الكورونا والمناعة النفسية بقلم المستشار أ. سمير ضاهر
تاريخ النشر : 2020-03-30
الكورونا والمناعة النفسية
بقلم المستشار أ. سمير ضاهر
الصحة النفسية بشكل عام هي درجة من الشعور بالعافية وغياب الأمراض والإضرابات النفسية وهي تعكس مدى الرضا العاطفي والتكيف السلوكي وقدرة الإنسان على الاستمتاع بالحياة وشعوره بالكفاءة والاستقلالية وتحقيق الذات والمساهمة المجتمعية ( د.سماح جبر).
وقد كشف انتشار فيروس كرونا عن هشاشة المناعة النفسية لدى المجتمعات ، فعلى الصعيد الفردي غلب على الأفراد الشعور بالتوتر والخوف والخمول والكسل والإحباط ، وعلى الصعيد الاجتماعي الشعور بالهلع وحب التملك لكل شيء والتمسك بغريزة البقاء والرغبة في اقتناء كل ما تقع عليه العين من مواد غذائية وطبية ومواد تنظيف والرغبة في الشراء والإنفاق وكأن يوم القيامة قد قرب ، وهذا ما ظهر جليا في الصورة القادمة من السوبرماركتات ومحلات البيع في كبرى المدن الأوروبية ، فقد ظهرت الأرفف فارغة ، وتغير سلوك الأفراد من الأتكيت في التعامل إلى العدوانية والتزاحم بقصد التسابق إلى الشراء، وما ذلك إلا انعكاس لصورة الهلع الذي عم تلك المجتمعات .
وقد صاحب ذلك حالة من الحنق والغضب على الحكومات والأنظمة الصحية والمؤسسات العامة لشعور الناس بالتقصير وخوفهم على حياتهم من هذا التقصير وأشد مثال على ذلك انكشاف عورة الأنظمة الرأسمالية بالتضحية بالعجزة وعدم تقديم العلاج لهم خاصة وأن نسبة كبيرة ممن توفوا من فيروس كورونا منهم .
وقد كان للشائعات ومواقع التواصل الاجتماعي أبلغ الأثر في نشر حالة التوتر الفردي والهلع المجتمعي وذلك لما لها من قدرة على اختراق نظم تفكير الناس والسيطرة عليها ، وقد ساعدها في ذلك أن الناس في بيوتهم إما لحجر صحي أو منع من التجول ، وأن لغة الإشاعة ومقدار ما تحمله من التهويل أدي في بعض المجتمعات الأوربية إلى زيادة نسبة الانتحار والتحطيم النفسي والزهد في الحياة.
إن أكثر الناس عرضة للخطر من الاضطرابات النفسية هم الذين يقبلون على تداول الشائعات ، فهم يكونون فريسة للخوف المبالغ فيه ،وقد يؤدي بهم الأمر إلى الوقوع في أخطاء إتباع وصفات طبية غير صحية وغير ملائمة لحالاتهم .
وفي حالنا الفلسطيني فنخن نواجه عدوا داخليا وهو الاستهتار والإشاعة والجهل المجتمعي في مواجهة الآثار النفسية لفيروس كرونا ، ونواجه عدوا خارجيا يتمثل في الاحتلال الصهيوني الذي يتصيد لنا كل سقطة من أ جل إيقاع اشد الأذى بمجتمعنا ، حيث يمارس علينا الحرب النفسية صباحا ومساء .
إن ما مر بنا من نكبات ومآسي وحروب وانتفاضات قوى من مواجهتنا لعظيم الأخطار ، ولكن ما يفرق بين هذه الأخطار وخطر فيروس كرونا هو أن العدو في هذه الأخطار كان ظاهرا وواضحا ، أما هذا الفيروس فإن خطورته تكمن في الطريق التي يصل بها إلى ضحاياه وقدرته على اختراق حصون مناعتهم .
وفي هذا المقام لابد من الإشارة إلى نصائح عممتها منظمة الصحة العالمية للوقاية من فيروس كورونا وهي كالمحافظة على المسافة المناسبة، والابتعاد عن التجمهر، والتخلص من الأوراق والمناديل المتسخة، والعزل الصحي، وكلما زادت مسؤولية الفرد اتبع التعليمات بدقة أكثر، ورغم أن هذا الفيروس تنجو منه الغالبية العظمى من الناس بالذات من هم في جيل صغير أو ليس لديهم أمراض مناعية، فإن المسؤولية تبقى ماثلة حتى لا تنقل العدوى لذوي المناعة الضعيفة.