تعليمات سلطة النقد الفلسطينية بشأن حالة الطوارئ من منظور قانوني وعملي بقلم: أ‌.منيف نزال
تاريخ النشر : 2020-03-28
تعليمات سلطة النقد الفلسطينية بشأن حالة الطوارئ من منظور قانوني وعملي
أ‌. منيف نزال
 باحث قانوني
ماجستير في القانون الخاص من جامعة النجاح الوطنية، محامي متدرب

تشكل المؤسسات المالية والمصارف اللَّبِنَة الأساسية في بناء اقتصاد الدولة، إذ أن القطاع المصرفي له دور كبير لا يمكن تجاهله في عملية التطور الاقتصادي، ذلك أنه يعتبر الأداة التي من خلالها تطبق الدولة نظامها النقدي وسياستها المالية.
وقد تتعرض المصارف والمؤسسات المالية في ظل التغيرات المستمرة في البيئة الاقتصادية إلى العديد من المخاطر التي تؤثر على أنشطتها المختلفة ويحدث زعزعة في استقرار قطاعها المالي والذي يعتبر هذا الأخير من ضمن أولويات أعمال سلطة النقد الفلسطينية أسوة بباقي البنوك المركزية في العالم، والتي تسعى بدورها لتطوير القطاع المالي، والارتقاء به، والمحافظة على استتبابه؛ ليكون القطاع المصرفي قادراً على إدارة الأزمات التي قد تحدق في القطاع الاقتصادي وتعرقل نموه. فمن أهم الأهداف التي تسعى لها سلطة النقد الفلسطينية وتتصدر أوليات عملها هو استقرار قطاعها المالي وإحداث التوازن بين عناصره، وحمايته من مخاطر السوق والتي قد تؤثر بشكل أساسي على أصول البنوك التجارية وبالتالي على سلامة أموال المودعين.
وعلى هدى ما سبق، فإننا نلاحظ أهمية استقرار القطاع المالي في الدول خصوصًا في ظل الأزمة الصحية التي يعاني منها معظم دول العالم الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد -19) واحتمالية تأثير ذلك على الأطر الاقتصادية المختلفة، وبهدف التخفيف من الآثار الاقتصادية المحتملة للأزمة، وتسهيلًا على المواطنين، ومن الضرورة بمكان فقد كان لزامًا بأن تَشرع سلطة النقد الفلسطينية باعتبارها الجهة الرقابية العليا على أعمال البنوك ولما لها من صلاحيات توازي قوة التشريع بشرط ألا تخالفه بأن تصدر تعليمات بدورها تخفف من كاهل المواطنين في ظل الأزمة الراهنة وذلك وفقاً لتوجيهات سيادة الرئيس محمود عباس وإصداره المرسوم الرئاسي استنادًا إلى مقتضيات (المادة 110) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته الذي بموجبه تم إعلان في 0532020حالة الطوارئ في كافة الأراضي الفلسطينية ولمدة 30 يوم من تاريخه؛ نظرًا للحالة الاستثنائية التي نمر بها ولمواجهة خطر الفيروس وعدم تفشيه.
ومن هذا المنطلق، فإن سلطة النقد تمكنت من إصدار تعليمات تتماشى مع الغاية التي يرنو لها مرسوم سيادة الرئيس وإعلانه حالة الطوارئ في البلاد لتفادي قدر الإمكان الأزمة التي نمر بها. وهذا ما يتفق تمامًا لما ورد في نص (المادة 3) من القرار بقانون رقم ((9 لسنة 2010 بشأن المصارف الفلسطينية، والذي خول سلطة النقد من رسم السياسة النقدية والإشراف على تنفيذها إلى جانب تنظيم كافة الإجراءات التي تكفل الأهداف المشار لها في نص (المادة (2 من نفس القانون والتي تسعى بدورها للحفاظ على استقرار الأسعار المحلية والحفاظ على نظام مالي مستقر ومتين بالإضافة إلى السعي جاهدًا للمحافظة على الأجهزة المصرفية بشكل عام.
