مدينة السلام.. هل أمست مدينة الأشباح!بقلم: أحمد أبو دية
تاريخ النشر : 2020-03-28
بقلم أحمد أبو دية

 مقال بعنوان: مدينة السلام.. هل أمست مدينة الأشباح!

مدينة السّلام ..

السّلام على من هُم منبع السّلام، السّلام على من كانوا و ما زالوا مَثَلَ الجسد الواحد، السّلام عليهم مِن مدينة السّلام.

كيف لا أحزن وأنا اليوم أرى مدينتي تنزف،كيف أجلس ساكناً وأنا أرى مدينة الحياةِ خلَت وانعدمَ فيها كل شكلٍ من أشكال الحياة ؟ كيف لا تدمع عيناي وأنا أرى عشيقتي التي عشقتها وأحببتها حبًا سرمديًا قطعيًا تدمعُ على ما حصل لها.

يا مدينتا، كنتِ قبل ٥٠ يومًا لا أكثر مزدهرةً في شتى المناطق والحارات ،زاهيةَ الجمال. يا مدينتا كنتُ أضجرُ كثيراً حين كنتُ أجلس على كرسي السّائق وأمامي ذلك الصف من تلك المركبات التي تمتلىء بالفوضى و شغف الحياة، وتلك الأرصفة التي كنتُ دائماً أتمنى لو أجدُ مكانًا خالياً فيها لكي أركن السيارة، وشكوايَ من تلك الأزمة الخانقة،وحتى عبور تلك الطرق الفرعية الضيقة  المليئة بالحفر.

يا مدينتا، في البال يا حبيبتي عندما كنتُ أتمشى في شوارعكِ التي لا أكاد أخطو خطوة إلا وأجد العديدَ من المارة بجانبي؛ ف هنا أمامي ذلك الغربي الذي أتى لزيارة مهد المسيح ،و ذاك رجلٌ كبير يمشي بخطوات متثاقلة ،وطفلٌ يلعب بساحة المهد لا يأبه فيها إلا أن يلتقط تلك الكرة؛ كيف لا أحزن و أنا أرى مدينة السّلام التي جمعت الديانات والأجناس والأعمار معاً الآن مدينة أشباح حقيقية ؛ سببها ذلك الوباءُ القاسي.

اليوم ، بعد أن كنت اضجر من اكتظاظ المارّة والمرور فيها، أصبحتُ أرى الآن طريقاً فارغاً أمامي،وكأنه مدمار سباق أتاهُ الوباء زائراً بغير ميعاده، وكيف لي أن أمسك دمعتي وأمنع عيني من الذبول في الوقت الذي أرى فيه مدينتي في هذا الموقف القاسي؟ كم أنتظر ذاك اليوم الذي تعود فيه مدينتي كما كانَت، وكم أنتظر رجوعها كما  عاهدتها دائماً ،أنا الذي ملأتني مشاعر الضجرِ والشكوى ولعن الأزمات التي تضيقني أشتاق اليوم لها بتفاصيلها متمنياً عودتها وبشكلٍ حقيقي.

أنا كلي يقين بعودة مدينتنا سريعاً، بعودتها أقوى من السابق، وأنا مؤمن حتمياً بهذا؛ فمن صمدت بوجه محتل غاشم ٤٠ يوماً، وكانت أسوار كنيستها حصنًا منيعًا ل مقاوميها ، ومأمناً لمن كانوا يؤدون صلاة العشاء فيها، لا أتوقع ولا أُبعدُ عنها أن تهزم وباءً حقيراً تغلغل فيها بخبث؛ لتركله في عرض الحائِط وتكمل طريقها في السّلام والشغف والحياة.