اغتسال وعدم تطهر!! في مصيدة الحب خليل ناصيف بقلم: رائد الحواري
تاريخ النشر : 2020-03-29
اغتسال وعدم تطهر!! في مصيدة الحب خليل ناصيف  بقلم: رائد الحواري


اغتسال وعدم تطهر!!
في مصيدة الحب
خليل ناصيف
ضعت قصدية على صفحة "منبر أدباء بلاد الشام" تستحق أن نتوقف عندها، لما فيها من إيحاءات (متناقضة/متعارضة)، كلنا يعلم أن الاغتسال له أثر إيجابي ومتقدم على المغتسل، فهو يخرجه من حالة عادية أو سلبية إلى حالة متقدمة أو طاهرة، على الصعيد الجسدي/المادي، والروحي الفكر/المعرفي، هذه من بديهيات التي نعرفها عن الاغتسال/التطهر:
"تغسلينَ جسدَ الغولِ بزجاجةِ الماءِ الأخيرة
وتموتينَ عطشًا
وتموتينَ عبثًا"
لكننا نجد فاتحة القصيدة تقدم الاغتسال بطريقة جديدة، فهناك: "الغول، الأخيرة، وتموتين، عطشا، عبثا" فالاغتسال هنا أخذ منحى غير الذي نعفه، فهناك أفكار وألفاظ قاسية، وهذا يتنافى مع فكرتنا عن الاغتسال، لكن تستوقفنا ألفاظ متعلقة بالماء: "تعسلين، الماء، عطشا" التي تحافظ على فكرة القصيدة، الماء والاغتسال به.
ويبدو أن المخاطبة في القصيدة قريبة من الشاعر ومواجهة له، لهذا خطابها بضمير أنت: "تغسلين، وتموتين" فكرة الفاتحة تتحدث عن (عبث) الغسيل/التطهر، لأنه لم يكن في المكان/للشخص المناسب، لكن (الاغتسال) هنا ليس الاغتسال الذي نعرفه، فله إيحاءات أخرى، منها، بما أن المخاطب هي أنثى/امرأة، و تمتلك زجاج ماء "الأخيرة"/واحدة فقط، فأن هذا له دلالة على شيء واحدة تمتلكه المرأة ، وإذا فقدته/ أعطته لن يعود إليها مطلقا، إلا هو البكارة/عذريتها، وبما أن هناك لفظ "جسد الغول" فإننا يمكننا أن نقول أن هناك بعد جنسي في القصيدة.
"لا ماؤكِ الثمين أزال عن جلد الغول رائحة الضحايا
ولا روحكِ العطشى أيقَظَت فيه شهامةُ حمّلتهُ النّهر إليكِ"
يكمل الشاعر (تأنيب) ومعاتبة المُغسلة، موضحا أن عملها عبث ولم يكن في موفقا، من خلال "لا، ولا" ويبقى محافظا على مسار فكرة القصيدة "الماء/الاغتسال" فهناك "ماؤك، العطشى، النهر" ولا يكتفي بالألفاظ المباشر فقط، بل يتبعها بألفاظ متعلقة بالماء: "جلد، رائحة"، يستمر اشاعر في توجه خطابه للأنثى/للمرأة: يتجه خطاب الشاعر إلى الأنا
"لستُ حبيبكِ
لستُ ابنكِ
لستُ جاركِ
أنا شريكُك في قتل الحكمة"
يتجه خطاب الشاعر إلى الأنا، لكنه في ذات الوقت موجه للمرأة/للأنثى، لهذا ينفي عن نفسه: "حبيبك، أبنك، جارك" ورغم هذا النفي من خلال "لست" إلا أنه يحمل بين ثنياه شيء من حنين الشاعر لها/ لهذا استخدم كاف أنا/أنت، حتى أنه يحاول أن (يخفف) عنها شيء من الألم من خلال قوله "أنا شريكك في قتل الحكمة" فهذا (المشاركة) تشير إلى أنه في العقل الباطن ما زال يحن لمشاركتها، مماثلتها في العمل.
أن مشاركة الشاعر المرأة/الأنثى المخطابة في (الجريرة) لم يتوقف عند ما سبق، بل نجده يتقدم أكثر في المقطع التالي:
" أغسل عن قبركِ عبارة ”هذه المرأة أحبّت وماتت حبًا”
وأكتب: “هذه المرأة تزوجت الغول وماتت عطشًا "”
استخدام الشاعر للفظ وفعل "أغسل" تأكيد على أنه ما زال يميل إليها، وإلا ما أختار أن يماثلها في الفعل واللفظ، لكنه في ذات الوقت ما زال (متحامل/عاتب) عليها، فمحى/ازال بالغسيل كلمات جميلة التي كتبت على قبرها، ويكتب عبارة أخرى، قاسية، مستمرا في الحفاظ على وحدة الفكرة "الماء/الاغتسال" من خلال "أغسل، عطشا".
وتأتي الخاتمة لتجعل الشاعر يتماثل مع الأنثى/المرأة تماما فيكون (حاطئ) مثلها.
" مثلكِ
أبدّد مائي الثمين ثم
أموت عطشًا
وأنام بجانبك
فنصير معًا طُعمًا قديمًا في مصيدة الحبّ"
ليس في فكرة النهاية فحسب: "أبدد مائي، أموت عطشا" بل حتى في الألفاظ أيضا: "الماء/مائي، الأخيرة/الثمين، وتموتين/أموت، عطشا/عطشا، كل هذا يجعلنا نقول أن الشاعر ما زال متعلقا بها ويرغبها في (موتها) كما رغبها في حياتها.
القصيدة منشورة على صفحة منبر أدباء بلاد الشام.