وفي نفس الصدد فإن الصلاحيات المناط لدى سلطة النقد بموجب نص (المادة 5) من قانون رقم ((2 لسنة 1997 بشأن سلطة النقد الفلسطينية، اتاحت لسلطة النقد من إمكانية إصدار وتنفيذ الأنظمة والقرارات والتعليمات التي تكفل المحافظة على جهاز مصرفي فعال ومأمون وسليم. بالإضافة إلى القيام بأي أعمال أخرى يعهد إليها بمقتضى أي تشريع أو قانون أو اتفاقية وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون فهي تعتبر بمثابة الوكيل المالي لدى السلطة الوطنية والمؤسسات العامة فيها سواء أكانت داخل فلسطين أوخارجها خصوصًا إبان الأزمة التي نمر بها.
وعلى ضوء ما تناولناه آنفاً سنعرض لكم أهم ما جاء في تعليمات سلطة النقد الفلسطينية رقم ((4 لسنة 2020:
 استمرار تقديم الخدمات المصرفية وذلك من خلال المواقع الالكترونية الخاصة لكل مصرف على حدا، إلى جانب تطبيقاتها المزودة عبر الهواتف الذكية والتي تمكنهم من إدارة حساباتهم على أكمل وجه وبسرعة وبسهولة وعلى درجة عالية من الأمان إلى جانب إمكانية الاستفادة من خدمات الصراف الآلي ورفع سقف السحب اليومي. والجدير بالذكر ان كافة هذه الخدمات هي معفاة من العمولات والرسوم للأشهر الست القادمة مع إمكانية التمديد. بالإضافة إلى أن المصارف أتاحت تقديم خدماتها عبر زيارة فروعها للشركات فقط؛ لضمان ديمومة العجلة الاقتصادية والتجارية للسعي جاهدًا لتوفير السلع والخدمات الأساسية للمواطنين طيلة فترة الأزمة.
 أما بخصوص الأقساط الشهرية /الدورية:
يتم تأجيلها لكافة المقترضين الأفراد" سواء أكانوا "موظفين حكوميين أم قطاع خاص .. الخ" بالإضافة إلى الشركات وذلك للأشهر الأربع القادمة. ((3+4+5+6 مع إمكانية التمديد. أما فيما يتعلق في القطاع السياحي والفندقة فسيتم تأجيل دفع الأقساط الشهرية/الدورية لست أشهر القادمة (3+4+5+6+7+8) مع إمكانية التمديد. ويتم إجراء التأجيل تلقائياً من خلال كل مصرف، أما لمن لا يريد تأجيل هذه الأقساط فيمكنه التواصل مع المصرف الذي يتعامل معه وإبلاغه بعدم التأجيل أو زيارة المصرف بعد انتهاء فترة الحجر الصحي المنزلي العام ليتم سداد الأقساط الدورية كالمعتاد. ويشار إلى أن سياسة التأجيل عن الأشهر المذكورة، ستكون مستحقة الدفع بعد انتهاء فترة القرض، أي سيتم إحالة الأقساط الدورية للأشهر التي تم تأجيلها إلى ما بعد فترة انتهاء أجل القرض، بالتالي إطالة عمر القرض دون أي رسوم أو عمولات أو فوائد إضافية على الأقساط المؤجلة. ويسري ذلك على المصارف الإسلامية أيضاً دون أدنى شك. إلا أنه بعد تأصيل واستجلاء ما ورد في تعليمات سلطة النقد في البند الثالث والرابع والخامس منه فإننا نرى أنه يشوبه بعض الغموض حيث أن هذا النص كان عامًا إلى حدٍ ما؛ فلم يبين ما هي طبيعة الفوائد الإضافية التي يحظر على البنوك استيفاؤها، إلى جانب لم توضح ما المقصود بالأقساط الشهرية التي سيتم تأجيلها،أهل هي قيمة أصل القرض فقط بالتالي سيتم استيفاء الفوائد المترتبة على الأشهر (3+4+5+6)؟ أم قيمة القسط الشهري (أصل القرض+ الفائدة الشهرية)؟. ولعل العلة تكمن بأن هذه البنود كانت فضفاضة بطبيعتها، مما جعلها سيف ذو حدينيمكن تأويلها حسبما تقتضيه المصلحة، وهذا ما قد استغلته البنوك التجارية على صعيد الواقع العملي بحيث تكون هي الرابح الأكبر من هذه الإجراءات. حيث أن الغموض الذي يكتنف بنود تعليمات سلطة النقد اتاحت المجال لدى البنوك التجارية من تأويل النص بما يتماشى مع مصالحها بمعنى اتخاذ الإجراءات اللازمة حول تأجيل الأقساط "الدورية/الشهرية" كما يحلُ لها، بحيث تتناسب مع سياسة كل بنك، باستثناء البنوك الإسلامية؛ نظرًا لعدم وجود آلية للجدولة لدى هذا الأخير تتوافق مع الرؤية الشرعية التي تتبناها. وأن قيمة المرابحة هي محددة مسبقًا بين المتعاقدين. ولعلنا في هذا الصدد نطرح التساؤل التالي:
ما هي الاستفادة التي يمكن أن تعود على البنوك التجارية على اثر تعليمات سلطة النقد؟
للحديث أكثر حول هذا الموضوع لا بد لنا من توضيح بعض المفاهيم لتكون الصورة أقرب لدى القارئ.
o القروض البنكية: هي عبارة عن أمواليلتزم بمقتضاها البنك بتقديمها إلى العميل مع الاتفاق على أن يتم سداد المبلغ المقترض على شكل أقساط دورية لفترة زمنية معينة، ويتم تقديم القروض المصرفية بفائدة محددة، بالإضافة إلى مصاريف التمويل الأخرى، بمعنى أن يدفع المقرضون نسبة مئوية معينة من قيمة المبلغ المقترض، كتعويض عن الاقتراض من البنك، ويحدد البنك تاريخ الاستحقاق للقرض وسعر الفائدة وطريقة السداد، ويجب على المقترض سداد ما عليه قبل الوصول إلى تاريخ الاستحقاق المتفق عليه، وعادةً ما يطلب البنك الضمانات الكافية لتمويل القرض.
وبناءً على هذا التعريف البسيط نرى أن البنك يقوم بتقديم القروض المصرفية بمقابل فائدة محددة ويكون البنك بدوره مستفيد كلما زاد عمر القرض وازداد عدد الأقساط؛فبالتالي كلما زاد عمر القرض كلما استفاد البنك أكثر. ولعلنا نسقط هذه الفكرة على الواقعة أنفة الذكر. فإنه على ضوء التعليمات الصادرة عن سلطة النقد فإننا نجد أنه تم زيادة عمر القرض من خلال ترحيل الأشهر المذكورة إلى فترة ما بعد انتهاء القرض وبالتالي زاد عدد الأقساط وزادت نسبة ربح البنك أي أن البنك يأخذ فائدة على عدد الأقساط المستحقة. وأن الفائدة الذي حظر على البنك من استيفاؤها هي الفائدة المركبة أو الفوائد الإضافية كفائدة التأخير على سبيل المثال، ولم توضح سلطة النقد الوجه الحقيقي لطبيعة هذه الفوائد؛ ولتضح الصورة أكثر فعلينا أن نسقط المثال التالي لبعض المصارف الفلسطينية التي اعتمدت السياسة الآتية بخصوص التأجيل: أخذ أسيد قرض مصرفي من إحدى البنوك الفلسطينية في 3112020 على أن يكون عمر القرض "عاما واحداً" بمعنى أن فترة انتهاء القرض هي 3112021 وكانت قيمة القرض عبارة عن 3000 دينار أردني بفائدة تتراوح 10% من قيمة القرض على اثنا عشر شهرًا.(12 قسط شهري)
بحيث تكون قيمة كل قسط 275 دينار=(250 دينار قيمة القسط الحقيقي+ 25 دينار فائدة كل قسط). فبالتالي إن تأجيل قيمة القسط عن شهر 3+4+5+6 هو عبارة عن ترحيل قيمة الأقساط إلى الأربع أشهر ما بعد انتهاء فترة القرض وهي 3112021 وهذا لا يعني أن أسيد معفي من الفائدة المستحقة في شهر 3456 لعام 2020 وبالتالي تكون البنوك التجارية قد استفادت من فائدة 16 شهر بدل الـ 12 شهر.وهذا قد لا نراه في سياسة المصارف الإسلامية؛ لأنه يتنافى مع ضوابط الشريعة الإسلامية. فبالتالي إن المصارف الإسلامية ستعتمد هذا التأجيل دون أي مقابل نظراً للتعليمات الصادرة عن سلطة النقد والتي أتت لتفادي الخطورة التي قد تحدق في الاستقرار المالي وتمس أبناء شعبنا.
