هلسة خالدة في ضمائرنا
تاريخ النشر : 2020-03-31
هلسة خالدة في ضمائرنا


هلسة خالدة في ضمائرنا
حمادة فراعنة

لم تكن تيريز هلسة مجرد مناضلة مميزة في أدائها، أو في فعلها عن العديد من رفاقها ورفيقاتها، فقد سجلت البسالة و صاحبة مبادرة كصبية مقبلة على الحياة، اكشتفت أن كرامتها تتأتى من خلال ربط مستقبلها مع مصير شعبها عبر الفعل المقاوم ضد الاحتلال وأدواته، ومع أولئك الذين يصنعون الحياة والحرية والكرامة ضد الظلم والاستعمار.

صحيح ان ما فعلته لم يكن خارجاً عن المألوف، فقد سبقها ورافقها ومن بعدها العديد من الأفعال الكفاحية والنشاطات الثورية، ولم تُفتح أبواب النضال والسجن لها وحدها، وخطف الطائرات والاعتقال لسنوات وسنوات، فقد كانت مناضلة مع مناضلين، وثورية مع ثوريين، ولكنها سجلت حالة مميزة من النضال والمبادرة كامرأة تفوقت على نفسها وعلى أقرانها.

فهي وطنية قومية بامتياز، نتاج القاسم المشترك، والروابط الأسرية بين الأردنيين والفلسطينيين، فوالدها من الكرك الأردنية، ووالدتها من الرامة الفلسطينية، وهي مسيحية المولد والدين تأكيداً على الروابط والتراث والتداخل بين الأرض والإنسان، فهي تتبع تعاليم السيد المسيح الشهيد الفلسطيني الأول ورسالته، كما سماه وأطلق عليه الرئيس الراحل أبو عمار، الذي كان حينما يذكر المقدسات، يذكر المسيحية منها قبل الإسلامية، ذلك لإدراك أبو عمار المبكر عن اهتمام الصهيونية بالمسيحية، ومحاولات ربط المسيحية بالصهيونية، كما يفعلوا اليوم في الولايات المتحدة، فكان يقول أن السيد المسيح فلسطيني ابن فلسطين، ولد على أرض شعبه الفلسطيني في بيت لحم، وكان يربط كنائس المهد والقيامة والبشارة مع التاريخ الفلسطيني وتراثه، وأن شعب فلسطين هو المزاوجة بين المسلمين والمسيحيين والدروز منذ الوثيقة العمرية وما قبلها وما بعدها، مهما حاولت الصهيونية وأجهزتها خطف التفاصيل الفلسطينية وتغيير معالمها او حتى تبديدها.

الراحل الملك حسين حينما تجاوب مع مطالب فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة لإخراجهم من عزلتهم وفك الحصار الظالم المفروض عليهم، نحو تأدية فريضة الحج، ومناسك العمرة عبر بعثة الحج الأردنية، وفتح أبواب الجامعات الأردنية لطلبة مناطق 48، فذلك إسهاماً منه، وإدراكاً مسبقاً لأهمية الانتصار الفلسطيني من خلال حفاظ أبناء مناطق 48 على هويتهم الوطنية الفلسطينية، وقوميتهم العربية، ودياناتهم الإسلامية والمسيحية والدرزية، وتعميقها في مواجهة الأسرلة والصهينة والتبديد وفقدان الهوية.

تيريز هلسة هي نتاج هذا الوعي، و حصيلة هذا التداخل الأردني الفلسطيني، الإسلامي المسيحي، وأداته وعنوانه ووحدته في مواجهة العدو الوطني والقومي والديني والإنساني : المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.

تيريز رحلت في جو من الكآبة والحصار، ومنع الاحتكاك الاجتماعي لظرف فرضه فيروس الكورونا، فلا جنازة ولا عزاء يليق بمكانتها ودورها وحضورها الأردني الفلسطيني، الإسلامي المسيحي، ولكن ذلك لن يقلل من مكانة تيريز هلسة وتاريخها وما فعلته للفلسطينيين، في مواجهة العدو الإسرائيلي، و ستنال ما تستحق حينما تنفرج الأوضاع وتزول إجراءات منع التجول، في أن يكون لها ذكرى طيبة من قبل الأحزاب الأردنية، والنقابات المهنية اسوة بما يمكن أن تؤديه الفصائل السياسية الفلسطينية، وكل من يقف مع الشعب الفلسطيني محلياً وعربياً ودولياً.