مشروع حياة بقلم:محمد سواعد- ابن الحميرة
تاريخ النشر : 2020-03-31
مشروع حياة

محمد سواعد- ابن الحميرة

صراع الهوية

منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 الى يومنا هذا لا يزال المواطن العربي الفلسطيني يعيش حالة من التمزق والضياع الداخلي، فهو لم يتمكن من معرفة الهوية القومية التي يحملها: هل هو مواطن في هذا الكيان الجديد، ام هل هو عربي مسلم فلسطيني يعيش على ارضه المغتصبة، ام هل هو انسان ينبغي ان يتكيف مع الظروف الطارئة ويحاول ان يموضع نفسه ضمن هذه الدائرة، وكذا الحال بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في دول العالم فهم لا يعرفون اهم مواطنون في هذه الدول ام عليهم انتظار العودة؟.

 وغيرها من الأسئلة العميقة التي تحدد أسلوب عيش الفرد وسبل تكيفه مع ظروف الحياة الطارئة التي فرضت عليه، بل وتحدد له بوصلة حياته وأسلوب تعامله مع الاحداث والظروف وتقرر سبل عيشه في أي مكان يكون فيه.

قيادات في عالم الخيال

ومع الصراع الداخلي الذي يعيشه المواطن العربي الفلسطيني أينما وجد الا انه للأسف لم يجد حتى اليوم قيادة جماعية مستدامة تلبي وتجيب عن تساؤلاته بكل جرأة الا ما ندر من طفرات قيادية، لذلك أسهمت القيادات في مجملها في زيادة الصراع النفسي بين الواقع الذي يعيشه المواطن البسيط وبين أحلامه في وطن مستقل.

معظم القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني وخاصة في الداخل تبنت عقلية مهاجمة الدولة وتحميلها المسؤولية الكاملة عن أوضاع العرب في الداخل، ولكن هذه القيادات لم تبحث يوما عن دورها في الإصلاح ومسؤوليتها الدينية والتاريخية والوطنية ولم تبلور هذه القيادات خطابا يتناغم مع الواقع اليومي للمواطن البسيط مما دفع الى تعميق الفجوة بين القيادات وبين الجماهير والذي يظهر في عدم تجاوب الجماهير مع كثير من البرامج التي تطرحها القيادة، فعلى القيادات ان تضع لنفسها برامج عمل تتناسب مع أحلام الناس جميعا على مختلف مشاربهم العلمية والثقافية والاقتصادية وتراعي الجانب الأمني الذي يضمن سلامة وامن المجتمع كله حيال سياسات الدولة ومنظوماتها المخابراتية التي تهدف الى الإيقاع بالمجتمع.

محاولة البحث عن الذات

وفي ظل هذه المعادلة الصعبة وتطورات الحياة راح المواطن يبحث عن أساليب مختلفة لتحقيق ذاته فمن الناس من لجأ الى العلم والبحث والمعرفة ليجد فيها ضالته وينفع الناس ومنهم من رضي بكفاف العيش وراح يعمل ويكد راضيا بابسط عيش في ظل الظروف التي يعيشها، والأخطر من هذا كله ان هناك من لجأ الى سبل العنف والاجرام والفساد والمخدرات عندما لم يجد من يأخذ بيديه الى حياة كريمة.

عالم الجريمة المنظمة يسيطر على الفوضى الموجودة في المجتمع

ولعل من نافلة القول انه في كل مجتمع هناك من يتلذذ بالاجرام والعنف والفساد ويجد فيها ضالته خاصة في ظل أوضاع الاحتلال الذي يبحث عن هذه الفئات ويغذيها ويتغاضى عن جرائمها لما تقوم به من تفتيت المجتمع وتمزيق اواصره من الداخل، وربما استغل قيادات عالم الإجرام الفراغ القيادي والنفسي لدى المجتمع العربي فملأوا هذا الفراغ وخيلوا للشباب خاصة حياة وردية هانئة تدغدغ أحلامهم وتعطيهم فرصة للظهور بمظهر القوي المتسلط، بل ان بعض قيادات عالم الاجرام أصبحوا هم من يلجأ اليهم الناس في حل المشكلات والإصلاح في القضايا الكبرى وذلك بفضل قدرتهم على السيطرة وفرض الحلول بما يملكون من العلاقات والقوة.

سبل الإصلاح

رغم صعوبة الظروف والواقع المعقد الذي نتحرك فيه الا الطريق الى الإصلاح والتغيير لا زالت ممكنة وقابلة للتحقق متى وجدت الإرادة السليمة والتخطيط الذي يناسب الواقع.

1-      ينبغي لنا ان ندرس تاريخ الأقليات العرقية والاثنية في العالم ونبحث في كيفية تعاطيها مع الأكثرية التي احتلت بلادها، هذه الدراسة العلمية يمكن ان تضيء الطريق وتفتح افاقا جديدة في التعاطي مع الواقع.

2-      محاولة الاستفادة من الواقع والظروف مع كل تعقيداتها وصعوبتها لنصنع منها سبل حياة وتجديد ولا نستغلها لقبر ووأد انفسنا بحجة الرضا بالواقع وعلينا ترك البكاء والندب.

3-      محاولة استقراء النصوص الشرعية والتنقيب عن فقه الأقليات في كلام الفقهاء والتامل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تعامل مع الواقع بكل حكمة وحنكة عندما عاش في مكة المكرمة.

4-      معرفة الدور المطلوب منا في هذه المرحلة، هل نحن مطالبون بالمواجهة مع الدولة ومؤسساتها؟ ام اننا مطالبون بالمحافظة على قيمنا الدينية والوطنية وتربية أبنائنا على الفضيلة والوطنية وحب الأرض؟.

5-      في ظل الظروف المعقدة المحلية والإقليمية والعالمية التي يعيشها العالم من حولنا فإن اكبر انجاز نحققه هو المحافظة على هويتنا ومقدساتنا ولغتنا وبناء جيل مثقف متعلم واع لما يدور حوله يتحمل مسؤولية نفسه ومجتمعه.

6-      على القيادة العربية في الداخل ان تسعى لايجاد برامج بناءة مميزة استشرافية تسهم في خلق روح التحدي لدى المواطن وتجسر الفجوة بين الجماهير وقياداتها.