أما بخصوص الشيكات
ستعمل سلطة النقد على تعليق تصنيف المشاريع الصغيرة والمتوسطة والعملاء الأفراد المتضررين من الأوضاع الاقتصادية على نظام الشيكات المعادة للأشهر الأربع القادمة.وعلى غرار ذلك سيتم إغلاق غرفة المقاصة الوطنية التي يتم فيها التقاص بين البنوك على الشيكات.والتي تعمل بدورها على آليات التقاص على تداول أصول الشيكات ما بين المصارف الأعضاء وفي مواعيد محددة. فيما يتم تبادل بيانات الشيكات الالكترونية ما بين المصارف وغرف المقاصة باستخدام نظام المقاصة.
إلا انه في حال كان هناك شيك مستحق الأداء وقام المستفيد بتقديمه أمام مصرف الساحب وكانت قيمة الشيك موجودة لدى حساب المدين فيمكن سحبه، أما في حال لم يكن هناك رصيد في حساب المدين فلا يخضع لنظام التصنيف طيلة الفترة المنصوص عليها. أما في حال كان الساحب من مصرف معين وقام المستفيد في تقديم الشيك في مصرفه لكي يقوم المصرف بتحصيل قيمة الشيك من بنك الساحب ورجع الشيك لانعدام الرصيد فلا يخضع لنظام التصنيف أما في حال كان يوجد رصيد في حسابه فإنه بالرغم من ذلك لا يمكن استيفاء مبلغ الشيك لإغلاق غرفة المقاصة التي تحدثنا عنها في السابق. مع العلم أن البنوك لا تقوم باستقبال أي عميل، باستثناء الشركات؛ نظرًا لفترة الحجر الصحي العام التي تمر بها البلاد، وتسري هذه التعليمات على كافة أنحاء محافظات الوطن.
وبناءً على ما تم التطرق إليه في السابق فإننا نرى ختامًا أن سلطة النقد الفلسطينية هي الجهة المخولة بقوة القانون بإصدار كافة القرارات والتعليمات والتعميمات التي تتعلق في شؤون المصارف ومؤسسات الإقراض داخل فلسطين؛ لما لها من صلاحيات توازي قوة التشريع شريطة أن لا تخالفه، وخصوصاً في ظل الحاجة الماسة لمثل هذه التعليمات كوننا نمر بأزمة اقتصادية عالمية تمس الاستقرار المالي في البلاد وتحدث حالة من الهلع لدى المواطنين، وبالتالي نثمن الجهود التي قامت بها سلطة النقد الفلسطينية وسعيها لمحاولة استقرار القطاع المالي والمحافظة عليه وحمايته من مخاطر السوق.
وكون سلطة النقد الفلسطينية هي أعلى جهة رقابية على المصارف ومؤسسات الإقراض وتتمتع برصيد تشريعي كافٍ لممارسة القدر الممكن من الصلاحيات المناط لها في هذا الصدد، فكان لا بد لها من ضبط ترسانة نصوص التعليمات حتى لا يتسنى للبنوك التجارية تأويلها حسبما تقتضيه مصالحهم الشخصية وبسط كافة أدوات الرقابة على القطاع المصرفي، وذلك لحماية المواطنين من الوقوع في أي تدليس قد يحدق بهم والتعامل مع جهاز مصرفي آمن وسليم ومستقر وبدوره يعزز ثقة الجمهور بالمصارف وجهات الإقراض المتخصصة.