ذكرى يوم الأرض الخالد في زمن الكورونا بقلم: منجد صالح
تاريخ النشر : 2020-03-31
ذكرى يوم الأرض الخالد في زمن الكورونا بقلم: منجد صالح


ذكرى يوم الأرض الخالد في زمن الكورونا

ربما منذ الآن وحتى بعد جيل أو جيلين قادمين ستمتلئ رفوف المكتبات والبيوت والمؤسسات بالمقالات والنشرات والمجلّات والصحف والكتب والمجلّدات التي تُدوّن وتؤرّخ لهذه الحقبة الزمنية التاريخية من عمر البشرية في زمن الكورونا. الحب في زمن الكورونا. الموت في زمن الكورونا. الحياة في زمن الكورونا. الجشع في زمن الكورونا. التكافل الإجتماعي في زمن الكورونا. ترامب في زمن الكورونا. التجربة الصينية الرائدة في زمن الكورونا. يوميّات صعلوك في زمن الكورونا. الإحتلال في زمن الكورونا. الإحتفال بيوم الأرض الفلسطيني الخالد في زمن الكورونا.

وربما ستتندّر الأجيال القادمة وتستغرب وتكاد لا تصدّق كيف أن فيروسا صغيرا، لا يُرى بالعين المجرّدة، "كان" قد إستطاع أن يُجبر نصف سكان العالم "حينذاك" على الإعتكاف قسرا وطواعية في المُكوث في البيوت، حيث غيّر الأفراد من سلوكهم وغيّرت الجماعات من نمط حياتها.

فهل سيصدّق أحدا أن بروفيسورا عتيدا في إحدى الجامعات المرموقة وقد إشتعل رأسه شيبا ومزيدا من الوقار والعلم، وبدل أن يبدأ يومه في الجامعة بإلقاء محاضرته في صالة تنوء بأكثر من ستين طالبا، بدل ذلك يبدأ صباحه الباكر واقفا في المطبخ يتمنّطق ويتأنّق بالبيجاما وروب البيت و"مقشرة" البطاطا في يده يجتهد قدر الإمكان وبقليل من الخبرة لتقشير البطاطا تهيأة لقليها أو غليها وهرسها لتوضع بجانب طبق المخللات والزيتون على طاولة فطور العائلة كاملة النصاب في إحدى صباحات البشر في زمن الكورونا.

وهل سيصدّق أحدا أن سبّاحا عالميا حاصلا على عدة جوائز وميداليات في العديد من المسابقات وراليّات السباحة الدولية في المسابح الفسيحة ذات المواصفات الأولمبيّة يبدأ نهاره في زمن الكورونا "يسبح" في "بانيو" منزله بطول متر ونصف وعرض ستين سنتيمترا؟؟!!

الإحتفال بيوم الأرض الفسطيني الخالد في زمن الكورونا، في زمن إلتزام عباد الله لمنازلهم. في زمن الحجر الصحي على الكبير والصغير والمقمّط بالسرير للوقاية من الفيروس. لا سلام ولا كلام ولا عناق ولا أحضان وإنما إبتسامات عن بعد، غمز بالعيون وبالحواجب والجفون عن بعد، تلويح باليدين عن بعد، إيماءة على الطريقة الصينية عن بعد، ضم الكفين وإنحناءة على الطريقة الهندية عن بعد، "تشاو تشاو" عن بعد. حميميّة الطليان ممنوعة وتلامس وحكّ "خشوم" الخليجيين محظورة وفظيعة.

إذن كيف السبيل الى إحياء الذكرى السنوية ال 44 ليوم الأرض الخالد في زمن الكورونا؟؟

يوم الأرض السمراء الحنطية الكنعانية السرمدية. عيد يوم الأرض الفلسطينية. يحتفل فيه فلسطينيّو 48 منذ آذار 1976، يتعانق معهم في الإحتقال فلسطينيّو 67 والقدس وفلسطينيّو الشتات وأحرار العالم وأصدقاء الشعب الفلسطيني ومحبّيه ومؤيّديه في أرجاء المعمورة.

