كورونا وثلاثية الصحة والأمن والإعلام بقلم: خالد الفقيه
تاريخ النشر : 2020-03-28
كورونا وثلاثية الصحة والأمن والإعلام بقلم: خالد الفقيه


كورونا وثلاثية الصحة والأمن والإعلام

بقلم الإعلامي: خالد الفقيه

منذ أطل كورونا المستجد والمعروف علمياً بإسم كوفيد 19 برأسه وإقترابه من فلسطين ومع تسجيل أول الحالات في مدينة بيت لحم نتيجة الاختلاط بسياح أجانب عملت الحكومة الفلسطينية للمسارعة على إتخاذ إجراءات وقائية وإحترازية لإحتواء الموقف وحصره من التمدد خارج دائرته الأولى رغم الإمكانات الشحيحة والمحدودة وعدم القدرة على مجاراة دول تتربع على عرش الاقتصاد العالمي وتحوز على موارده التقنية والصناعية في مختلف المجالات كالصين والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى كإيطاليا وإسبانيا وغيرها والتي لم تستطع مجاراة التسارع في قوة إنتشار الوباء ما دفع بمنظمة الصحة العالمية للإعلان عنه جائحة ووباء.

خيراً فعلت الحكومة وبتوجيهات من الرئيس الذي سارع للإعلان عن حالة الطواريء العامة والتي ترجمها رئيس الوزراء بصلاحياته لأفعال على الأرض من خلال تقييد الحركة في محافظة بيت لحم لإحتواء الأزمة دافعاً بقوى الأمن لفرض الإجراءات الاحترازية ولتسهيل عمل الطواقم الطبية في الميدان وكذلك أطقم العمل الصحفي من منطلق اللازمة التي تقول بأن محاربة الأزمة والتقليل من تبعاتها بحاجة لتكامل عمل الجهات الثلاث في الميدان، فالمرضى أو من يشك بمخالطتهم بالمرضى وهذا أفرز الحاجة لتكثيف جهود الأطقم الطبية والصحية ومنع المواطنين من الحركة والاختلاط وللتخفيف من الضغط على الكادر الصحي والإمكانات الصحية المحدودة كان هناك حاجة لقوة الأمن في الميدان وفي المقابل فإن الوعي والتثقيف والحصول على المعلومة بحاجة للإعلام المسؤول.

ومع تمدد الإصابات وتسجيل بعضها خارج بيت لحم كان لا بد من إجراءات أخرى تمثلت بالإغلاق شبه التام على التجمعات الفلسطينية ليزداد العبء على ثلاثية القطاعات الثلاث ورغم الإشادة الدولية بهذه الإجراءات ومن قبل منظمة الصحة العالمية كذلك. حاول الفلسطينيون بما يتيسر لهم من موارد توظيفها للإبقاء على الحد الأدنى الممكن من تسجيل الإصابات وحالات الوفاة في صفوف المواطنين بسبب كورونا.

ولكن بقي أمران يقضان المضاجع للفلسطينيين الأول يتمثل بجيش العمال في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي المستوطنات الصهيونية والذين دفعتهم الحاجة لتوفير قوت عيالهم في ظل حالة من الغلاء المستفحل بعيداً عن الترف والتنزه عدا عن غياب صندوق للطواريء أو حتى مؤسسة للضمان كان رأس المال الفلسطيني أسقطها سابقاً قبل أن ترى النور مع غياب أو إكلينيكية الجهات التي يفترض أن تمثلهم وتمثل مصالحهم، فهؤلاء العمال وقعوا ضحية الحاجة وسماسرة التهريب والتعامل اللاأخلاقي من قبل مشغليهم الإسرائيليين من حيث المنامة والبيئة المناسبة ولا حتى في التعامل مع من تظهر عليه أعراض مرض حتى لو لم تكن كورونا حيث سجل إلقاء عدد من العمال على الحواجز العسكرية من قبل أرباب العمل أو عبر جيش الاحتلال ما دفع بالكثيرين منهم للعودة طوعاً والبعض الأخر لا زال يصم أذنيه عن دعوات الحكومة له ومن يعود منهم بات يتهرب في الجبال خشية حجره – مع الملاحظات الكثيرة على التعامل مع هؤلاء عند وصولهم مداخل القرى والمدن وعلى الحواجز-.

والتخوف الأخر هو على الأسرى الذين يناهز عددهم الخمسة ألاف ومن بينهم مرضى ونساء وأطفال ويزج بهم بشكل مكتظ وفي ظروف لا إنسانية في الباستيلات الإسرائيلية، وحالة مرضية أو إصابة بينهم ستعني تعريض حياتهم للخطر خاصةً وأن الاحتلال تاريخياً يمارس بحقهم الإهمال الطبي المتعمد. والفايروس في حال وصلهم سيكون وبلا أي حجة أو مبرر من خلال سجانيهم الذين يخالطون أخرين من مجتمعاتهم، وهذا يشكل هاجس خوف وقلق يومي لعوائل الأسرى وشعبهم مع تعنت الاحتلال ورفضه إطلاق سراحهم.

وبالعودة إلى العنوان نعم وبلا أي شك الرهان اليوم معقود على القطاع الصحي بكل مكوناته في التخفيف من الأزمة وتقديم ما يلزم من علاجات ومتابعات وأخذ عينات فحص وإتمام إجراءات الوقاية والفحص فبدونهم - أي العاملين في القطاع الصحي- وبدون المتابعة الحثيثة لهم ما أكتشفت الحالات المصابة وما تعافت ولا حتى نجا المخالطون للمرضى من الإصابة والإنضمام لهم، الكادر الطبي نعم اليوم نجم المرحلة وضرورتها ويبذل ما يستطيع من أجل شعبه وعلى حساب تواصله المجتمعي وحياته الخاصة رغم يقينه بما قد يصيبه من عدوى.

