد من الأموال فسيؤدي ذلك إلى التضخم ، والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه لماذا لا يوجد تضخم في نظام الدولار بعدما قامت الولايات المتحدة بطباعة المزيد من الدولارات عام 2008 ووضعتهم في الأسواق العالمية، والآن ستنتهج نفس المنهج في ضخ كمية كبيرة من الدولارات . في الحقيقة التضخم موجود لكنه في بعض القطاعات المنفصلة. فالدول الغربية تتميز بارتفاع مستوى المعيشة بحيث وصل الأوروبيون والأمريكان إلى حد التشبع في استهلاك السلع اليومية. فضخ الأموال لن يجعل هذه الشعوب تستهلك أكثر مما تستهلكه الآن من المواد الغذائية والسلع اليومية  ، فلو حصلوا على مبالغ إضافية فسوف يستهلكونها في البورصة مثلاً. إن ضخ الأموال الإضافية سوف تستهلك في المجالات التي لا يتم فيها تلبية الطلبات بشكل متواصل مثل التعليم والصحة وسوق الأوراق المالية والإسكان وهي القطاعات التي من الممكن أن تشهد ارتفاعا ًفي الأسعار ، بل لو نظرنا إلى التغير في مستوى ارتفاع الأسعار ما قبل عام 2008 والآن لشهدنا تغيراً ملحوظاً في نسبة هذا الارتفاع المفرط في هذه القطاعات بالتحديد، من هنا فلو تم ضخ للأموال فسوف تستهلك في القطاعات التي ذكرتها سابقاً. وطالما لم يكن نقص في السلع فإن ضخ الترليونات ما بعد أزمة 2008  لم تؤد إلى ذلك التضخم المفرط. واستطاعت الرأسمالية من أن تتخطى تلك الأزمة وتجدد نفسها بتأجيلها.

إن ما سيجري الآن في الاقتصاد العالمي مع أزمة الكورونا أسوأ بكثير من عام 2008 وذلك لإن توقف المصانع والمطاعم والعديد من السلاسل التجارية ستُدخل الدول الرأسمالية الغربية ولأول مرة لنقص في السلع في الوقت الذي سيبدأ به ضخ الأموال وبكميات هائلة ، ولكنها لن توقف الاتهيار في النظام المالي العالمي ، فسوف يساعد الضخ في البقاء على سعر صرف الدولار مؤقتاً لإن معظم القروض تترجم إلى الدولار وسيحتاج إليه الجميع على خلفية موجات الإفلاس وعندما تهدأ الأسواق سيجد المستثمرون أن الأموال الكثيرة لن تجدي نفعاً لاستثمارها سوى في سوق الأسهم والسندات التي تؤدي إلى خسارة هائلة في المقابل ستبدأ أسعار الأصول المادية في الارتفاع مثل الذهب والنفط والحبوب وغيرها. وبهذا لن تتمكن الترليونات من الدولارات المطبوعة هذه المرة من منع انهيار عالمي جديد وتضخم هائل حول العالم. لقد راهنت الإدارة الامريكية من افتعال هذه الأزمة لتصفية الحسابات مع الأقطاب الرأسمالية الأخرى لتبقيها لأطول فترة ممكنة كأكبر أقتصاد في العالم لكنها اضرت كافة بلدان العالم التي ستدفع الثمن غالياً. وغالباً سنخرج من هذه الأزمة باستقطابات دولية جديدة وستكون الصين قد شارفت على أن تكون في قمة الهرم.

ستستطيع الرأسمالية أن تعدي هذه الأزمة عن طريق نهب الدول الفقيرة التي ستعاني أكثر من الأزمات الاقتصادية الخانقة نتيجة للنقص في السلع الأساسية التي ستؤدي بالضرورة إلى تضخم حاد وهائل في اقتصادياتها ، وبالتالي ستلجأ للمزيد من الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي سيملي شروطه المهينة مما سيزيد من أعباء تلك الدول وسيفضي إلى المزيد من التبعية للرأسمالية وسيدفع الثمن المواطن البسيط.

م.مهدي حنا
كاتب سياسي