ذاك العام وفي بداية فصل ربيعه، روى ستة شهداء من فلسطينيي 48 بدمائهم الزكية تراب وحصى وحنّون الوطن، في صطدامات وإحتجاجات عنيفة دامية مع الضباع الجانحة الجائحة، جنود الاحتلال الاسرائيلي البغيض، بأنيابهم ومخالبهم الحادة، وسبطانات رشّاشاتهم الحاقدة الممتدّة، دفاعا عن ما تبقّى لهم من "حاكورة" بيوتهم وكروم تينهم وزيتونهم وبيّارت برتقالهم وليمونهم.

ذكرى سقوط الشهداء يُحوّلها الفلسطينيّون عاما بعد عام الى عيد وطني شعبي سنوي، يحتفلون به، تكريما للشهداء وترحّما على أرواحهم وتخليدا لذكراهم. ولتبقى الراية عاليا خفّاقة تتلقّفها السواعد السمراء المُدرّجة بالدماء والعز والفخار جيلا بعد جيل.

لكن يد الغدر والبطش الصهيونيّة، الملفوفة بقفّازات أمريكية، تأبى إلّا أن تُضاعف من وطأة الذكريات والأعياد والإحتفالات الفلسطينيّة الحزينة الرتيبة، فيتعمّدون القتل في ذكرى قتل سابق، وإقتراف المجازر في ذكرى مجازر سابقة، إقترفوها ودماء ضحاياهم جفّت أم لم تجف بعد، في دير ياسين وقبية وكفر قاسم ومدرسة بحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا الأولى وقانا الثانية ومخيّم جنين وقطاع غزّة. ليطبّقوا مقولتهم وتوجّههم ونهجهم وحقدهم بأن "العربي الجيّد هو العربي الميّت"!!!!

يُصادف اليوم الذكرى 44 ليوم الأرض الفلسطيني الخالد والشعب الفسطيني، من جنوب لبنان الى أم الرشراش وجنوب رفح ومن حيفا ويافا وعكّا والكرمل والمثلّث الى أريحا والغور ونهر الأردن والبحر الميّت، "يقبع" في "سجن" الإلتزام الطوعي القسري المنزلي بسبب إنتشار فيروس كورونا وعصفه بدول وشعوب العالم، للوقاية منه وإتّقاء شرّه ومحاصرته.

وتقع في لبّ فلسطين وبجوار قلبها النابض وروحها الشامخة في قدس الأقداس، مدينة بيت لحم تقف على خط الدفاع الأول في مواجهة فيروس الكورونا. بيت لحم توأم القدس، مولد سيدنا عيسى المسيح الفلسطيني الناصري، رسول السلام والمحبة الى البشرية، وأول المعذّبين والمصلوبين غيلة وحقدا وخيانة. والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى سيدنا ونبيّنا وشفيعنا محمد (ص) من مكة الى القدس وعروجه الى السماوات العُلا. محمد بن عبد الله (ص) النبي القرشي، آخر الأنباء والمرسلين. بعثه الله جل وعلا رحمة للعالمين وليتمم مكارم الأخلاق.

يحتفل الشعب الفسطيني اليوم بذكرى يوم الأرض الخالد عبر نشاطات من خلال الفيس بوك ووسائل التواصل الإجتماعي، ومن خلال رفع العلم الفلسطيني ذو الألوان الاربعة الأبيض والأسود والأخضر والأحمر، على اسطح المنازل وشرفات البيوت وأعمدة الكهرباء وعلى فروع واغصان الزيتون واللوز والبرتقال.

ويقوم الشعب الفلسطيني من على شرفات بيوتهم وأسطح منازلهم وبلكونات عماراتهم بإطلاق الحناجر بالأهازيج والأغاني الوطنية ونشيد موطني ونشيد سلامنا الوطني "فدائي فدائي"، الذي لحّنه أوبراليا الموسيقار اليوناني المبدع ثيودوراكيس.

عاشت الذكرى ال 44 ليوم الأرض الفلسطيني الخالد،

عاش يوم الأرض الخالد على تراب فلسطين وفي كل مكان، في زمن الكورونا وفي كل الأزمنة،

المجد والخلود لشهداء يوم الأرض ولكل الشهداء الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين والأجانب الذين سقطوا دفاعا عن أرض فلسطين،

نتمنى السلامة والأمن والأمان للجميع، ودمتم بخير.