القطاع الصحي الذي سارع على المستوى الرسمي للإجراءات العلاجية والوقائية لا بد من أن يستخلص العبر ولا سيما على المستوى الرسمي بعد تخطي الأزمة الكورونية بتخصيص موازنات وإمكانيات لوجستية ومالية وبشرية أوسع فنحن اليوم في حالة رغم ما تقدم لا نحسد عليها في حال تفشى المرض في أوساط شعبية أكثر في ظل النقص الواضح في كمية شرائح الفحص والتي عمل مثلاُ كيان الاحتلال للعهد بها لجهاز الموساد لتوفيرها من الخارج، عدا عن العدد المحدود بغرف العناية الكثفة في فلسطين حتى لا نصل لحذو دول أخرى باتت تفاضل بين مرضاها على قاعدة قوى الإنتاج بالإنطلاق من الفئة العمرية.

قطاع الأمن

القطاع الأخر الذي يبذل جهده الجهيد في محاربة الكورونا هو قوى الأمن الفلسطيني بكل تشكيلاتها بإشرافها على إنفاذ حالة الطواريء للحد من الحركة إلا في حدود الاحتياج واللازم فهؤلاء أيضاً عرضة بشكل مباشر للخطر عبر تعاملهم اليومي مع الشارع على الحواجز والمتاريس وهم إنقطعوا عن حياتهم العادية والأسرية وباتت الشوارع في الليل والنهار والحر والبرد ميادين عيشهم المستمر وهنا تسجل لهم التحية ويسجل عليهم أيضاً غياب سبل الوقاية في بعض الأحيان لديهم فتعرضهم للإصابة سيعني نقلها لزملاء أخرين وقطاعات أخرى وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وهذا ليس للاحباط بقدر ما هو إرشاد نحو الاحتياط.

لقد عملت الأجهزة الأمنية خلال الأزمة ليس فقط في مجال الحجر الإحترازي بل تعدت ذلك إلى إنتاج الومضات والملصقات التوعوية للمواطنين حول طرق الوقاية والتعامل مع الإصابة وكذلك الإسناد وتلبية الاحتياجات مع الأخذ بعين الاعتبار محدودية حركتها في بعض الأماكن والمواقع ولا سيما المناطق المصنفة "ج" والتي تعادل  62% من مساحة الضفة الغربية بالإضافة لعدم تعاون المواطنين وأصحاب المحال التجارية معهم، ولعل أكثر ما ينتظره المواطن منهم ملاحقة مستغلي الأزمة من تجار الحروب الذين يستغلون الحاجة برفع الأسعار وسماسرة تهريب العمال وشركات ومصانع تصنيع المعقمات وأدوات الوقاية الأخرى التي لا تلبي المواصفات الصحية وهؤلاء شركاء حقيقيين للفايروس والاحتلال في تفشي الوباء.

الإعلام

أما الركن الثالث من المعادلة الذهبية فيتمثل بالدور الإعلامي والذي يقسم إلى مفصلين الأول يتمثل بالمنتج للمعلومة والثاني الناقل لها وهنا لا بد من شيء من التفصيل.

لقد أثبت الصديقان الإعلاميان إبراهيم ملحم الناطق بإسم الحكومة والمخول بالإيجاز والتصريح عن المرض والعميد الدكتور غسان نمر الناطق بإسم وزارة الداخلية وباقتدار قدرتهما على إدارة المعركة الإعلامية ضد عدو مجهري وغير مرئي منذ إناطة الأمر بهما وبالعاملين معهما فحضورهما أمام وسائل الإعلام يعطي شيء من الراحة والأمل رغم محاولتهما في المواقف الصعبة إخفاء حزنهما وخوفهما إلا أن وجهيهما وعينيهما تفضحانهما كيف لا وهما يمتلكان من المعلومات الكثير ويجهدان في تقديم ما يطمئن ويصب في التوجهات العامة للحالة في فلسطين. الصديقان ملحم ونمر وظفا خبرتيهما في الإعلام بجدارة حتى صارت إطلالتهما الإعلامية سمعياً وبصريا حالة وحاجة من يوميات المواطن قبل الإعلامي بما يحملانه من مستجدات وهذه نقطة تسجل لهما وبتميز.

وعلى المقلب الأخر كان الإعلاميون في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية جنوداً دائمين في الميدان يتابعون الحدث ويتناولونه بالتحليل والنقد والبحث المضني في حدود المسؤولية المهنية والاجتماعية والأخلاقية ويسجل هنا للإعلام المحلي الدور الأبرز في هذا النطاق كون المصيبة دولية ووسائل الإعلام الدولية تخص فلسطين بهامش محدد في هذا المجال.

ولكن لا بد من الوقوف على أخطاء إرتكبها البعض في جانب صراع العواجل أو تخطي حدود المهنية والخصوصية للمرضى أو الحالات المشتبه بها ما أجج حالة الهلع المجتمعي في بعض الحالات رغم مسارعة نقابة الصحفيين لتخصيص مرصد للتأكد من صحة ما ينشر من معلومات ومواد مصورة.

وبالنهاية مع تمنياتنا بتخطي المرحلة وتجاوزها يبقى الأمل مرهوناً على وعي المواطنين وإلتزامهم وببقاء حالة الوئام والتنسيق بين ثلاثية الصحة والأمن والإعلام وضرورة البدء بتوثيق المرحلة لإستقاء الدروس منها لتصميم إستراتيجيات وطنية في حالات ومجالات شبيهة.